إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

الصحف تتفوق على مواقع التواصل الاجتماعي

حسمت وسائل النشر الجديدة والتواصل الفوري، الكثير من إشكالات تبادل المعلومة، بما فيها الأسرار، ومصادر الأخبار، والتشاركية مع المتابع، ليبدأ عصر جديد في الإعلام، يخلو من عبارات، مثل “غير صالح للنشر” أو “سر ينبغي عدم التفريط به”، أو “التحقّق من المصدر”.

وحتى على مستوى الاجتماعات الخاصة، والسرية، فان تمرير الاخبار إنْ لم يكن تسريبها، في ذات اللحظة، ما عاد أمرًا عسيرًا، ذلك أن تصريحًا في حلقة مغلقة ينقلب في خلال لحظة،إلى خبر عظيم يجتاح المواقع الرقمية، ومنتديات الحوار، ومنابر التواصل، فضلًا عن مجموعات التراسل الفوري.

ويتجاوز نقل الخبر، النصيّة إلى الصورية، والفيديوية، مع تطور الهاتف الذكي وآلات التسجيل الحساسة، مُنهيًا وإلى الأبد، حقبة الخصوصية والكتمان.

أكثر من ذلك.. لم يعد هنالك جدوى لمصطلح مثل “تسريب خبر” أو “سرقة محتوى” لأن الجميع مفضوح أمام مرآة الترابط المباشر والنشر السريع، كما تنتهي بشكل واضح عبارة “سري للغاية” حتى في المخاطبات البينية بين مؤسسات دولة ما، لأن التواصل الاجتماعي لم يعد يعترف بهذه القاعدة، وينشر كل ما يصل إليه دون الحاجة إلى التيقّن من صواب الخبر، أو اسم المصدر، لأن الحقيقة ستفرض نفسها، وفيما إذا كان الخبر كاذبًا والحدث ملفقًا، بعد ثوان من الوقت.

يتعدى الانقلاب المعلوماتي، الجانب التقني إلى الاجتماعي، ذلك أن المصداقية ستكون ديدن الناشر والمتلقي، لأن الطرفين يدركان أن الحقيقة ستكون هي الراسخة في النهاية، ليقوّض ذلك التصيد في المواقف والأخبار، ويحسر النفاق الاجتماعي والإعلامي، إلى حد كبير.

فضلًا عن كل ذلك، فنحن أمام صحافة الفرد، الذي لم يعد متلقيًا، فحسب بل ناشرًا أيضًا، ومصدرًا للأخبار، وقد دفع ذلك الأمم المتقدمة الى سن قوانين المعلوماتية، التي تتضمنها الأنظمة المحلية والاتفاقيات الدولية على حد سواء.

في جانب آخر تصبح الشفافية غاية المسؤولين والحكومات والمؤسسات والشركات، لأن عملها لم يعد بين الجدران المغلقة، بل في مساحات تفصلها ألواح شفافة، نافذة صوتا وصورة.

وفق ذلك، تصبح الحقيقة ناصعة فيما يخص الأوضاع في البلدان، ولم يعد صعبًا، تقصي المعلومات والأسرار عن الدول، وإدراك الحقيقة بعيدًا عن الإشاعات والتشوهات، بل وحتى أطر التجميل والطلاء لهذه الجهة أو تلك الشخصية أو ذلك الزعيم، أو تلكم الدولة، فإنها تتداعى في وقت قياسي إذا لم تمت إلى الحقيقة بصلة.

وفي دليل واقعي، فان مشاهداتي للمواطنين في بلدان مثل المملكة المتحدة وهولندا، تشير إلى أنها باتت تمتلك صورة أشد وضوحًا وأكثر نقاءً للمشهد في العراق والشرق الأوسط، وأن تشويه صورة العرب، لم يعد ممكنًا، إلا على نطاق ضيق، وأن الحقائق باتت على الطاولة الجمعية، بشكل عام وليس النخب وحدها، وقد أتاح ذلك إزالة اللبس المعلوماتي المتشكّل تاريخيًّا بحكم صراع الحضارات، وتضارب المصالح أو تفاعلها.

تتفاعل الصحافة الجديدة مع القارئ، أيضًا بمستويات لم تصل إليها صحافتنا، ذلك أن صحيفة الجارديان تتيح للمتابعين الحصول على المال، أو الاشتراك المجاني في منتجاتها على مستوى الخبر، أو التحليل مقابل رفدها بالمعلومة، وإتاحة الوصول إلى المصدر، في مشروع استثماري يؤسس لعلاقة مادية أيضا مع المتابعين تتجاوز حقبة الإعلان التجاري الصرف، الأحادي الجانب، من ناحية كون المتلقي، مستهلكًا فقط.

ويبدو ذلك مستغربًا بعض الشي، فبينما تضع مواقع التواصل الاجتماعي، المحدّدات والشروط على المحتوى، فإن صحفًا رقمية تفسح المجال للنشر في معادلة تنقلب لصالحها، لذا فإن المتوقع أن الصحف الورقية التي تحولت إلى رقمية، والتي هي رقمية أصلا، سوف تتطور إلى نماذج لمواقع تواصل اجتماعي، تتحاور مع القارئ آنيا، وتنشر له، وتؤسس لشبكات تواصلية دائمة على غرار فيسبوك وتويتر.

بل إن الصحف، على ما يبدو، وهو ما يحدث اليوم في أوربا والولايات المتحدة، تتغلب على مواقع التواصل الاجتماعي بالدفع مقابل المادة الصحفية، متجاوزة أنماط التمويل الإعلاني، فضلا عن أنها تتفوق في جودة المحتوى.

الكاتب العراقي/ عدنان أبوزيد

مقالات ذات صلة

‫50 تعليقات

  1. حسمت وسائل النشر الجديدة والتواصل الفوري، الكثير من إشكالات تبادل المعلومة

  2. ويتجاوز نقل الخبر، النصيّة إلى الصورية، والفيديوية، مع تطور الهاتف الذكي وآلات التسجيل الحساسة

  3. وفق ذلك، تصبح الحقيقة ناصعة فيما يخص الأوضاع في البلدان، ولم يعد صعبًا، تقصي المعلومات والأسرار عن الدول

  4. في جانب آخر تصبح الشفافية غاية المسؤولين والحكومات والمؤسسات والشركات، لأن عملها لم يعد بين الجدران المغلقة، بل في مساحات تفصلها ألواح شفافة، نافذة صوتا وصورة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88