ليطمئن قلبي
في كتاب الله، وتحديدًا في سورة البقرة آيات بينات تلخص قصة طلب سيدنا إبراهيم من المولى -جل وعلا- أن يريه كيف يحي الموتى، وسأله الله: “أولم تؤمن” قال: “بلى ولكن ليطمئن قلبي”. ووردت في تفسيري ابن كثير والطبري اتجاهات كثيرة لتفسير معنى هذه الآية، والسبب وراء هذا الطلب. وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “نحن أولى بالشك من إبراهيم”، بما يفيد أن حاشا سيدنا إبراهيم أن يشك في ذات الله أو قدرته وإلا كنا نحن أولى منه بذلك الشك فهو خليل الله.
ووردت شروحات كثيرة وفق نصوص لأحاديث رسول الله، وأقوال من الصحابة تشرح معاني هذه الآيات، فهناك أقوال تفيد بأنه ليس شكًّا كليًّا بل هو عارض من الشيطان عرض في قلب إبراهيم. وهناك تفسير آخر بأن الخليل أراد التأكد من أن الله يخصه بعطايا متفردة تثبت كونه خليل الله. وهناك اتجاه ثالث في تفسيرها يفيد بأن الخليل يريد أن يتعدى مرحلة علم اليقين إلى عين اليقين؛ فأراد أن يرى بعينيه ليسكن قلبه ويهدأ باليقين الذي يستيقنه.
أيًّا كان التفسير الأدق لسبب هذا الرجاء من سيدنا إبراهيم فقد وصفها ابن عباس بأنها أرجى آية في القرآن لهذه الأمة؛ كونها تمنح أملاً لمن دَاخَل قلبه تساؤل أو شك يومًا ما؛ فطالما إبراهيم عليه السلام طلب التسكين والطمأنينة، فالآكد ألا نجزع إن عصفت بنا التساؤلات، فالشيطان هنا يحاول باستماتة مع من قد يئس من كفره فيملؤه تساؤلاً وشكًّا؛ وعلى المسلم أن يستعيذ منه ويقوي إيمانه بالله.
هذه الآية استوقفتني؛ وظللت أفكر وأتدبر دقائق طويلة (ولكن ليطمئن قلبي)، طار ذهني بين عشرات العواصم من مواقف وأحوال تتطلب العمل بمقتضى هذه المقولة من سيدنا إبراهيم، فإن كان تسكين الفؤاد واطمئنان القلب قد سُئِل من قِبَل خليل الله لربه في شأن البعث وإعادة الحياة، فمن باب أولى أن يحتاجها القلب ليسكن في أمور الحياة العادية بين البشر بعضهم البعض.
فالمولى العظيم أمره أن يُقطع أربعة طيور ويفرق ريشها وأجزاءها على عدة جبال، واحتفظ الخليل برؤوس الطيور ثم دعاهم فأتته الأجزاء تسعى تبحث عن بعضها بعضًا، وجاء في بعض التفاسير أن كل طير جاء يبحث عن رأسه في إعجاز إلهي متفرد؛ وذلك ليسكن قلب خليله ويطمئن، هذا وهو الإله الأحد الصمد وليس عليه أن يؤكد قدرته على إحياء الخلق بعد الموت – تعالى عن ذلك- و مع ذلك فعل سبحانه ليسكن قلب خليله، ماذا عن البشر؟!
لا يفي المقال بحجمه الضئيل ليحصر أوجه تفسير هذه الآيات، وإنما الغرض هو توضيح الفوائد التربوية من هذه القصة،
فكم من بيت تهدَّم وأُسَرٍ تشتتت لرفض الرجل أن يسكن قلب زوجته إذا ما ثار شكها واشتعلت غيرتها سواء بسبب أو حتى بدون سبب!، فقط (ليطمئن قلبي).
كم من علاقة أخوة بين أشقاء تدمرت واستحالوا أعداءً كون أحدهم رفض توثيق عقد بيع ما، أو كتابة دين ما، بحجة أن لا رسميات بين الإخوة (ولكن ليطمئن قلبي).
كم من أم رؤوم أُلقِي بها في دار للمسنات؛ كون الأب وثق بابنه وكتب له كل شيء، وجاءت زوجة الابن لتأكل الأخضر واليابس، وتنتهي القصة بوجود الأم في دار المسنات، أولم تستحق هذه الأم أن يُؤكد على ميراثها الشرعي فقط -ليطمئن قلبها-؟!
كم من عقود ومواثيق بين البشر تم إهمال توثيقها؛ فجاءت النهاية مؤلمة، فلم يسعَ أحد ليجعل قلب الآخر يطمئن ويسكن.
كم من امرأة – أو رجل- تتذمر وتستكثر إذا طلب منها التوضؤ ليغتسل محسود، أو أن ترفض حتى قول ما شاء الله تكبرًا منها أن تُتَهم بأنها تحسد، ويا للعجب تقسمين لها سيدتي ليس تقليلاً من شأنك، فقط (ليطمئن قلبي) ولا فائدة ترجى.
كم من إثبات وجب تقديمه، وتأكيد وجب ترديده، وأدلة وجب سياقها، وتمتنع الناس كبرًا وجهلًا، حتى كلمة الاعتذار والاعتراف بالخطأ يظن بها البعض، ويستنكرون طلب الاعتراف أو الإثبات، سبحان الله، وما الغضاضة في ذلك؟! فقط (ليطمئن قلبي).
كم من زوجة بخل عليها زوجها بكلمة حب وعبارة غزل، وأم لا يفرحها أبناؤها بكلمة طيبة، وابن يشكو الحرمان من حنان الأب في المنزل، وطالب علم تهدمت أحلامه ولم يخبره أحد بسبب رسوبه، وموظف تم طرده دون إبداء أسباب، والحجة دومًا عند كل هؤلاء بأن الموضوع لا يحتاج لشرح أو إثبات أو كلمات أو توضيح، وجوابنا عليهم هو قول سيدنا إبراهيم، ربما ولكن (ليطمئن قلبي).
من يبخل بالقول الجميل بحجة أن الفعل يكفي، ومن يرمي بالأوامر والنواهي وهو قادر على إقرانها بالتبريرات والأسباب ولا يفعل عنادًا.. يا سيدي الكريم (أفلا يطمئن قلبي).
حتى في التندر والمزاح، بعضهم يسخر منك إن سألته(هل جئت؟) فيجيبك استهزاءً (لا، ما أزال هناك)، وليته يعتبرها من وجهة (ليطمئن قلبي).
يحتاج الناس في علاقاتهم الاجتماعية والمالية واليومية لبث الاطمئنان، وتسكين القلب، وإقناع الفؤاد والعقل، وليس في ذلك غضاضة، فالله الخالق -ولله المثل الأعلى- سكّن قلب خليله وأقنع عقله يقينًا بمسألة البعث، فلنجعله مبدءًا نلتزم به بعيدًا عن الكبرياء والعناد، وستختفي كثير من أوجه الخلافات، وسوء الفهم والقطيعة، والقضايا والخصومات بين بني البشر؛ فالإنسان أحيانًا لا يحتاج أكثر من أن (يطمئن قلبه) .
وهج:
قلعتي حصينة من سور عقل وبوابات فكر، لكن الطمأنينة تتويج لكل قناعة عقلية وتوجه فكري، فلا تقتصر على جذب عقلي فحسب. فقلبي هو الحاكم بأمره ولا يفتح بوابة القلعة إلا إذا سكن.
بقلم/ د. فاطمة عاشور
ما شاء الله
كتم يعبر عن الجمال
اطمنان القلب ضروره
معلومات مفيده
رائع جدا
يسلمواووو
موفقين
مقال رائع
ممتاز
جهدا مشكورومميز
شكرا لصحيفة هتون
جميل جدا
ممتاز
موضع رائع جدا
سلمت يداك يا أخت فاطمة
كتابة رائعة جدا
عبارات متناسقة و موضوع ممتاز
ممتاز دمت مبدعا
زادك الله علما و معرفة
طرح مميز،و افكار سليمة
موضوع جيد يستحق القراءة
ماشاء الله عليك ،مقالة ممتازة
طرح يستحق المتابعة
يعطيك ألف ألف عافية
موضوع في قمة الروعة ننتظر المزيد من إبداعكم
كل الشكر لك ولهذا المرور الجميل
دمت بهذا العطاء المستمر
ما اجمل تلك المشاعر التي خطها لنا قلمك الجميل
لقد كتبت و أبدعت
لك مني ارقى و ارق التحيات يا صاحبة أرقى الجمل و الكلمات
من كل قلبي أشكرك على موضوعك المتميز
اشكرك على طرحك المفيد لا حرمنا الله منك و من ابداعاتك
دائما تبهرونا بمواضيعكم التي تفوح منها عطر الابداع و التميز
قلعتي حصينة من سور عقل وبوابات فكر
رائع جدا
ممتاز
كلام مفيد
دائما ما تمس الموضوعات المؤثرة
كلمات معبرة
روعه روعه
ماشاءالله جيد جدا بالتوفيق
جهد موفق تبارك الله
أنتظر هذا الباب دوما
موضوع متميز
جيد جدا
بسم الله ما شاء الله
كل الشكر لكم
ماشاء الله ابدعت
دمت مبدعا كاتبنا العزيز
الله يحفظك ويوفقك
موضوع في قمة الروعة
اشكرك على طرحك المفيد
موضوع اكثر من رائع
مشكورين
عمل جيد جدا
جهد موفق
تناول جيد
جميل جدا
موضوع رائع
يسلموا
لا فض فوك
دوما موضوعاتكم مميزة
مبدعه دايمن بارك الله فيك وفي عملك
الله على روعة الإسقاط!
موضوع قمة في الروعة
سلمت يداك دكتورة فاطمة
معكِ حق دكتورة فاطمة، ليتهم يدركون أن الباعث ليس هينا ويحتاج للسؤال، ويتطلب إجابة..
بارك الله في إبداعكِ
جميل جدا
عنوان جذاب، ومحتوى مميز
بارك الله في فكرك وزادك علما وفهما.
أحسنتِ
نفع الله بكِ
فعلا الكثير من المواقف يمكن أن تمر فقط إذا قدر الطرفان أهمية الطمأنينة في العلاقة.
هذه التفسيرات أول مرة أعرفها، جزيت الفردوس
دمت بهذا العطاء دكتورة فاطمة
كم من بيت تم تهديمه لأن أحد الزوجين لم يرد أن يطمئن الآخر ?
دائما تبهرني وقفاتك عند منعطفات معينة.
جميل جدا
قلعتي حصينة من سور عقل وبوابات فكر، لكن الطمأنينة تتويج لكل قناعة عقلية وتوجه فكري، فلا تقتصر على جذب عقلي فحسب.
دمت متألقة متميزة بما تقدمينه في زاويتك.
جزاك الله عني خيرا، فقد لفتِ انتباهي إلى أمر مهم جدا، وكان أن صلحت علاقتي مع من حولي.
روعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى
لأول مرة أعرف أن لك زاوية هنا د. فاطمة عبر صحيقتنا الرائعة
ولولا الانتقال من رابط لرابط والبحث هنا وهناك تباعا.. لما علمت
كنت آمل مسبقا بعث الرابط لي .. كما أرجو ذاك مستقبلا..
دام وهجك وتألقك
لكل أحبتي كل التقدير و الحب
.. من أجل ذائقتكم الجميلة أكتب..
دمتم بحبور و سلمتم لي