11المميز لديناإسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

شهريار.. الحلقة (6)

وتستمر حكاية شهريار في حلقاتها فكانت  هذه الحلقات حسب روابطها 

[button color=”red” size=”medium” link=”https://www.alhtoon.com/221670/” ]الحلقة الأولى اضغط هنا [/button]

 

[button color=”blue” size=”medium” link=”https://www.alhtoon.com/222703/” ]الحلقة الثانية اضغط هنا [/button]

 

[button color=”orange” size=”medium” link=”https://www.alhtoon.com/224188/#comments” ]الحلقة الثالثة اضغط هنا [/button]

 

[button color=”green” size=”medium” link=”https://www.alhtoon.com/225698/?mobile_switch=mobile” ]الحلقة الرابعة اضغط هنا [/button]

 

[button color=”red” size=”medium” link=”https://www.alhtoon.com/226332/” ] الحلقة الخامسة اضغط هنا[/button]

 

ومن موقعي بالجبل، وعلى بعد ما يقارب الثلاثة كيلومترًات أبصرت جمعًا من الناس محتشدين هناك. أها. إنّها مقبرةٌ أعرفها جيدًا. يحيط بها سورٌ من الحجارة. عرفت أن جنازةً ما توارى الثرى. أيكون هذا الخبل قد رآهم، وذهب إليهم؟ يا للورطة؟

عدت لسيارتي. وبها وصلت إلى مقربةٍ منهم. في دقائق كنت بينهم. عرفت بعضهم من قبيلةٍ تسمى: (الأباصرة). تظاهرت بأنّي أتٍ للمشاركة في مراسم الدفن والعزاء، رغم أنيِّ لا أعرف من المتوفى ولا أهله. كنت أبحث عن شهريار، رأيته واقفًا في زاويةٍ هناك كمن ينتظر أمرًا واقعًا لا محالة.

اقتربت منه.. سلمت عليه هامسًا، سألته بصوتٍ لا يكاد يسمع:

– ما الذي أتى بك إلى هنا؟

– رأيت هؤلاء القوم يحملون على رؤوسهم تابوتًا. عرفت أنَّ بداخله جنازة، لا سيما بعد أن رأيت بعضهم يحفر في الأرض. قلت لنفسي: “واجب أن أشاركهم وأكسب الأجر”!

– تمتمت قهرًا: الله لا يكتب أجرك، ولا يعطيك العافية.

– ماذا تقول؟

– لا.. لا شيء، اسمع.. لو سألك أحدٌ منهم عن شخصك فقل له: إنني من قبيلة (الشمامية) التي تقطن بعيدًا من هنا. كنت بالجوار أبحث عن إبلٍ ضالةٍ لي. ورأيت الجنازة، وأتيت للمشاركة في مراسمها.

والآن اتبعني. صافح أهل العزاء المصطفين هناك، ضع يدك اليمنى على كتف كلِّ واحدٍ منهم، وقل له: “عظم الله أجرك”! وكفى. لا تكثر من الكلام.

انتهينا من تعزية الصف، وفي آخره، استوقفني أحدهم وكان قد زاملني في عملي منذ سنواتٍ طويلة، وظلَّ يسألني عن حالي وصحتي وأموري، وعن بعض الزملاء، وسألني عن مرافقي هذا من يكون. قلت له: “عابر سبيلٍ. يبحث عن إبلٍ ضالةٍ له منذ عدّة أيام. وأصر عليِّ؛ يعزمني ومرافقي للعشاء الذي يقام صدقةً على روح فقيدهم. وبصعوبةٍ بالغةٍ تخلصت منه.

عدت بشهريار بسيارتي إلى الغار، وحمدت الله أنِّي تخلصت بسترٍ من الله ولطفٍ من ورطةٍ كاد أن يوقعني بها شهريار.

لاحظ شهريار انزعاجي. قال لي: “هل ارتكبت خطأ”؟

– حصل خير. حاول ألَّا تتواصل مع أحدٍ يا شهريار قدر الإمكان.

– ولكن.. لماذا؟

– سأشرح لك الأمر لاحقًا.

وبمجرد أن تحركت السيارة قليلًا سألني: ماذا تسمون هذه الراحلة؟

– سيارةٌ.

– وهل هي من فصيلة الخيول أم الحمير أم الجِمَال أم ماذا؟

– هي بعيدةٌ كلُّ البعد عنهم جميعهم. هي أقرب لبساط الريح الذي حكت لك عنه شهرزاد كثيرًا.

– أها. تذكرت. وأضاف: وهل اخترعتم هذه الراحلة بناءً على حكايات شهرزاد؟

– ربَّما. لست أدري.

– كم أنْتِ مُلَهِمَةٌ يا شهرزاد!

قالها بتأثرٍ بَدَا لي معه أنَّه يشتاق إليها.

فكرت أن أفاتحه بإحضار شهرزاد إليه، لكنِّي أثرت تأجيل هذا الأمر. وصلنا إلى المغارة، شرعت في جمع الأغراض ووضعها بالسيارة، وقلت لشهريار: “نحن على وشك الذهاب إلى الشقَّة السكنيّة التي أخبرتك عنها”.

قام يغسل يده ووجه عند مدخل الغار، وأنا على مقربةٍ منه أرتشف قطراتٍ من الماء، وأفكر. فجأة أبصرت حيَّةً رقطاء من آخر الغار تقترب نحونا. رأيتها قبله؛ صحت مذعورًا: “أفعى. أفعى”! ووليت هاربًا لأنَّ لديّ “فوبيا” أزليَّةٌ من الأفاعي منذ أن كنت طفلًا أرعى الغنم، وأحمل على كتفي سِقَىً/ قربةً صغيرةً من الجلد بها ماء للشرب، تشمُّه الأفاعي عن بعدٍ، وتقترب مني. أمَّا شهريار فلم ألحظ عليه أيَّ فزعٍ، تناول عصاه، وظلَّ بهدوءٍ لافتٍ يحاول ضرب الحيّة بها، على رأسها تحديدًا، وهي تواصل فحيحها المرعب. قلت له:

“دعها يا شهريار.. لا تقتلها، نحن مغادران الغار إلى غير رجعةٍ، لم أرد لها القتل رغم خوفي وكراهيتي الشديدة للأفاعي. إنَّها لا لم تؤذني ولم تؤذِ شهريار في هذا الغار طيلة الأيام والليالي الماضية”.

لم يعر كلامي أذنًا مصغية، ولم يكلف نفسه حتى مجرد الردِّ عليه.

لم يصب بعصاه رأس الحيّة رغم محاولاته المتعددة، كانت تتلافى ضربات عصاه بالتحرك سريعًا يمنةً ويسرةً رغم ثقل جسمها. يا لغريزة حبِّ الحياة والتشبث بها، كيف تتفوق في لحظات الخطر على قوى المخلوق! فَغَرْتُ فاهي مندهشًا وأنا أراه ينثني، ويمدُّ يدَّه ممسكًا بذيلها بكلِّ هدوءٍ وحرفيَّةٍ، ويرفعها ويحركها يمنةً ويسرةً بأقصى ما لديه من سرعةٍ، ثم يضرب بها حجرًا صلدًا قريبًا من مدخل الغار، حيث سقطت صريعةً لا حراك بها.

قلت لشهريار:

– ما شاء الله لا قوة إلا بالله. كم أنت شجاعٌ! ألم تخفك الحيّة؟

ضحك مني ساخرًا:

نحن الأباطرة … لا تخيفنا الحيّات!

وما الذي يخيفكم إذًا؟

هذا من أسرار المُلْكِ يا صديقي. اعذرني.. لن أبوح لك به.

ولكنيِّ أسأل ببراءةٍ يا مولانا؟ فضولٌ معرفيٌ لا أكثر.

قلَّما تجد في أسئلة من يَدَّعُونَ الفضول المعرفيِّ سؤالًا بريئًا.

حسنًا. ولكن لماذا لم تتركها تعيش؛ إنَّها لم تؤذك، وليس ثمّة أدنى احتمالٍ أن تفعل ذلك مستقبلًا. لماذا العنف؟ هذه مخلوقات تعبد الله سبحانه وتعالى، كما أنَّها تحفظ التوازن البيئي.

من العار في حق ملك أن تطل أمامه حيّةٌ برأسها فيتركها حيَّةً حتى لو لم تؤذه.

تذكرت أنَّ الأسطورة تقول أنَّه قتل زوجته الخائنة، وكلَّ العبيد الذين كانوا معها في حفلٍ راقصٍ مختلطٍ، قبل أن يشرع بعد ذلك في الزواج كلَّ ليلةٍ من فتاةٍ وقتلها في الصباح.

لم أجادله كثيرًا، فتحت له باب السيارة بعد أن وضعت بها كافة الأغراض.

في الطريق كان شهريار مبهورًا بالمدينة شوارع وعمران، متاجر وإضاءات وغير ذلك؛ يسألني بين حينٍ وآخرٍ عن بعض تلك المعالم. كنت أجيبه باقتضابٍ. وجدته يسألني أكثر مما أسأله، تذكرت بحنقٍ رفضه إجابة سؤالي عمَّا يخيف الأباطرة، وقبلها سؤالي عن سر صمته طيلة الألف ليلةٍ وليلةٍ. وقلت لنفسي:

“ماذا يحسبني؟ أيظنني حكواتيٌّ له.. أيحسبني شهرزاده الحاكيَّة الحكايَّة؟”!

وما إن انتهيت من منولوجي هذا، حتى وجدت نفسي أمام لافتة كُتِبَ عليها: “فايز للشقق المفروشة”. طلبت من شهريار النزول، اقتدته سريعًا إلى الشقِّة بالدور الأول، وجدت المصعد متعطلًا؛ صعدنا السلَّم، فتحت له باب الغرفة، شغلت له التلفاز، دهش من الشاشة الذكيّة الكبيرة التي كانت في الصالة.. ظهرت عدَّة فتياتٍ في إعلانٍ؛ ظلَّ ينظر إليهنَّ مبهورًا لدرجة أنَّه وقف واقترب من الشاشة، وأخذ يتحسسها، ويحاول عبثًا أن يلمس بيده وجه المذيعة والضيفة التي معها اللتين ظهرتا بمجرد انتهاء الإعلان.

ظلّلت انظر إليه وأقهقه ضاحكًا. وقفت.. أمسكت به، قلت له:

– هذه الشاشة شبيهة بالآيباد، غير أنَّها أكبر وأكثر وضوحًا.

أمطرني بوابلٍ من الأسئلة الغبيّة:

– وكيف دخلت هؤلاء النساء بأجسادهن في هذه الجهاز؟ ومن سمح لهَّن بذلك؟ ولماذا أتين إلى هنا؟ وماذا يُقَدِّمْن ولمن يقدمنه؟ وهل يحصلن على مقابلٍ؟

لم يكن ينتظرني لأجيب، بل يتبع الأسئلة بأسئلة أخرى لا تقل غباءً في نظري عن سابقاتها:

– وأين بلادَّهن؟ وهل هنَّ جواريٍ للبيع؟ أم بناتٌ للأباطرةٍ وعِلْية القوم؟

تأكدَّ لي من خلال أسئلته أنَّني فعلًا أمام معضلةٍ كبيرةٍ، وإلَّا فكيف أشرح لرجلٍ من زمانٍ مضى، منذ آلاف السنين عن القفزات الحضاريّة أو الماديَّة التي وصل إليها زماننا؟ وهل سيستوعبها عقله؟ أم سيكون مثله مثل أصحابٍ الكهف الذين ما إن أعثر الله عليهم قومهم، حتى ماتوا لأسبابٍ بعد إرادة الله منها عدم قدرتهم على التكيف مع حياةٍ قومهم بعد مرور ثلاث مئة وتسع سنوات، فكيف بحال شهريار وبيننا وبينه آلاف السنين؟

وأنا على هذه الحال، فوجئت بطرقٍ على باب الشقّة. ذهبت لفتحه، وقبل فتحه سألت:

– من الطارق:

وفوجئت بأنَّ الطارق لم يكن سوى …..!

*****************************

البقية في الحلقة القادمة إن أذن الله لنا بالبقاء واللقاء.

الكاتب والمترجم/ خلف بن سرحان القرشي
#خلف_سرحان_القرشي
السعودية – الطائف – ص. ب 2503 الرمز البريدي 21944
ايميل: [email protected]
تويتر @qkhalaf

مقالات ذات صلة

‫110 تعليقات

  1. لم يكن ينتظرني لأجيب، بل يتبع الأسئلة بأسئلة أخرى لا تقل غباءً في نظري عن سابقاتها

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88