عن كتابة القصَّة القصيرة جدًا
أصبحت القصص القصيرة جدًّا، التي تُسمى أيضًا بـــ “القصة الومضة” لونٌ أدبيٌّ شائعٌ جدًّا. وتأتي القصّة من هذا النوع في فقراتٍ قليلةٍ أو في بضعة أسطرٍ فقط. إنَّها مثل خدعةٍ سحريَّةٍ، وإلَّا فكيف يمكن ضغط قصَّةٍ كاملةٍ في حيِّزٍ صغيرٍ كهذا؟ كيف يُنْجَزُ الأمرُ؟
بادئ ذي بدءٍ، لنفكر فيما يجعل القصَّةَ قصةً. فالقصة وإن كانت قصيرةً للغاية، فلا بد أن تبدو كاملةً ومقنعةً.
لكي تظهر القصَّةُ قصَّةً، يجب تغيير شيءٍ ما بين البداية والنهاية.
فما الذي يمكن تغييره؟
- موقف الشخصية: على سبيل المثال، في بداية لقصة ما، يحاول البطل الهروب من مبنى محترقٍ، وفي النهاية، يصل إلى برِّ الأمان.
- منظور الشخصية عن الوضع: ومثال ذلك أن يعتقد بطل قصَّةٍ في بدايتها أنَّ زوجته سعيدةٌ في حياتها معه، غير أنَّه يكتشف في نهاية القصَّة أنَّ الأمر خلاف ذلك، وأنَّ زوجته تخفي مشاعر تجافٍ بينهما.
- فهم القارئ للوضع: كأن يظهر في بداية قصَّةٍ حدوثها في منتجعٍ مثاليّ للعطلات، وفي النهاية يدرك القارئ أن ذلك المنتجع مسكونٌ، وأنَّ العاملين به ليسوا سوى أشباح.
تنقل القصة القصيرة جدًّا القراء من النقطة “أ” (الشخصية في المبنى المحترق، الشخصية الآمنة كون زواجه سعيدًا، الشخصية المسترخية في منتجعٍ جميلٍ) إلى النقطة “ب” (الشخصية الآمنة من النار، الشخصية التي تعيد التفكير في الزواج، الشخصيَّة التي تكتشف أنَّ المنتجع مسكونٌ).
لنتحدث الآن عن كيفية إنجاز كلِّ هذا بسرعة فائقةٍ، مع الإبقاء عليه مقنعًا. إنَّ ثمّة بعض الاستراتيجيات التي يمكنك باعتبارك كاتبًا لهذا اللون من القصص تجربتها، ومنها:
1) ابدأ متأخرًا في القصة:
في القصة القصيرة جدًا، لا يوجد وقتٌ للكثير من التمهيد والتقديم؛ لذا عليك أن تقفز مباشرةً إلى الحدث.
وعليه ففي قصَّة (المنتجع المسكون)، ليس عليك إظهار الشخص الذي يقوم بحجز الرحلة للبطل، ولا حزمه لحقائبه، وللغفوة التي راح فيها على متن الطائرة. عليك أن تبدأ عند قيامه بتسجيل وصوله إلى الفندق، والاستمتاع ببهوه الجميل، وفي نفس الوقت ملاحظته لأمرٍ غريبٍ بعض الشيء عن سلوك موظف الاستقبال.
أمَّا في القصَّة المتعلقة بالشخصيَّة التي تفر من المبنى المحترق، فيمكنك أن تبدأها في الزحف مع بطلها إلى أحد الممرات بينما اللهب يملأ المكان في كلِّ ما حوله.
وفي القصة الخاصة بالشخص الذي يدرك أنَّ زواجه مضطربًا، فبوسعك بدؤها في لحظةٍ ما قبيل ذلك الإدراك.
ابدأ قبل ذروة القصَّة مباشرةً، وأعني بذروة القصَّة هنا النقطة الأكثر إثارةً أو النقطة المحورية في القصَّة؛ بحيث يمكنك منحها الاهتمام الذي تستحقه.
2) اختر التفاصيل الصحيحة:
عندما ترغب في خلق تأثير لصورةٍ مفصَّلةٍ، وطبيعية هذا اللون من الأدب لا تسمح بكثيرٍ من التفاصيل، فيجدر بك والحالة هذه اختيار التفاصيل الضرورية بعنايةٍ فائقةٍ.
اختر التفاصيل التي تعطي صورةً أكبر: فعندما تقول مثلًا: “أذكر صفائح مغطاةً بالطعام مكدسةً على طاولة المطبخ، وشريحةً من البيتزا تتغلغل على أرضية المطبخ منذ أسبوعٍ”، فسيتخيل القراء أنَّ بقيَّة المطبخ سيئةٌ جدًا.
اختر التفاصيل التي تخلق شعورًا معيَّنًا: إذا كنت ترغب في إعطاء القراء شعورًا زائفًا بالمنتجع المسكون، فيمكنك التركيز على التفاصيل التي تلمح إلى القلق، أو تشير إلى أنَّ شيئًا ما غير صحيح، ومثال ذلك أنَّ الموظفين لا يتواصلون فيما بينهم بصريًّا، وكلُّ الزهور التي في بهو الفندق ميتةُ، والثريا المعلَّقة تلقي بالكثير من الظلال.
3) ابقِ على تركيزك:
- ما الذي تحاول إنجازه في قصتك؟
- ما هو التغيير المركزي الذي يحدث بين بداية القصة ونهايتها؟
- ما هو الشعور الذي تريد خلقه في قرائك؟
واعلم أنَّه ليس ثمَّة مجال في القصَّة القصيرة ينشد تحقيق مطالبٍ غير إجابات تلك الأسئلة الثلاثة الرئيسة.
4) لَمِّحْ أكثر مما تُصَرّحْ:
عندما تريد منح قرائك إحساسًا بعالمٍ يستمر خارج إطار القصة، فبوسعك توظيف تلميحٍ أو لفتةٍ أو رمزٍ ليمثل ما يحدث خارج ذلك الإطار.
على سبيل المثال، بعد أن تخبره زوجة البطل بأنَّها غير سعيدةٍ في الزواج، فلربما يعد الزوج بالتغيير، ليكون أكثر حساسيةً وتفهمًا لاحتياجاتها. إنَّها مترددةٌ للحظةٍ، لكنَّها تلقي برأسها على كتفه.
لن يعرف القارئ الطريقة التي يصلحان بهما علاقتهما، لا يوجد مجالٌ لذلك في القصَّة، غير أنَّ حركة الزوجة تلك تومئ إلى أنَّها مستعدةٌ للمحاولة.
وفي نسخةٍ أخرى تعيسةٍ من هذه القصة، قد تتمثل استجابة الزوجة لوعود الشخصية / الزوج بترك الغرفة بهدوءٍ. هذه الحركة تشير إلى مسارٍ مختلفٍ للزوجين بعد نهاية القصة.
5) استبعد الكلمات غير الضرورية.
عند مراجعة قصتك، قلص من عدد كلماتها من خلال إزالة المفردات المكررة، وأيِّ نوعٍ من الحشو، لكن أجِّل هذا النوع من التحرير إلى ما بعد الانتهاء من كتابة مُسوّدةِ القصَّة كاملةٍ. وذلك لأنك أثناء عملك تحرير مُسَوَّدةِ القصة تريد السماح لأفكارك وخيالك أن تتدفق بحريّةٍ دونما انقطاعٍ الأمر الذي يقتضي منك حينها ايقاف تشغيل “المحرر الداخلي” داخلك.
في الواقع، قد تجد أنَّه من المناسب تجاهل كثيرٍ من النصائح في هذا المقال إلى أن تصل إلى مرحلة المراجعة!
عليك أن تنهي القصةً أولًا، وتجعلها شبه جاهزة على الورقة، وفي وقتٍ تالٍ يمكنك أن تبدأ بعملية التحرير والمراجعة، والتدقيق ما يحتاج إلى ذلك.
ختامًا: إنَّ أفضل طريقةٍ لكتابة “قصَّةٍ قصيرةٍ جدًا” هي كتابة الكثير من القصص منها. لأنَّك بهذا تستثمر نظرية الاحتمالات، فكلَّما كتبت قصصًا أكثر، كانت فرصك أفضل في إنتاج قصصٍ أجمل.
——————————————————————
(نشرت في مجلة فرقد الإبداعية في العدد الصادر في 11_1_2020).
ترجمة الأديب والباحث والمترجم/ خلف بن سرحان القرشي
#خلف_سرحان_القرشي
السعودية – الطائف – ص. ب 2503 الرمز البريدي 21944
ايميل: [email protected]
تويتر @qkhalaf
ممتاز
مقال رائع جدا
ترجمت وكأنك الكاتب الاصلي لها
بالله كنت ابحث عن هذه المعلومات
قواعد مهمة للكتابة القصصية
موفقين
قواعد ذهبية
لا يترجم الادب الا اديب مخضرم
القصة القصيرة جدا تحتاج لايجاز كبير
التركيز سمة أساسية للقصة
توصيف رائع في العنوان والمقدمة
أصبت والله
بارك الله فيك
كتابة وأفكار مرة رائعة
شكرا هتون
موفق دوما
نفع الله بنا وبكم
تسلسل منطقي للأفكار
لا فض فوك
يسلموا
مشكورين
موضوع اكثر من رائع
اشكرك على طرحك المفيد
ماشاء الله ابدعت
كل الشكر لكم
دمت مبدعا كاتبنا العزيز
بسم الله ما شاء الله
جهد موفق تبارك الله
جيد جدا
موضوع متميز
أنتظر هذا الباب دوما
روعه روعه
كلمات معبرة
دائما ما تمس الموضوعات المؤثرة
لكي تظهر القصَّةُ قصَّةً، يجب تغيير شيءٍ ما بين البداية والنهاية.
كلام مفيد
عنوان معبر
فكر عميق
كتابة رائعة
أسلوب سلس وسهل
فعلا هذه التغيرات في القصة جد صعبة
مبادئ لكل كاتب يافع
يحب أن تتناسب القصة مع الزمان والمكان المنسوبة إليه وأن يجعلها الخيال تبدو واقعية
كنت ابحث عن مرجع للكتابة شكرا لك
سلمت يداك مترجمنا المتميز
زادك الله علما
قصة الومضة تلك تحتاج لبراعة ومهارة كبيرة
ممنونة لحضرتك جدا
ساجرب كتابة قصة كهذه
شكرا صحيفتنا هتون
قصة تستحق المتابعة
بارك الله فيك استاذها
ننتظر منك الكثير من خلال إبداعاتك المميزة
موضوع في قمة الروعه
دمت لنا ودام تألقك الدائم
كل الشكر لكـ ولهذا المرور الجميل
ماأجمل تلك المشاعر التى
خطها لنا قلمك الجميل هنا
دائمآ فى صعود للقمه
أمسك قلمى وأكتب لك
أنت مبدع
إلى أعماق البحار دون خوف
تقبل مرورى وشكرى
دائما متميز فى الانتقاء
دمت ودام عطائك
أروى ناظرى بحروفك المفعمه
بالأشياء الجميله
الشكر والإحترام والتقديرلك يا أستاذ خلف
كلمـاتك أروع من الخيــ/ــال
بارك الله فيك (خ) علـى المـوضوع الجمـيل والطـرح الممـيز
أفـدتنا بمـعلومات قـيمة ومفيدة جـزاك الله خـيرا
نحـن في انتظـار مواضيـعك الجديـدة والرائـعة
لـك (خ) مـني أجمـل التحـيات ودمـت (خ) فـي أمـان الله وحفـظه
تحيـاتي الحـارة
رائع جدا أديبنا .. معلومات قيمة ومفيدة جداً
دمت للتألق عنواناً.
????
تناولت القصه القصيره من جميع الجوانب وهذا اسلوبك المميز وفقك الله
سعداء بكم اديب الغدير في طرح متمازج بين ريشة الواقع ومشاهد الخيال كون ان العصر في حاجة لذلك فكم من القصص القصيرة احيلت للارفف البالية بعد ان فرضت الملل بين اسطرها منهكة السيناريو في الترقيع والتبويب وصنع الاثارة ..طبت اباسعد وطاب قلمكم الادبي الراقي
المختصر أو الإختصار وبشكل أوسع فهمتها الموجز هكذا فهمت، شكرا أبا سعد.
موضوع جميل
يستحق القراءة
تسلم الأيادي التي كتبت هذا الموضوع
عبارات متناسقة و موضوع ممتاز
ممتاز دمت مبدعا
زادكم الله علما و معرفة
ماشاء الله عليك ،مقالة ممتازة
طرح يستحق المتابعة
يعطيك ألف ألف عافية
موضوع في قمة الروعة ننتظر المزيد من إبداعكم
كل الشكر لك استاذنا ولهذا المرور الجميل
نصائح ثمينة
سلمت يداك أستاذنا الفاضل
موضوع جد مفيد للكتاب الشباب
أصبت صلب الموضوع
هذه النصائح علمنيها أستاذي وانا في بداية طريقي للكتابة، وكانت مثمرة جدا
بارك الله فيكم.
مبذول في الموضوع جهد كبير
شكرا جزيلا على المعلومات القيمة
إنَّ أفضل طريقةٍ لكتابة “قصَّةٍ قصيرةٍ جدًا” هي كتابة الكثير من القصص منها. لأنَّك بهذا تستثمر نظرية الاحتمالات، فكلَّما كتبت قصصًا أكثر، كانت فرصك أفضل في إنتاج قصصٍ أجمل.
خطوات حقيقية لكتابة القصة القصيرة.
بالتوفيق للجميع
عند مراجعة قصتك، قلص من عدد كلماتها من خلال إزالة المفردات المكررة، وأيِّ نوعٍ من الحشو، لكن أجِّل هذا النوع من التحرير إلى ما بعد الانتهاء من كتابة مُسوّدةِ القصَّة كاملةٍ.
معلومات مفيدة جدا، وبإذن الله سأحاول قدر الإمكان التعلم منها.
عرض مبسط لأهم النقاط التي يحتاجها الكتاب الناشئة
عندما تريد منح قرائك إحساسًا بعالمٍ يستمر خارج إطار القصة، فبوسعك توظيف تلميحٍ أو لفتةٍ أو رمزٍ ليمثل ما يحدث خارج ذلك الإطار.
دائما نستفيد من كتابات حضرتكم أستاذ خلف.
حقيقة قمة الإبداع، أن تفيد الآخرين بعلمك كي يكونوا مبدعين.
في القصة القصيرة جدًا، لا يوجد وقتٌ للكثير من التمهيد والتقديم؛ لذا عليك أن تقفز مباشرةً إلى الحدث.
ممتاز
بوركت جهودكم المقدرة