إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

العراقي يتهافت على السياسة ويترك مهنته الحقيقية!  

واحدة من مظاهر التحول السلوكي، الذي تسْتَشرِفه المعالجات، هو الاهتمام الجمعي بالمنصب السياسي، وتزايد الظفر به في الديمقراطيات الموتورة، وهو ما يؤشر عليه كتاب (لقد تغير العالم «ص 322»)، الذي يتحدث عن قواعد بيانات متشاكلة تفيد بأنه حتى في الديمقراطيات الصناعية المتقدمة، فإن ثمة رصد لحالة الاهتمام بالسياسة وصراعاتها؛ للوصول إلى وضع مثالي في إدارة الحكم، فيما الانتقال الديمقراطي في بلدان العالم النامي، يؤدي إلى الولع بالمنصب السياسي، بدوافع الجاه والنجومية، كما في ديمقراطيات العراق، وبعض الدولة العربية، وأوروبا الشرقية، وآسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية.

تُوجّه الانتقادات إلى السياسيين وممثلي الشعب في العالم الثالث، بأنهم في الغالب منتوج عملية انتخابية “غير راشدة” تروّعت بها شعوب لا تمتلك القدر الكافي من التربية والتعليم، وتؤثر عليها العوامل الاجتماعية مثل العشائرية، والطائفية، في كيفية تجعل من المنصب وسيلة للتسلط والإثراء.

من الظواهر الجديرة بالملاحظة، أن العموم يحصر السياسة بأداء الحكومة والأحزاب، وهذا صائب، لكنه ليس الحقيقة كلها، ذلك أن الصوت الذي منحه المواطن للحكومة، هو سياسة أيضًا، وهو الذي يتجشم مسؤولية أي قانون يُسنّ.

السبب الآخر الذي يجعل الفرد يلتفت للسياسة، هو ضرورة أن يكون له رأي فيما سيحدث، ولن يكون من العدل التخلي
عن رأي شخص ما -في الديمقراطيات العادلة- لأن كل صوت يُحدث فرقًا في مستويات النفوذ، ويحول دون نفاذ
الشخص غير المناسب إلى المكان غير المناسب، لكن هذا ما يحدث في الديمقراطيات ذات العود الليّن، إذ إن المواطن نفسه لا يجعل لصوته قيمة، ويفترض الانتخاب عملية روتينية، وعبثًا.

الرصد في الحالة العراقية يشير إلى أن المنصب السياسي يصبح الوسيلة الأنجع إلى الطموح والغاية؛ ما يدفع إلى مغادرة الوظائف والمهن، جريًا إليه عبر الانتخابات، أو بواسطة الفرص والعلاقات، في حركية لا تبدو تلقائية.

الطبيب يهجر عيادته؛ ممارسًا السياسة. والمهندس يجهد ويجاهد لأجل منصب سياسي. ورئيس العشيرة يعزز إمكانياته لاستكمال نفوذه العشائري بمنصب حزبي، أو نيابي. الإعلامي الذي يمتلك الوسيلة لإيصال الصوت، والتعبير عن إرادة الناس، ينصرف عن إبداعه إلى المنصب النيابي أو الحكومي. الفنان يترك اشتغالاته في الإبداع، ويتصارع على منصب في النقابة، والبرلمان. الملاكم العراقي، ربما يلاكم داخل الحلبة على أمل الفوز بكرسي الاتحاد.

على هذا النحو تجري الأمور ليتحول الأفراد الطامحون لو أتيحت لهم الفرصة، إلى مسؤولين إداريين وسياسيين، ضاربين هواياتهم وانشغالاتهم وإبداعاتهم، عرْض الكرسي المأمول.

الشعوب، تحتاج إلى الإداريين المهنيين، كل من موقعه، قبل السياسيين والنواب، ولعل هذا أحد أسرار نجاح الغرب؛ إذ لا وجود للمكتب الفاخر الذي يجلس في وسطه مدير متجبّر، ولا تأثير للمنصب على قيمة صاحبه بين الناس.

في الديمقراطيات الصورية، يحدث العكس، إذ المفترض أن يتحول السياسي إلى مستخدم للنخب العلمية والثقافية، مشرّعا القوانين والأنظمة التي تسهّل الأعمال، لكنه بدلا من ذلك، يتحول إلى رمز للاستغلال والمقام والامتياز.

متى يصبح السياسي مثل حال المعلم، والمدرس، والطبيب، والمهندس، عندها تنحسر الرغبة إلى المنصب، وسوف يقود ذلك أصحاب الاختصاص إلى المشاركة العضوية في الوزارات والمؤسسات، فيما يعبّد السياسي الطريق لهم بالقوانين والتشريعات.

سرّ الاهتمام الزائد لدى المواطن بالسياسة ناجم عن اعتقاد سائد بأن الإنجاز والمجد لن يتم إلا حين يصبح المرء سياسيًّا، بل وانتهازيًّا، وحين يُعتقد أن المنصب امتياز لا مسؤولية، وحين يشعر صاحب الاختصاص أنه مُهان، ليلجأ إلى السياسة التي أصبحت مهنة من لا مهنة حقيقية له.

الكاتب العراقي/ عدنان أبوزيد

 

ما ورد أعلاه رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة.

مقالات ذات صلة

‫87 تعليقات

  1. بأي حبر كتبتِ كلماتك و أي عطر وضعت حروفها
    و أي أبجدية جعلت من كلماتك و حروفك شعرا يتغنى به القلب دام نبضك و نبض قلمك…

  2. كلام نقي على السليقة والطبع
    ما أجمله من شعر يحرك الضمير والوجدان سلمت بنانك وسلم يراعك

  3. حروفك ساحرة جدا لا أدري من أين تأتي بكل هذه الرصانة
    أسأل الله ان يبارك هذا الابداع الجميل.
    تحية تليق بذائقتك
    امتناني وتقديري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88