الصّراع المؤدلج

لم يعد لديّ شك البتّة من ضرورة تطهير الجامعة الجزائرية من الفساد الذي عطّل فعلًا مسار الباحثين عن تميّزها من المنتسبين إليها، شأنها في هذا شأن كلّ المؤسسات الاقتصادية التي استوطن فيها الفساد بكلّ أشكاله؛ فهوت بدل الارتقاء، فكانت النتيجة أن تضعضعت أركانها ومالت دعائمها، ولكم في مخرجاتها السنوية خير دليل وشاهد.

كنت أتساءل وقبل ولوجي هذا الصّرح -كطالب علم ولا زلت- الذي يطلق عنه صرح علمي، عن ما يميّزه عن بقيّة الأماكن، فوجدت بعض الإجابة حينها لا كلّها، لتستوقفني بعد عدد من السنوات حقيقة ثانية، بعد أن احترق ما تبقّى بحوزتي من قدرة على التفكير لدرجة أني اتّهمت نفسي بالتّخريف أو الادّعاء (الافتراء على جهة أو شخص ما) كي أعيد حساباتي وأضبط انفعالاتي وأقوّم وأصوّب أفكاري الخاطئة، فوجدت نفسي على صواب؛ هي سُورٌ في ظاهره الرّحمة والعِلم والأدب ومكارم الأخلاق، ونشر الفضيلة، واتّقاء الفتنة والتنزّه عن العالم السّفلي المادّي الحقير، إلى آخر أطهر وأنظف، ومن باطنه تلوح أمارات الفساد والصّراع، ويا ليته الفكري والبحثي، الذي يرتقي بالصّرح ومن فيه، فصراع الأفكار لا يفسد للودّ قضيّة، ولكنه صراع أدنى من ذلك بكثير.

الصّراع غير الطبيعي ولا الأخلاق هو الذي يتحوّل من صراع ضدّ الفاسدين إلى صراع ضد المصلحين، وهو الذي تجتمع فيه القوى الخيّرة ضدّ بعضها البعض، فتستنزف طاقتها وتجد نفسها بعد زمن يسير غير قابلة للعطاء ولا التجديد.

الصّراع غير الطبيعي هو الذي ينتهي الأمر بطرفيه أو بأطرافه إلى الانتحار المعنوي، فلا إنتاج ولا محاولة للإنتاج، بل مجرّد رسكلة وتدوير لما تمّ استهلاكه قبل عام أو خمسة أعوام.

كنت أتساءل قبل سنوات، لماذا يهجر أهل العلم والباحثين عن السَّلام الفكري والإبداعي أوطانهم؟ كنت أتساءل بيني وبين نفسي: لماذا استقال فلان من عمله كأستاذ جامعي؟ في الوقت الذي اعتقدت فيه لوهلة أنه يستمتع على الأقل بمكانته الاجتماعية بحكم منصبه الذي يتمناه كل طَمُوح! كنت أتساءل بيني وبين نفسي: ما سرّ القنوط الذي أصبح كالوباء يصيب طالب العلم؟ قنوط من الغد، ومن مجرّد التفكير فيه! قنوط سبقه قلق توتّر واضطراب تجاوز كل الحدود، إلاّ حدود التنصّل من واقع علمي لا تفاؤل فيه.

كنت لن أجد الإجابة إن لم تطأ قدماي ما يسمّى “حرمًا” ولكني انتهيت إليها وسأحتفظ بها لنفسي؛ لأجيب بها أبنائي لاحقًا.

الكاتب الجزائري/ طارق ثابت