إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

طاغية ومؤمن

يقول تعالى في الآية ٢٨ من سورة غافر: ﴿وَقَالَ رَجُلࣱ مُّؤۡمِنࣱ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ یَكۡتُمُ إِیمَـٰنَهُۥۤ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن یَقُولَ رَبِّیَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَاۤءَكُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ مِن رَّبِّكُمۡۖ وَإِن یَكُ كَـٰذِبࣰا فَعَلَیۡهِ كَذِبُهُۥۖ وَإِن یَكُ صَادِقࣰا یُصِبۡكُم بَعۡضُ ٱلَّذِی یَعِدُكُمۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ مُسۡرِفࣱ كَذَّابࣱ﴾

ذكر بعض المفسرين أن اسم هذا الرجل (حبيب)، وقيل: (شمعان أو سمعان، أو حبيب)، وقيل: (خربيل، أو حزبيل). واختُلف هل كان إسرائيليا أو قبطيا: فبعضهم قال: كان قبطيا، ويقال: إنه كان ابن عم فرعون وهو الذي نجا مع موسى عليه السلام، ولهذا قال: من آل فرعون وهذا الرجل هو المراد بقوله تعالى: ﴿(وَجَاۤءَ رَجُلࣱ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِینَةِ یَسۡعَىٰ قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ …﴾

وقال ابن عباس: لم يكن من آل فرعون مؤمن غيره، وامرأة فرعون، والمؤمن الذي أنذر موسى؛ أي أنه رجل آخر غير ذلك، فقال: ﴿إِنَّ ٱلۡمَلَأَ یَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِیَقۡتُلُوكَ﴾

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: الصديقون: حبيب النجار مؤمن آل يس، ومؤمن آل فرعون الذي قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، والثالث أبو بكر الصديق، وهو أفضلهم. وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: لا تعجب من مشركي قومك.

وكان لهذا الرجل وجاهة عند فرعون، فلهذا لم يتعرض له بسوء.

ثم يقول تعالى: ﴿ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن یَقُولَ رَبِّیَ﴾

أي من أجل أن يقول ربي الله. “وقد جاءكم بالبيانات” يعني الآيات التسع من ربكم “وإن يك كاذبا فعليه كذبه” ولم يكن ذلك لشك منه في رسالته وصدقه، ولكن تلطفا في الاستكفاف واستنزالا عن الأذى، “وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم” أي إن لم يصبكم إلا بعض ما وعدكم به لهلكتم، وقيل: بعض، بمعنى: كل، لأن البعض إذا أصابهم أصابهم الكل لا محالة لدخوله في الوعيد.

وقيل: وعدهم موسى بعذاب الدنيا أو بعذاب الآخرة إن كفروا ، فالمعنى يصبكم أحد العذابين، وقيل : يصبكم هذا العذاب الذي يقوله في الدنيا وهو بعض الوعيد ، ثم يترادف العذاب في الآخرة أيضا، وقيل : وعدهم العذاب إن كفروا والثواب إن آمنوا ، فإذا كفروا يصيبهم بعض ما وعدوا.

إن الله لا يهدي من هو مسرف على نفسه كذاب على ربه، وقيل: مسرف في عناده كذاب في ادعائه.

وتفانى المؤمن في محاولة إقناع قومه المكذبين ثم ذكرهم بالنبي يوسف، (ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات) قيل: إن هذا من قول موسى، وقيل: هو من تمام وعظ مؤمن آل فرعون، ذكرهم قديم عتوهم على الأنبياء، وأراد يوسف بن يعقوب بعثه الله تعالى رسولا إلى القبط من قبل موسى بالبينات وهي الرؤيا.

وتوالت الآيات، يقول تعالى: ﴿وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ یَـٰهَـٰمَـٰنُ ٱبۡنِ لِی صَرۡحࣰا لَّعَلِّیۤ أَبۡلُغُ ٱلۡأَسۡبَـٰبَ﴾

لما قال مؤمن آل فرعون ما قال، وخاف فرعون أن يتمكن كلام هذا المؤمن في قلوب القوم، أوهم أنه يمتحن ما جاء به موسى من التوحيد، فإن بان له صوابه لم يخفه عنهم، وإن لم يصح ثبتهم على دينهم، فأمر وزيره هامان ببناء الصرح لعله يبلغ الأسباب (أسباب السماوات)، وأسباب السماء: أبوابها، ليطلع على إله موسى وهو يظن بكذبه، فبرز دور مؤمن آل فرعون مجددا وقال لهم اتبعون أهدكم سبل الرشاد و الصواب.

“ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع” أي يتمتع بها قليلا ثم تنقطع وتزول، “وإن الآخرة هي دار القرار” أي الاستقرار والخلود . ومراده بالدار الآخرة الجنة والنار لأنهما لا يفنيان.

ثم أضاف أنه: من عمل سيئة يعني الشرك فلا يجزى إلا مثلها وهو العذاب، ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى. قال ابن عباس: يعني لا إله إلا الله، وهو مؤمن مصدق بقلبه لله وللأنبياء. “فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب”.

“فمالكم ياقوم أهديكم للصواب وتدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم “وهو فرعون وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار.
ثم قال لهم :حقا أنما تدعونني إليه ليس له دعوة أي ليس له استجابة دعوة تنفع، وقيل: ليس له دعوة توجب له الألوهية في الدنيا ولا في الآخرة.. وقيل: ليس له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة.

وكان فرعون أولا يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، ثم دعاهم إلى عبادة البقر، فكانت تعبد ما كانت شابة، فإذا هرمت أمر بذبحها، ثم دعا بأخرى لتعبد، ثم لما طال عليه الزمان قال أنا ربكم الأعلى.

وأن المسرفين هم أصحاب النار ويعني المشركين، وقيل هم السفهاء والسفاكون للدماء بغير حقها وقيل الجبارون والمتكبرون. وقيل: هم الذي تعدوا حدود الله.

ثم هددهم بأنهم سيتذكرون ما يقول لهم وفي ذلك تهديد ووعيد. ثم قال: وأفوض أمري إلى الله أي أتوكل عليه وأسلم أمري إليه. وهذا يدل على أنهم أرادوا قتله وقيل بأن هذا المؤمن هرب إلى الجبل فلم يقدروا عليه.

ثم يقول تعالى: (فوقاه الله سيئات ما مكروا) أي من إلحاق أنواع العذاب به فطلبوه فما وجدوه؛ لأنه فوض أمره إلى الله،
وقد روي بأنه كان قبطيا فنجاه الله مع بني إسرائيل، فالهاء على هذا لمؤمن آل فرعون، وقيل إنها لموسى “وحاق بآل فرعون سوء العذاب”.

تلك كانت قصة مؤمن آل فرعون تؤكد لنا أن الجبابرة يظهرون في كل زمان و مكان و المصلحون كذلك فهذا مشهد يتكرر، ويلاحظ بأن الإيمان إن تملك من قلب صاحبه صنع له حماية ودرعًا من فولاذ لا يخشى بعده أحدا، كما يلاحظ كيف قد تدرج فرعون في المعصية والتكبر إلى أن بلغ به الطغيان أن ادعى الربوبية، وفي هذا عبرة وعظة؛ فبعض الانحرافات الكبيرة قد تبدأ صغيرة فلا يستهان بصغير الذنب، ومن وجد في نفسه ضعفًا أو انحرافًا فليُقومه، وعلى من يربي أن يفعل ذلك أيضًا ويلحق ويرمم، ويقوم الاعوجاج إن وجد منذ الصغر، فهذه أمانة ومسؤولية.

نعوذ بالله من الطغيان وظلم النفس.

بقلم/ د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

‫70 تعليقات

  1. إن الله لا يهدي من هو مسرف على نفسه كذاب على ربه، وقيل: مسرف في عناده كذاب في ادعائه.

  2. قد تبدأ صغيرة فلا يستهان بصغير الذنب، ومن وجد في نفسه ضعفًا أو انحرافًا فليُقومه

  3. الإيمان إن تملك من قلب صاحبه صنع له حماية ودرعًا من فولاذ لا يخشى بعده أحدا فعلا

  4. فبعض الانحرافات الكبيرة قد تبدأ صغيرة فلا يستهان بصغير الذنب، ومن وجد في نفسه ضعفًا أو انحرافًا فليُقومه

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88