إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

ديمقراطيات فاشلة

تَبَنِّي الديمقراطية رمزًا ونظامًا لم يعد كافيًا، ذلك أنّ التطبيق هو الذي يحسم النتائج، إذ طالما أسرفت أحزاب وأبحاث في النظريات التي ما إنْ توضع على المحك، حتى تُدرَك انعدامية آلياتها، وعدم قدرتها على تلبية التطلعات.

نظم ديمقراطية كثيرة حول العالم، يتقوّض الكثير منها عند مفترق التنظير والتطبيق. وفي بعض الدول.. فإن ارتباك المواقف بسبب سوء تنفيذ النظرية الديمقراطية، جعل الشعوب تندم على خيارها السياسي هذا، لتعود تواقة إلى نظام شمولي، بل وحتى إلى حكم العسكر.

الاختلال الأكبر يُرصد في ديمقراطيات العالم الثالث، في الميلان عن أخلاقيات الديمقراطية، وتأزيم ولادة نظام سياسي قادر على تحقيق الاستقرار، لتتحول منتجات الديمقراطية على شاكلة شركة تعترف بوجود خلل فني في سياراتها وهي مضطرة اليوم لسحبها من الأسواق العالمية بسبب تزعزع ثقة المستهلك بمنتجاتها.

في أدبيات السياسة.. فان الديمقراطية أضحت تفاحة مُتخيّلة لكنها غير قابلة للقطف، ليعيش الشعب في حالة من الأخيلة الافتراضية، حيث الجميع يتغنى بالديمقراطية لكنه لا يتذوق ثمارها، معتقدًا أنها سوق تنضج يومًا ما.

في غينيا الاستوائية.. قال المراقبون الدوليون: إن الديمقراطية خائبة تمامًا، ولم يعد يعبأ لها الشعب؛ ما يدفعه ضد نظام سياسي هتف له وحلم به من قبل.

غينيا بيساو.. تتبجّح بديمقراطية شكلية سمحت بتداول منصب الرئاسة فيها منذ العام 1979، لكن الشعب يمضي إلى الانتخابات مُكرهًا لأنه يدرك النتيجة من قبل.

وانتقل الزعيم موغابي في زيمبابوي عبر آليات ديمقراطية هزيلة من جبهات التحرير إلى سدّة الرئاسة، ليحكم إلى الأبد.

ويحدث في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجيبوتي، وتشاد، وفيتنام، وأوغندا، أن الأحزاب تتقاسم الأصوات، بعد التلاعب بصناديق الاقتراع.

وبلغ الفشل ذروته، بعزوف وسائل الإعلام الحر، والمنظمات المراقِبة العالمية عن الحضور إلى دول الديمقراطيات الصورية، لأنها تجد في ذلك مضيعة للجهد والوقت، ومساهمة في تسويق استبداديات حقيقية.

في فنزويلا.. مقاييس فريدوم هاوس لا تمنح ديمقراطيتها، درجات النجاح الكافية.

بولندا ما بعد الشيوعية، لم تنجح في ديمقراطيتها، بعد تناسل أحزاب سياسية تبحث عن مصالحها، وتمخض عن ذلك اقتصاد منهك، ما دفع الشعب في استطلاع إلى الإعراب عن ندمه على النظام الديمقراطي، وفي العام ٢٠١٢ بلغت نسبة الذين يؤيدون الحكم العسكري 22%.

لبنان.. مثال لديمقراطيات عربية، تتبنى التقسيمات المذهبية والقومية في تقاسم السلطة، تحوّل فيه النظام السياسي إلى تعبير عن الكانتونات التي تقسّم الشعب، وليس عن الوطن الموحد، فضلًا عن أن ديمقراطيته طوال عقود لم تحقق استقرارًا سياسيًّا واقتصاديًّا.

وفي العام ٢٠١٨، غابت كل الدول العربية عن قائمة التقرير السنوي لمجلة الإيكونومست عن الديمقراطيات الحقيقية في العالم.

وفي الديمقراطيات العريقة، أطل الوجوم بين ثنايا الأزمات أيضًا، ورغم أنه لم يتهدد الأنظمة كما في فرنسا حيث الاضطرابات العمالية والوظيفية، وفي خروج بريطانيا الذي أدى التصويت الديمقراطي على خروجها من الاتحاد الأوروبي إلى انقسام مجتمعي.

وعلى الرغم من رواج الديمقراطية بين البلدان، من 11 ديمقراطية فقط في العام 1900، إلى 86 دولة في العام 2006، فإن الباحث الأمريكي (ياشا مونك) في جامعة هارفارد، يذهب إلى القول بأن ثقة الشعوب بالديمقراطيات، في أدنى مستوياتها حتى في معاقلها التاريخية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث بات انتخاب دونالد ترامب، نوعًا من القصص الخيالية في تاريخ الديمقراطيات، والدليل على تراجع الليبرالية الغربية.

وبجواب بسيط، يرى (مونك) أن الكراهية للديمقراطية تدب في نفوس الناس؛ لأن النظام لم يعد يفي بوعوده الأساسية، في ترجمة الإرادة الشعبية إلى سياسات عامة.

والسؤال، ما إذا كانت الفرصة سانحة إلى الآن في إقناع الناس بأن الديمقراطية الليبرالية رغم كل عيوبها لا تزال هي النظام الأفضل لتنظيم المجتمع.

الكاتب العراقي/ عدنان أبوزيد

مقالات ذات صلة

‫70 تعليقات

  1. كم استمتعت بردكِ الجميل
    بين سحر حروفكِ التي
    ليس لها مثيل
    وامسك قلمي واكتب لك
    انت مبدع

  2. الله يجزاك كل خير على مجهودك…
    ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتك…
    ننتظر جديدك

  3. والسؤال، ما إذا كانت الفرصة سانحة إلى الآن في إقناع الناس بأن الديمقراطية الليبرالية رغم كل عيوبها لا تزال هي النظام الأفضل لتنظيم المجتمع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88