إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

والسريحي إذا خَرِفَ!

يخطئ من يقتني كتابًا للدكتور سعيد السريحي، عندما يخمن أنَّه عرف بعض مضمونه أو محتواه من عنوانه. جالت ببالي هذه الفكرة، وأنا أقرأ بشغفٍ وعشقٍ ودهشةٍ كتابه الجديد الموسوم بــــ (الحياة خارج الأقواس …. سيرة غير ذاتيَّةٍ للمدعو سعيد).


ظننت أول الأمر أنَّ الكتاب سيرة ذاتيَّة أو شبيهٌ بها. وصُدِمْتُ حقًّا بأني لم أجده كذلك؟ ماذا وجدته يا ترى؟
لا أستطيع الإجابة. لا أعرف. لا أدري. ومن قال لا أدري فقد أفتى!.

ومع كتابات السريحي يفترض أن بالقارئ أن يقول: لا أدري مرَّةً وثانيةً وثالثةً، ويضيف عليها … “ولا أريد أن أدري”!
وجدت الكتاب روايةً، وليس بروايةٍ، وجدت فيه شيئًا من السيرة الذاتيّةِ والغيريَّةِ، لكن يصعب تصنيفه كذلك.

ماذا يصنف إذن؟

أجمل تصنيفٍ له من وجهة نظري: (كتابة). نعم (كتابةٌ) هكذا.

يأخذك السريحي في هذا الكتاب إلى عوالم تقاطع معها السريحي، وتقاطعت معه، أثَّر فيها وأثرت فيه، غير أنَّه يصعب تحديد أيهما الأكثر تأثيرًا.

السريحي في كتابه هذا يتلبس شخوص أجداده كابرًا عن كابرٍ، يأخذ من عنادهم كثيرًا، ويترك. يعايش نزواتهم، ومعاركهم، ويخوض نزاعاتهم وخرافاتهم، يناقشهم، يؤمن بكلامهم حينًا، ويرفضه حينًا دون أن يصرح بالرفض أو يبرره.

يصفه أحفاده بالجنون والخرف بعد أن جاوز الثمانين. والثمانون هنا مقصودةٌ: “ومن يعش ثمانين حولًا لا أبا لك يسأم”. يشعرك بأنَّه يعذرهم في وصفهم هذا، بل ويسعد به.

مجنونٌ لم يعد لديه ما يخسره، وهو يلملم أوراق العمر -على حدِّ تعبيره-. يسخر ويتشمت بمن حرموه من شهادة الدكتوراه، ولا يتورع عن ذكر (نبزة) قبيلته السرحة: (رأس الحمار)، كنايةً عن العناد، والتشبث بالرأي. ويبرر ذلك في موضعٍ آخر بأنَّ سبب التشبث بالرأي عندهم آتٍ من التزامهم مسؤولية القرار الذي يتخذه أحدهم.

يذكر بإجلالٍ -لم يخلُ من إلقاء لومٍ بشكلٍ أو بآخرٍ- أستاذه الدكتور لطفي عبد البديع، وزميله(عابد) في المرحلة الابتدائية، الذي جننته الكتب وخصوصًا كتاب (شمس المعارف).

يحيل السريحي، الزهايمر الذي استحوذ عليه إلى منحةٍ إلهيةٍ تمكنه من رؤية ما لا يراه المبصرون، وسماع ما لا يسمعه ذو الأذان السليمة. ويجعل من الخَرَفِ إسراءً ومعراجًا لعوالم تأتيه في صحوه ومنامه، تجلس على سريره، وتظهر على ظلال جدران غرفة نومه.

لقد أتعب السريحي بكتاباته من جاء معه وبعده، لا سيما ممن يروم كتابة مذكراتٍ شخصيّة. لقد ترك السريحي المكان والزمان في كتابه ممتدين في القرب والبعد، متماهيين حد التطابق حينًا، وحد التنافر في أحيانٍ أخر.

وعنوان الكتابة هذا (الحياة خارج الأقواس) لم يقصد به السريحي -من وجهة نظري- التذكير بكتابه الشهير: (الكتابة خارج الأقواس) فقط، والذي جرَّ عليه ما جرَّ، بل قصد به التداخل بين حياته وكتابته فحياة السريحي كتابةٌ، وكتابة السريحي حياةٌ. ومن يستطيع أن يفصل بينهما؟ ولست مقتنعًا بقوله في لقائه مع المديفر أن الأقواس هي الحياة والموت.

كتاب السريحي هذا من الكتابات الخَطِرَةِ -إن صحَّ الوصف-، أنصح ذوي القلوب الضعيفة، والمصابين بأمراض الضغط بعدم الاقتراب منه. كما ينصح من يتوق لقراءته من الأصحاء أن يتعوذ من الشيطان ثلاثًا، ويسمي بالرحمن ثلاثًا، ويقرأ ما تيسر له من الأذكار لأنه مقبلٌ على مردةٍ وشياطين وأرواحٍ كثيرةٍ تحمل بصمة (السريحي وأجداده).

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

الكاتب والمترجم/ خلف بن سرحان القرشي

#خلف_سرحان_القرشي 

السعودية – الطائف – ص. ب 2503  الرمز البريدي 21944

ايميل:  qkhalaf2@hotmail.com

تويتر @qkhalaf

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. يحتاج القارئ أحياناً لقراءة الخيال من جهة ومن جهة يتمعن في تجارب الآخرين وإطلالتك على هذا الكتاب شيئ من الإبداع من كاتبنا يتوّقنا للقراءة والتمعّن بأفكار جميلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88