إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

شهريار.. الحلقة (٤)

وتستمر حكاية شهريار في حلقاتها فكانت  هذه الحلقات حسب روابطها 

[button color=”red” size=”medium” link=”https://www.alhtoon.com/221670/” ]الحلقة الأولى اضغط هنا [/button]

 

[button color=”blue” size=”medium” link=”https://www.alhtoon.com/222703/” ]الحلقة الثانية اضغط هنا [/button]

 

[button color=”orange” size=”medium” link=”https://www.alhtoon.com/224188/#comments” ]الحلقة الثالثة اضغط هنا [/button]

——————————————————–

ارتعدت بعد سماعي كلمة (شِهَار). لم أكن في حاجةٍ لمن يقول لي: “إن الملأ يأتمرون بك.. فاخرج إنِّي لك من الناصحين”. ولم يعد هناك داعٍ لأشك بأنَّ صمت ذلك الضابط لم يكن وعيًا وفهمًا منه كما أحسنت ظنًّا، “وكم شقيت بحسن ظنِّي”! وإنِّما ذكاءٌ ومهارةٌ وخبرةٌ، وحسٌ أمنيٌّ عالٍ ليبعث فيِّ الطمأنينة، ريثما ينسق مع من يعنيه الأمر ليأتي ويودعني مصحّة الأمراض النفسيِّة والعقليِّة.

(شِهَار) وما أدراك ما (شِهَار)؟ لقد ظنَّ الضابط بأنِّي مجنونٌ ينبغي حماية العباد والبلاد منه، ومن واجبه حماية الناس والجهات الحكومية والأهْليِّة من نزواته، لأنَّ من يزعم اليوم أنَّ شهريار عنده، فلا يستبعد غدًا أن يقول بأن برفقته سيف بن ذي يزن، أو الزير سالم، أو هتلر، والقائمة تطول.

تصنعت الهدوء. أخذت أصل بطاقة الهويَّة من الجندي. سألته عن مكان دورة المياه، تظاهرت بالذهاب إليها، وما إن تأكدت من ألَّا أحدٌ يراقبني، حتى أطلقت لقدميّ الريح، وحالي “في الهزيمة كالغزال”! متجاوزًا مقتضيات السنِّ، وأحكام العمر. امتطيت سيارتي أبغي الذهاب إلى المغارة حيث ورطتي: شهريار.

في الطريق توقفت عند مطعمٍ تركيٍّ مشهورٍ لآخذ له غداءً فاخرًا حوى مُقَبِّلَاتٍ ومَشْوِيَّاتٍ ومحُلِّياتٍ ومُهِضِمَاتٍ.
وصلت الغار وقبل أن أدلف سمعت صوت شخيره يعلو في المكان، وهو مضطجعٌ على الفراش. وجهاز الآيباد ملقى على كرشه الكبيرة.

تنحنت وناديته:

– صديقي شهريار.. قم، يكفي نومًا.. نحن الآن في وقت الظهيرة.

تحرك بتثاقلٍ، بدأ يفتح عينيه، تثاءب، نظر إلي وقال:
– من أنت؟ وأين أنا؟
ضرب رأسه بيده؛ سقط الآيباد من فوق كرشه، أمسك به. جلس:
– أأأ ه.. حسنًا تذكرت.
رفع الآيباد في يده وقال:
– جهازك العجيب هذا لفظ أنفاسه الأخيرة. أخشى أنني قد قضيت عليه.

قلت له ضاحكًا:
– لا. لم يمت. ولن يمت حتى تنتهي حكاياته؛ التي لا أظنها تنتهي! لكنَّه يغط في قيلولته التي تبدأ بمجرد أن تنتهي طاقته/ شحنه!

– وكيف ذلك؟

– دعك منه الآن. سأتولى أمره، وسيعود يعمل كما كان، لا تقلق.

– الحمد لله أنَّني لم أتلفه.

هيأت له سفرة الطعام، أخذت منه الآيباد، ودَّعته على أمل العودة له بعد ساعةٍ أو نحوٍ من ذلك.
في بيتي أوصلت الآيباد بالكهرباء لشحنه. تناولت غدائي على عجلٍ، أخذت من خزانة الملابس بعضًا من ملابسي شماغًا وثوبًا، ملابس داخليَّة، وعقال جديدٍ. كما أخذت ترمسي قهوة وشايٍّ، وبعض ماءٍ للشرب والغسل. وعدت أدراجي إلى المغارة، ومعي الآيباد الذي نال قسطًا من الطاقة تكفي لأن يعمل ساعةً أو ساعتين.

في الطريق مررت على شقق صديقي فايز، ولحسن حظي وجدته هناك. تحدثت معه ثانيةً في الأمر، وبسيف الحياء، وتحت تأثير الحرج وافق أن يسكن صاحبي في إحدى الشقق لديهم، شريطة أن يكون ذلك باسمي الشخصيِّ، وببطاقتي الشخصيّة، مؤقتًا ريثما يتم إحضار بطاقة أحواله من قريته النائية.

قررت أن أخوض هذه المغامرة من أجل شهريار، وأضع نفسي -في أيِّ لحظةٍ- تحت طائلة المساءلة القانونية، ناهيك عن اضطراري إلى الكذب على “أبي محمد”؛ صديق عزيز ما عرفت منه وعنه إلا كلّ خيرٍ.  اكتنفني انتظارٌ مشوبٌ بقلقٍ مما ستؤول إليه قصتي وإن شئت فقل مصيبتي مع شهريار! فلا يعقل أن أُبْقِي مَلِكًا في غار! وليس من المعقول أن أدعه يرحل هكذا عائدًا إلى كوكبه دون أن أستعلم منه عن أمورٍ كثيرةٍ شغلتني منذ أن شرعت في قراءة حكايات ألف ليلةٍ وليلةٍ قبل أربعين عامًا، ولم أجد لها إجاباتٍ شافيةٍ رغم قراءاتي وتنقيبي وبحثي كثيرًا. غير أنَّ هاجسًا ذهنيًّا ظلَّ يلح عليّ بين حينٍ وآخرٍ -رغم محاولاتي المتكررة كبحه وتجاهله- يقول لي: “هل يستحق الشغف المعرفيِّ كلَّ هذا العناء والتكلفة والمخاطرة.

يقال: “إنَّ شغف أبينا آدم وزوجه أمنا حواء -عليهما السلام- المعرفيّ هو الذي تسبب في أكلهما من الشجرة المحرَّمة، ومن ثمَّ عوقبا بالهبوط من الجنِّة إلى الأرض”، ويمضي بي الهاجس الملح قدمًا ليقول لي: “وأي فائدةٍ ستعود عليّ إن عرفت عن شهريار وشهرزاد كثيرًا أو قليلًا.. صدقًا أو كذبًا، وهل من الضروري صحة مقولة فرانسيس بيكون: “إنَّ المعرفة القليلة خطرٌ دائمٌ”، ولماذا لا يكون العكس هو الصحيح؟ لماذا نضيق واسعًا ببحثنا عن الحقيقة في أحيانٍ كثيرةٍ؟ لماذا لا نبقيِ الأبواب دومًا مُشرعةً للاحتمال والتأويل، وندع الخيال المبدع الخصب يثري كلَّ حكايةٍ، ويكمل فجوات أيِّ رواية قديمةً كانت أم حديثةً؟”. أليست الحقيقة نسبيةٌ في كثيرٍ من الحالات: وحتى حقيقة: 1+ 1 =2، التي يظنها كثيرون حقيقةً بدهيّةً مسلمًا بها، ليست صحيحةً على إطلاقها. فـــ: تفاحة + برتقالة لا يساويان اثنان بل يساويان تفاحةً وبرتقالةً!.

ما إن انتهيت من حديث النفس هذا حتى وجدتني دون أن أشعر وصلت المغارة؛ فرح لمقدمي شهريار. تناول مني الآيباد مبتهجًا لرؤيته يعمل مجددًا. صببت له شيئًا من القهوة والشاي، أبلغته بأننا سننتقل لشقةٍ مناسبةٍ هذه الليلة، ناولته الملابس، طلبت منه الاستحمام، وارتداء الملابس الجديدة التي أحضرتها له لكيلا تثير هيئته وشكله الفضول والغرابة عند ذهابنا لتلك الشقَّة.

بدا سعيدًا بالخبر.. وسألني:
– وهل بالسكن الجديد جوارٍ؟

– انتهى زمن العبيد والجواري يا شهريار منذ زمنٍ طويلٍ. أُلغيَ الرق عالميًّا، وحُرِّر جميع الأرقاء منذ أكثر من سبعين عامًا.

– وماذا عن هؤلاء الجواري الحسان اللائي شاهدتهم في هذا الجهاز العجيب يعرضن أجسادهن مائلاتٍ مميلاتٍ؟

– هؤلاء لسن جارياتٍ بل حرائر.

– لو كنَّ حرائر لما عرضن أجسادهن بهذا الشكل. لن تبديَ حرَّةٌ زينتها لغير زوجها بهذا الشكل. قل لي أنَّك لا تريد أن تجلب لي واحدةً أو اثنتين منهن.

– صدقني يا شهريار … الأمر ليس ميسورًا. والمسألة يطول شرحها.

– إذا كانت المشكلة في المال، فلديَّ وفرةٌ منه. وأخرج من تحت ملابسه صُرَةً فتحها أمامي، وإذا بها مملوؤهٌ بسبائك ذهبيِّةٍ مختلفة الأحجام، وقال لي:
– خذ هذه الصرَّة. وابحث لي عن جاريةٍ حسناء.

لم أعرف ماذا أقول له؛ سال لعابي حقيقةً لمرأى سبائك الذهب، وسوس لي الشيطان، تناولت الصرَّة منه.  وقلت له:
– خيرًا إن شاء الله.

عدت إلى البيت، أخبرت زوجتي بالقصة كاملةً،، سال لعابها هي الأخرى لمرأى صرَّة الذهب أيضًا؛ قالت لي:
– إيَّاك أن تعيدها له، هذه نعمةٌ ساقها الله إلينا، لا تفرط فيها، من خلالها نستطيع أن ننتقل لبيتٍ أوسع وأكبر وأفضل من شقتنا البائسة هذه التي لم تعد تتسع لنا ولا لأطفالنا، كما نريد تغيير أثاثنا القديم هذا الذي مضى على بعضه أكثر من ثلاثين عامًا منذ زواجنا، وبوسعنا أيضًا …!

قاطعتها:
– ولكن كيف؟ هذا مال الرجل يريد به جاريةً. حرامٌ علينا أخذه.
– يحرم جلده عليه.. جارية في عينه إن شاء الله، الله لا يشبعه عينه فارغة، عنده شهرزاد ويفكر في جاريةٍ. كلُّ الرجال هكذا. صدق من قال: “يا مأمنه بالرجال يا مأمنه للمويه في الغربال”!

وأضافت: دعك منه، واسمع ما سأقوله لك.

تمْتمْتُ:
– إنَّ كيدكن عظيمٌ.
– ماذا قلت؟
لا لا.. لا شيء.
—————————–
البقية في الحلقة القادمة إن أذن الله لنا بالبقاء واللقاء.

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

الكاتب والمترجم/ خلف بن سرحان القرشي

#خلف_سرحان_القرشي 

السعودية – الطائف – ص. ب 2503  الرمز البريدي 21944

ايميل:  [email protected]

تويتر @qkhalaf

مقالات ذات صلة

‫51 تعليقات

  1. وياتي المساء وفيه كل سحر من اجمل الحكايات والروايات وتلك القصص التي زادت في عقلي وقلبي يقين باكتشاف احد ابوابها السبعة لكي اتمكن من الدخول الى جنتها تلك مهما حصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88