إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

كيف يشري الإنسان نفسه ابتغاء مرضات الله؟

حين نقرأ الآية الكريمة «207» من سورة البقرة  (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشۡرِی نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ)، قد يحتار البعض في المعنى المراد من الآية الكريمة فيظن أن الفعل يشري هنا يعني -كما درج بين عموم الناس- أن يشتري نفسه، وهذا تفسير غير صحيح للآية الكريمة، فالفعل “شرى” في اللغة العربية يعني: باع وأخذ الثمن. والشاري: اسم فاعل من الفعل شرى، وهو البائع المالك للبضاعة. أما المشتري فهو عكس الشاري: وهو الشخص الذي يشتري البضاعة، أي يأخذها ويتملكها مقابل دفع ثمنها، ودليل ذلك قول الله تعالى في الآية «٢٠» من سورة يوسف عن السيارة الذين وجدوا يوسف في البئر {وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۭ بَخۡسࣲ دَرَ ٰ⁠هِمَ مَعۡدُودَةࣲ وَكَانُوا۟ فِیهِ مِنَ ٱلزَّ ٰ⁠هِدِینَ}، أي تصرفوا فيه كبضاعة لديهم وباعوه بثمن زهيد.

وفي تفسير ابن كثير: ذكر أن الضمير في شروه يعود على إخوة سيدنا يوسف لأن آخر الآية (وكانوا فيه من الزاهدين) تعود عليهم. بينما قال قتادة: إنها تعود على السيارة.

أيًّا كان من باع هنا، سواء السيارة أو إخوة يوسف، فالغرض تبيين معنى شرى: أي باع، بينما هناك من اشتراه وحصل عليه (وَقَالَ ٱلَّذِی ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦۤ …}.

إذن المعنى المراد في الآية «207» في سورة البقرة، إنما قيل: إن الآية نزلت في المهاجرين والأنصار. وفي تفاسير أخرى: ذُكر أنها نزلت في أبي ذر الغفاري، وذُكر أيضًا أنها نزلت في العموم؛ لتصف كل من يبيع نفسه فيدافع عن دين الله ويجاهد ابتغاءً لرضا الله، وأيضا ذُكر أنها نزلت في صهيب الرومي وكان قد أسلم وأراد الهجرة إلى المدينة، وكان ذا مال وغنى، فمنعه المشركون إلا أن يترك ماله وراءه ويرحل، وبالفعل فعل ذلك، فاستغنى بإيمانه ورغبته في الحصول على رضا الله عن المال والثروة.. فقد باع ماله الذي كسبه عبر السنين كدًّا وجهدًا؛ ليشتري مرضاة الله وجزيل ثوابه؛ وقد قال عنه رسول الله حين بلغه ما صنع ووافاه للمدينة (ربح صهيب البيع).

ونظير ذلك في قوله تعالى: {  (فَلۡیُقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ یَشۡرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا بِٱلۡأَخِرَةِۚ} [سورة النساء ٧٤]، أي يبيعون الدنيا ويشترون الآخرة زهدًا في الدنيا وطلبًا للآخرة والجنة بإذن الله.

فإن بعت ما لديك من الدنيا لتشتري رضا الله، ثق بأن الله سيشملك برأفة منه ورحمة، كما جاء في الآية الكريمة {وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ) تلك الرحمة التي تقلل في عينيك ما بعت وتعملق الآخرة وجزاءها في وجدانك، فلا تندم على ما فاتك من الدنيا وما فيها.

رب اجعلنا ممن يشرون الدنيا بالآخرة.

بقلم/ د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

‫72 تعليقات

  1. تسلم الانامل الرقيقة والذوق الرفيع
    الابداع والتميز من منارة هذا المنتدى
    دائما اجد في مشاركاتك فائده
    ودائما ارى في مواضيعك نظره ثاقبه
    هنيئا ليس لك
    بل لنا بك

  2. “فَلۡیُقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ یَشۡرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا بِٱلۡأَخِرَةِۚ”

  3. وكان قد أسلم وأراد الهجرة إلى المدينة، وكان ذا مال وغنى، فمنعه المشركون إلا أن يترك ماله وراءه ويرحل

  4. فإن بعت ما لديك من الدنيا لتشتري رضا الله، ثق بأن الله سيشملك برأفة منه ورحمة، كما جاء في الآية الكريمة {وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ)

  5. ودليل ذلك قول الله تعالى في الآية «٢٠» من سورة يوسف عن السيارة الذين وجدوا يوسف في البئر

  6. أي يأخذها ويتملكها مقابل دفع ثمنها، ودليل ذلك قول الله تعالى في الآية «٢٠» من سورة يوسف عن السيارة الذين وجدوا يوسف في البئر

  7. أيًّا كان من باع هنا، سواء السيارة أو إخوة يوسف، فالغرض تبيين معنى شرى: أي باع، بينما هناك من اشتراه وحصل عليه

  8. ذكر أن الضمير في شروه يعود على إخوة سيدنا يوسف لأن آخر الآية (وكانوا فيه من الزاهدين) تعود عليهم. بينما قال قتادة: إنها تعود على السيارة.

  9. تلك الرحمة التي تقلل في عينيك ما بعت وتعملق الآخرة وجزاءها في وجدانك، فلا تندم على ما فاتك من الدنيا وما فيها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88