إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

من أسباب الهلاك والنجاة

غريب فعلًا أن نتجاهل قول الطبيب الحقيقي العالِم بما في نفوسنا “يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور” وهو القائل عزّ من قائل: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” ونتهافت مسرعين للاستماع لكلام البشر، الذي هو بحدّ ذاته يلجأ ساعة وحشته وغربته وضيقه وتأزم نفسيته إلى الله.

فمن هو الأولى باللجوء إليه؛ العبد أم ربّ العبد؟

و الله إن ما أصابنا أو يصيبنا وما سيصيبنا من همّ وغمّ وكدر ونغص، إلاّ لأننا استبدلنا الأدنى بالأعلى، اعتصمنا بحبل رقيق، بدلا من العُروة الوثقى وحبل الله المتين، فتفشى بيننا ما لم يكن فينا، ولم نكن نسمع به لا من قريب ولا من بعيد، ولا أريد في مقالي هذا أن أسمي الأسماء بمسمياتها، لأن الأمر واضح للعيان.

إن أصحاب السوء، من بين أهم العوامل المفسدة للطباع، والمذهبة للثبات، والتي تصرف صاحبها عن الفضيلة، وترميه في لجج المعاصي والأخطاء الجسيمة التي لا تغتفر، “الصاحب ساحب” أوكما يقول خير معلم وأعظم رسول صلوات ربي وسلامه عليه: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”، وقال المحدث العلامة الشيخ عبد الله الهرري”اختر لنفسك صاحبًا صالحًا”، وقال: “من أراد الترقِّي فليصاحب الأخيار”

وكل ما تم الاستدلال به يرمي إلى ضرورة مصاحبة الأخيار، وتجنب الأشرار، فكثيرون كانوا قاب قوسين أو أدنى من الفضيلة والعفاف والصلاح والاستقامة، حتى وجدوا أنفسهم في مستنقع لا أراكم الله فيه ولا قرّبكم منه، والسبب هو الصاحب أو الصاحبة، فكما يوجد شياطين الجن، فهناك أيضا شياطين الإنس، يوسوسون لبعضهم البعض، ويأمرون بعضهم البعض بالمنكر، بل وينشرونه بين الأخيار من الطيبين والصالحين، ولا يسلم منهم إلا من كان قويا بُنيانه، مُحصّنة نفسه ضد نزغاتهم ووسوساتهم وفتنهم.

إن ما يحصل في مجتمعاتنا المسلمة من جرائم قتل لا تعدّ ولا تحصى، وحالات انتحار بمختلف الوسائل والطرق، وهرب من البيوت، وانسلاخ عن القيم والأعراف، وتجرّد من الفضيلة والأخلاق، مردُّه إلى الفراغ الذي أحدثته عدة عوامل دينية، واقتصادية، واجتماعية، وتكنولوجية، …إلخ، وهي الطامة الكبرى.  هذه العوامل التي ذكرتُ و أخرى،  تجعل الفرد يميل إلى الانطوائية والهروب من واقع قاسٍ ومجتمع أقسى يؤمن بالسخرية من الآخر بدل مؤازرته والأخذ بيده، كما يؤمن بزيادة الغبن إلى المغبون، ويضيف على الطين بلة، ونتناسى قول العزيز الجبار {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ } [الحجرات ١١]. والوحدة تجعلنا أقرب للشيطان غالبًا، ما لم نكن مُحصَّنين بما يجب التحصن به، وهذا مصداقًا للقول “إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية” أي البعيدة عن صواحباتها، وهو تشبيه لمن يبتعد عن الجماعة (الأخيار) ويؤثر الوحدة، فيستفرد به الشيطان، ويأمره بأفعال ما أنزل الله بها من سلطان، والتي قد تصل إلى درجة إزهاق الروح.

الحقائق المرة التي نسمعها بين الفينة والأخرى، هل نقلها لنا الرّعيل الأول من الآباء والأمهات والأجداد؟ أبدًا.. ما كنا لنسمع بما يحصل اليوم، قد حصل في زمنهم.

هل كانوا أكثر منا علمًا؟ بالعكس.. هم لم يتلقوا تعليمًا كافيًا.

هل كانوا أكثر منا مالًا؟ كلا.. كانوا في زمن الفقر.

هل كانوا أكثر منا تحضرًا؟ إطلاقًا.. التكنولوجيا عندنا لم تكن عندهم.

إذًا لماذا ظهرت كل المشاكل النفسية في زمننا ولم تظهر في زمنهم؟

إن تحدثنا عن المشاكل الاقتصادية، التي نرمي عليها حمل أوزارنا، وندعي أنها من تقودنا للضيق وفعل ما لا يجب فعله من (قتل، وسرقة، واعتداء على الممتلكات)، فسأقول اقرؤوا قول الله عز وجل{وفي السماء رزقكم وما توعدون}، {ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا} [الطلق]. إذًا هناك شرط ضروري وهو (التوكل على الله) الذي غيبناه ونريد مالًا ورزقًا بلا تعب ولا نصب، ونفس الشيء بالنسبة للمشاكل الاجتماعية والنفسية، مثل (الطلاق المبكر، والبطالة، واستفحال المخدرات، والهرب من بيت العائلة)، هذا.. فضلًا عن الانتحار الذي ذكرناه آنفًا.

ما أردت أن أخلص إليه من كل ما سبق -وما زال في جعبتي الكثير إلا أن المقام لا يتسع – أن الحل كلّ الحل في الرجوع إلى الدستور الرباني الحقيقي، فهو دواء النفوس العليلة، وهو الفسحة التي لو عدنا إليها لوجدنا فيها الخير كل الخير، والطمأنينة، وراحة البال، والسعادة التي لن نضطر بعدها لقتل أنفسنا، أو حتى لنحزن أو نبتئس.

الكاتب الجزائري/ طارق ثابت

مقالات ذات صلة

‫105 تعليقات

  1. أن الحل كلّ الحل في الرجوع إلى الدستور الرباني الحقيقي، فهو دواء النفوس العليلة، وهو الفسحة التي لو عدنا إليها لوجدنا فيها الخير كل الخير

  2. إن أصحاب السوء، من بين أهم العوامل المفسدة للطباع، والمذهبة للثبات، والتي تصرف صاحبها عن الفضيلة، وترميه في لجج المعاصي والأخطاء الجسيمة التي لا تغتفر، “الصاحب ساحب”.

  3. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ”
    للأسف صارت هذه التوجيهات من الماضي، لا أحد يعتبر بها ثم نسأل من أين التهلكة؟!!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88