قليل من التأبي

في قرية لجوار وادٍ غير ذي زرع.. تسكننا الطاعة فقهًا وحالًا.. نأتمر أمر السلطان طوعًا في الكره.

لن نكون كما نريد، وما نريده ليس ما يجب.

أنتم سادة القرية وفارضوا طقوسها وأعيادها، بل أسياد الإقطاع لجموع.. هي بعض رغائبكم وطوع البنان، لا تُنازِع الشرعية أو تلوكُها. تجمعنا قرية واحدة ومصير مشترك وتحديات ربما ليست متشابهة لكنها في حوض واحد.

من طبائع الأشياء أنها تتأبى قليلًا وإن لانت لنا.. أبسط الأشياء تتفلت من أيدينا قبل إحسان قبضها، حتى الأفكار والصور الكلامية تتفلت قبل فهمها أو حفظها.

إن الطفل الوليد لا يملك من أمره شيئًا، ومع هذا يشق على أمه تكييفه وفق ما تشتهي، لأن نزعات الإرادة فيه، تقوده لفرض إمكان حرية الحركة، وإمكان الاستيقاظ في وقت لا تشتهيه الأم، وإمكان البكاء من ألم لا يدركه ولا تدركه إلا بعناء ومشقة. رضيع فاقد السلطة له مقاومة، رغم سهولتها، لكنها مقاومة تفرض على الأم شيئًا من المجاولة والمطاوعة لبعض انفلاته ليسهُل تكييفه وفق مرادها، فربما لو لم تعطي بعض استجابة لتأبيه وانفلاته ذَبُل وفقد طبيعته وفقدت الأم نتاجها.

في قريتنا الصغيرة لا نروم أكثر من مقاومات هذا الرضيع المتفلت المتكيف المنسجم مع قدرة الأم وخبرتها وما تؤمّل.. كما لا يُجدي مع الرضيع بطش وغِلظة، فإن رعايا هذه القرية لا يناسبهم عنف السجون، وبطش الجند، وقطع الرزق، وإذلال المناخ، ومنع الصراخ والنحيب.

وكما أن طبيعة الأشياء هي القليل والقليل جدًّا من التأبي فإننا لا نروم أكثر من هذه الحركة المقيدة، نحن أهل قرية طيبون لم تنل منَّا الطموحات إلا سقف ما ترون وتهوون.

فقط شيء من التأبي؛ شيء من بعض قول منفلت محدود، بعض تجمع ممكن، بعض تعبير يُطربنا ولا يضركم، بعض رفض كرفض طفل ينازع أمه لباسه.

ربما يفقد سادة القرية رعاياهم لأن بعض التأبي والمُنَازع والحركة، وحرية الإرادة مما هو طبيعة الحياة والأحياء قد زال أو مُنع.. إنه فرض الموت وموت القرية، إنه بقاء السيد بلا فعل، إنه دخول سيد مجاور لاحتلال قرية السيد المنفرد.

يكفي للإلزام الهجر، يكفي قليل من الزجر، يكفي النفي لقرية بعيدة، دون اعتقال وعسف وسجان. فقط دعونا نقول الحروف ننطقها في حرية ولن نؤذي سيد القرية.

إن مؤشر اختلال حياة الأجنة أو الرضّع هو سكون الحركة وضعف قيام العناصر الحيوية بجسم الجنين أو الرضيع عن الاستجابة لأداء دورها الحيوي العضوي.

إن العسف، لِمن أمات ضميرًا، أو أراق دمًا، وليس لمن حرر صوتًا في فضاء.

الكاتب/ سالم بن عبد الله القرشي

salemqurashi@gmail.com
حساب تويتر ‏Mansa2099@