إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

اخترت معيّتي

“كل متوقع آت” مقولة تلخص عبقرية فكر رابع الخلفاء الراشدين؛ حيث تضع لك منطقًا تؤسس على حيثياته نظرتك للدنيا وتناولك لمعطيات الحياة، مع الأخذ في الاعتبار شعرة معاوية التي تفصل بين معنى التسليم لقضاء الله لما نحن مسيرون فيه، ومعنى الاختيار لكل ما جعله الله مقصودًا وفق سعيك وميولك. هناك ذلك التصور الذي يعنى بضرورة التفاؤل والتوقع الحسن حتى يبدو الأمر وكأنه صورة تكتمل حسب الخط الأخير الذي ترسمه ريشتك.

فاختر مستقبلك وفقا لتوقعاتك.. وكيف يمكنك ذلك، بـ(حسن اختيار المعية).

معية من؟ معية الرضا عن الخالق فتوهب رضاه عنك كمخلوق، معية اكتساب التفاؤل والاستبشار بدلًا من التطير والتشاؤم، معية الفكر الإيجابي البنَّاء بدلًا من الفكر السلبي الهدام.

المعية أمر مهم جدًّا.. يحدد مدى نجاحك في حياتك وتحقيقك لأهدافك.

في ذلك الغار المهيب وتلك اللحظات المترقبة، وقلبان هما الأعظم بين قلوب البشر يخفقان بحب الله ونصرة دعوته، قالها خير رجال البشرية الصادق الأمين “لا تحزن إنّ الله معنا” تلك المعية بالنصر والتأييد والسكينة التي أنزلها المولى على قلب أبي بكر الصديق، كما قال بعض المفسرين، كون الرسول السكينة لم تزل معه ولم تفارقه فاكتملت السكينة لديهما مًا. أعظم صديقين في تاريخ البشرية اختارا معيّة الله فكان الله معهما فاطمأنَّا. إنه (حسن اختيار المعيَّة).

وذلك الرسول المطارد الذي تقدم قومه هاربًا من بطش فرعون، ويئس القوم حين وجدوا أمامهم البحر وخلفهم الطاغية؛فصاحوا “إنا لمدركون”، وهنا جاء الجواب الذي يحدد كلمة الفصل ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِیَ رَبِّی سَیَهۡدِینِ﴾ تأكيد برفض الخذلان والهزيمة والهلاك، يتبعها تبرير ذلك الإصرار القاطع بالرفض؛ حيث إن موسى في معيّة الله، تلك المعيّة التي ستهبه أدوات الرشد وكنوز الهداية والإرشاد، تلك المعيّة التي أنقذته وقومه فصار البحر يبسًا في معجزة لم ولن تتكرر. إنه (حسن اختيار المعيّة).

وذاك الذي استحكمت عليه حلقات الضائقة وكل من ضاقت عليه أرضه بما رحبت وضاقت عليه نفسه.. هناك معيّة (الاقتران بين العسر واليسر) حقيقة قررها القرآن في قوله تعالى ﴿إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا﴾ ويأتي اليسر بمعيّة تسبقها بأن يلتزم المكروب: الصبر، والدعاء، والرجاء، والتوكل، والأخذ بالأسباب. معيّة خماسية إن أحسن المعسور تبنيها جاءه اليسر سريعًا ومن حيث لا يحتسب.
فقط (احسن اختيار معيّتك) بدلًا من الحزن واليأس والجزع والإضرار واللجوء لغير الله.

حتى في الزواج ونجاحه.. الأمر منوط باختيار معيّتك بتوفيق الله في هذه الشراكة. حتى في الصداقة والمودة.. تحرى اختيار الصديق الصدوق الذي يكون معك في كل حال من (شدّة ورخاء). حتى ذاتك التي بين جنبيك.. عليك أن تختار معيّتها فتصادقها وقد تأنس بها وقد تعيش عمرك مجافيًا لها ومخالفًا، وهنا يكون في معيّتك عدو يؤذيك بين جنبيك ولا تجد منه فرارًا. في قبرك معيًة أيضًا.. اختر بين ظلمة وعذاب ونور وسرور وأنس. اختر معيّتك من هذه الدار (دار الدنيا) فعملك الصالح وحسن رجائك بالله ورحمته يحددان تلك المعية وماهيتها؛ ولهذا فالمعية هي جنتك ونارك في كل أمر من أمور الدنيا أو الآخرة.

أَوَ تعلم أن هناك أمور بسيطة قد تجعلها في معيّتك وتغير مسار حياتك، مثل مصحف دائم تحمله وتقرؤه، أو كتاب نافع تتصفحه، أو صديق في الله تجالسه، أو حلوى متناثرة في حقيبتك تسعد بها طفلًا وبالغًا، أو كلمة طيبة تخرجها فتستظل بفيئها كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

أفلا أخصّك بمعرفة أجمل معية؟
ابتسم.. فالابتسامة معك ولك وبك ومنك وإليك جمال لا ينقطع و لا ينفد.

وهج:

قال: حظي معي اليوم يكفيني

قلت: وما حظك؟! ربما تبلى وحظك لا يفيد

قال: مالي جاوز الحد يحمين

قلت: ما مالك؟! قد يخلد المال وأضحيت الفقيد

قال: جاهي وشاني يمنحني ويعطيني

قلت: وما جاهك؟! إذا ما انتهى جسدك إلى قبر وحيد

قال: صحبتي عن الأحباب تغنيني

قلت: ما أكثر الأصحاب في عز وفي أنس.. وفي الضر شريد

بل قل (إنَّ معيَ ربي سيهدين)، تملك الدنيا وترضى، وتولد من جديد.

بقلم/ د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88