إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

المعالجة الحاسوبية للخط العربي.. هل خدمته أم شوهته؟ 2/2

في الجزء الأول من هذه المقالة تطرقت إلى أهمية الخط العربي باعتباره هويَّةً للأمة العربية، والمكانة التي وصل لها عند العرب والمسلمين وعند المستشرقين، وكيف أنَّه كان مثار دهشةٍ وعجبٍ لجماله وبراعة خطاطيه الفنية.

وتطرقت للجهود الحاسوبية التي تناولت معالجته آليًا على مستوى النظم والبرامج. وذيلت ذلك الجزء من المقال بالسؤال:
هل خدمت تلك النظم والبرامج الخط العربي أم شوهته، وإذا كانت قد خدمته فعلًا فإلى أيِّ حدٍّ كانت تلك الخدمة؟
وهذا رابط لذلك الجزء من المقال لمن يرغب الاطلاع عليه:

[button color=”red” size=”medium” link=”http://www.alhtoon.com/179216/” ]رابط المقال السابق لمن يرغب الاطلاع عليه[/button]

وهنا أستكمل ما قد بدأته معكم أعزائي القراء، وأقول مستعينًا بالله عزَّ وجلَّ أنَّه يجدر بنا قبل أن نحاول الإجابة على هذا السؤال الكبير دعونا نشير لبعض المعضلات التي تواجه معالجة الخط العربي حاسوبيا:-

1- تعدد أشكال كتابة الحرف الواحد حيث تصل في بعض الأحيان إلى أربعة إشكال كما ذكرنا في مثال حرف العين ناهيك عن الأشكال التي يمكن أن تستخدم من الناحية الفنية، فالحاء مثلا تكتب إذا أتت في نهاية الكلمة بثلاثة أشكال، وكذلك العين والراء وتكتب كل من (الكاف، والميم، والنون، والهاء، والسين، والياء، واللام ألف) بشكلين مختلفين، ومن شأن هذا التعدد والتنوع إعاقة التعامل آليًّا بسلاسة مع الخط العربي.

2- احتياجه للحركات (التشكيل) من فتحٍ وضمٍّ وكسرٍ وسكونٍ، حيث لا يوجد في العربية حروفٌ صائتةٌ Vowel letters مما يزيد من صعوبة كتابة الحرف العربي، حيث يضطر الكاتب لكتابة حرفين إن لم يكن أكثر في حال رغبته تشكيل كتابته؛ دفعًا للإبهام أو لإضفاء جماليةٍ معيَّنةٍ من خلال تشكيل النص. إن جميع الخطوط العربية المنتجة حاسوبيًا تغفل قضية التشكيل مثلها مثل الكتابات العربية الحديثة في الصحف والمجلات، وتلك المنتجة من قبل برامج تنسيق النصوص، وقد يتغير الحال بعد ظهور برامج للتشكيل الآلي سمعنا وقرأنا عنها منذ أكثر من عشر سنوات ويبدو أنها لم ترَ النور بعد، أو على الأقل لم تنتشر وتصبح في متناول المستخدم العادي.

3- يبدو أنه ليس هناك قواعد محددة لطول الحرف في الخط العربي في أنواعه المختلفة فالتناسب الهندسي شبه معدوم، فبعض الحروف صغيرٌ وبعضها كبيرٌ، ومنها ما ينزل بمقدارٍ معين، وليس هناك من حدٍّ معينٍ دقيقٍ لذلك سوى تقدير الفنان لمسألة التناسق والتناغم، وهذه مسألة يصعب التحكم فيها آليًّا، وتجعل من الضرورة بمكانٍ أن يكون المصمم خطاطًا في الأساس لأن فاقد الشيء لا يعطيه. أما ما يعرف بالخط القواعدي وما وضع له من قواعد detest مثل عدد النقاط لكلِّ حرفٍ فيظهر أنها جاءت تاليةً، ووضعت لأغراضٍ تعليميةٍ فقط.

4- قابلية الحرف العربي للإطالة والتمطيط في أغلب الحروف سواءً أكانت مستقلةً أو عند ورودها أول الكلمة أو وسطها.
وهناك من يرى أن الخط العربي بهذه الخصائص وغيرها أثرى في الناحية الجمالية والخيالية لدى الخطاط أو مصمم الخط ليبدع أكثر، وينتج خطوطًا وأشكالاً جديدةً تزيد من غناء الخط العربي، وتثري متذوقيه لأن المصمم لم يقيد نفسه بقواعد صارمةٍ تحدُّ من إبداعه.

وليس كلُّ ما ذكر هو فقط ما يواجه مصممي الخط العربي آليًّا، إذ أن هناك مشاكل أخرى لعلَّ من أبرزها أن الأنظمة التي يحاولون من خلالها تصميم خطوطهم هي أنظمةٌ معدةٌ أساسًا لمعالجة اللغات اللاتينية كما أسلفت، فكثيرٌ من مصممي الخطوط العربية يلجؤون لاستخدام برامج أعدَّت لإنتاج وتصميم الخطوط الإنجليزية، وبمعالجة معيَّنةٍ تنتج هذه البرامج خطوطًا عربيةً، وبرنامجي (فونت، أوتوماتيك) و (جرافيكس، وفونتس) خير مثالٍ على ذلك، ومن المشاكل التي يعاني منها المصممون أيضًا عدم وجود مقاييس محددةٍ للتعامل مع الخطوط العربية، ناهيك عن القرصنة، وقضية توثيق الحق المعنوي والمادي لمطوري الخطوط ومصمميها، وفي هذا الصدد نشير إلى أن عددًا غير قليلٍ من الخطوط العربية الحاسوبية المنتشرة في الأسواق الآن ماهي إلا خطوطٌ صممها آخرون بذلوا من وقتهم وجهدهم ومالهم الكثير حتى أنتجوها، وقام بعد ذلك بعض قراصنة البرمجة -ولا نقول البرامج- واستقبلها من خلال أحد البرامج المتخصصة مثل تلك التي ذكرناها سابقًا، وأضاف عليها ما يطمس هويتها الأصلية، ويصادر حق مبدعها الأول لينسبها إلى نفسه مستغلًا قلة الوعي من قبل الكثيرين بمثل هذه الجوانب الفنية الدقيقة.

نعود لسؤالنا عن خدمة الحاسوب للخط العربي أو تشويهه له، لنؤكد أنَّه ليس من السهولة النطق بحكمٍ جازمٍ قاطعٍ في قضيةٍ شائكةٍ كهذه، يزيد من تعقيدها وجود مئات من أنواع الخطوط المنتجة حاسوبيًّا تحمل أسماء مختلفةً يتداخل فيها الأصيل مع الدخيل، المُبْدَعُ مع المقتبس والمسروق، المتمشي مع القواعد مع المتجاهل أو الجاهل بها.

وأجد من المناسب أن أختتم مقالتي هذه بفقرةٍ استوقفتني كثيرًا أوردها الخطاط الشهير (كامل البابا) في كتابه (روح الخط العربي) إذ يقول:

“… لذلك فإن شبابنا المتحمس للجديد لم يبدع لنا خطًّا جديدًا نضيفه إلى الخطوط القديمة، وإنما أغنى بلوحاته جدران بعض الهواة للفن التشكيلي، وإنَّني أتمنى عليهم لو يولون عنايتهم، ويجندوا طاقتهم الفنيَّة لإبداع خطٍّ جديدٍ يزيد في غنى التراث العربي. لقد جَهِدَ أسلافنا في تطوير الخط العربي حتى أحلوه مركز الصدارة، ونحن اليوم ننعم بثمرة جهود السلف، وإنَّه لدينٌ في أعناقنا يحتم علينا وفاؤه… جهدنا المتوصل لإبداع أنواعٍ جديدةٍ ينعم بها الخلف، فالأخذ يستوجب العطاء والدين يستلزم الوفاء”.
وإذا علمنا أن طبعة الكتاب الذي اقتبسنا من هذه العبارة صدرت عام 1994م، ومؤلفه ليس بعيدًا عن معالجة الحرف العربي وشاهدنا في ذلك قوله في صفحة رقم (17) في نفس الكتاب “… وانتقلنا إلى الحرف الضوئي حيث يتولى العقل الإلكتروني في آلات الجمع الحديثة أمر جمع الحروف بطريقةٍ مختصرةٍ جدًّا). فماذا يعني هذا؟ هل أطقم الخطوط العربية المتواجدة حالياً لا تعتبر إضافةً للخط العربي في نظر المؤلف الخطاط؟ أم أنَّه لم يطلع عليها؟ وهل و(كيف) بإمكان الحاسوب مساعدة أجيال اليوم في الوفاء بالدين الذي تحدث عنه الأستاذ الخطاط كامل البابا؟

أسئلة أطرحها لأتجاوزها إلى أسئلة أخرى من قبيل:

– هل يكفي الحاسوب فخرًا أنَّه حال دون زيادة عدد المسيئين للخط العربي من ذوي الخطوط الرديئة وما أكثرهم؛ حيث بوسعهم من خلاله طباعة خطاباتهم ووثائقهم دون الحاجة لاستخدام أناملهم؟

– هل حقًّا ما يشاع من أن تقنية الحاسوب وخطوطه صرفت كثيرًا من المبدعين الحقيقيين عن مزاولة إبداعهم بعد أن زاحمهم في لقمة عيشهم، فصرفهم عنها وهذا ما تفعله التكنولوجيا التي ما إن تطول حرفةً حتى تفسدها على رأي كثيرين؟

أسئلة تفضي إلى مزيد من الأسئلة لعل من أهمها: – هل خدم الحاسوب خطنا العربي أم شوهه؟
————————————————————————المراجع:-

1- كتاب (روح الخط العربي) تأليف: كامل البابا.
2- كتاب (الكتاب) تأليف: يوهنس بيدرسن، ترجمة: حيدر غيبة.
3- مجلة (أبل) عدد نوفمبر 1993م

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

بقلم الأديب والباحث والمترجم/ خلف بن سرحان القرشي

#خلف_سرحان_القرشي 

السعودية – الطائف – ص. ب 2503  الرمز البريدي 21944

ايميل:  [email protected]

تويتر @qkhalaf

مقالات ذات صلة

‫57 تعليقات

  1. إن شبابنا المتحمس للجديد لم يبدع لنا خطًّا جديدًا نضيفه إلى الخطوط القديمة، وإنما أغنى بلوحاته جدران بعض الهواة للفن التشكيلي، وإنَّني أتمنى عليهم لو يولون عنايتهم، ويجندوا طاقتهم الفنيَّة لإبداع خطٍّ جديدٍ يزيد في غنى التراث العربي!!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88