إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

جـــدار الـــبراديم

هل تساءلت يوما لماذا مجموعة من الطلاب يدرسون في صف واحد ويقلبون طرف أعينهم في مادة دراسية واحدة ويتلقون المعلومة ذاتها من معلم واحد ويخضعون في نهاية الفصل الدراسي لامتحان نهائي واحد لكي يجيبون على الأسئلة ذاتها ونرى أحدهم يتفوق وأحدهم رسب والاخر يمر بها مرور الكرام بمعدل درجات منخفض او متوسط ؟!
الانسان بطبيعته يختزن في عقله اللاواعي مجموعة من المفاهيم والأفكاروالمعتقدات التي يبني عليها كثيرا من التصورات والنتائج , ولهذا تفسير وعوامل تتمازج مع بعضها لتشكل في نهاية الامر رد فعل أو سلوك معين و تختلف من عقل لعقل ومن شخص لشخص وتتغذى على المعتقدات والعادات ومرات التكرار وملامسة المحيط والاندماج في المجتمعات , وعندما نشاهد أحدهم يصدر وجهة نظر او تصور نهائي مصحوب بسلوك معين بغض النظر عن ذلك السلوك اكان سلوكا ايجابيا ام سلبيا فهذا ما نسميه بالبرادايم أو تحول النموذج الفكري وهي ضرورة حياتية تتحكم في كافة أحكامنا وانطباعاتنا وللاسف اهملها الكثير والكثير ايضا لا يعرفونها .
لماذا البراديم على وجه التحديد؟
البارادايم لمن لا يعرفه هو عبارة عن صندوق محكم الاغلاق مليئ بكثير من المعتقدات والعادات والانطباعات التي نقوم بتخزينها في داخل عقلنا اللاواعي ونبني عليها قاعدة حياتنا ومنطلقاتنا وأحكامنا على الآخرين وأفكارهم في شتى مناحي الحياة , وبعبارة أخرى أستطيع القول بأن البارادايم هو الديناميكية التي ننطلق منها إلى عيش حياتنا بنمط معين وهو الوحيد القادر على تنفيذ وإلغاء جميع القرارات التي نعتبرها حياتية أو مصيرية أو عاطفية بالنسبة لنا … !
ولا أستغرب اذا رأيت مبدعا يطرح فكرة رنانة فيقتلها أحدهم بضحكة ساخرة أو نظرة حاقرة أو تثاؤبة مقيتة ويحرض من خلالها على التثبيط وزرع ثقافة الاحباط لدى ذلك المفكر الواعد …!
ولعلي أورد قصة حدثت تبعث على الضحك والبكاء في الوقت نفسه حيث ذكر الرحالة الايطالي المشهور ماركو بولو أنه في احدى رحلاته الواسعة زار جزيرة استوائية في بطن أحد البحار وكان أهلها وقتها معزولين عن العالم بأكمله ولم تطأ أقدامهم إلا أرض تلك الجزيرة حيث لم يكن في ذلك الزمن لا طائرات ولا أي نوع من وسائل النقل الحديثة عدا السفن البحرية التي لا يملكها إلا التجار والكبراء في ذلك الوقت , وعندما حط رحاله في تلك الجزيرة استضافه حاكم تلك الجزيرة وبين طيات الحديث سأله ذلك الحاكم مستفهما : “حدثني يا ماركو عن أغرب شيئ شاهدته خلال رحلاتك حول العالم ؟” فأجابه ماركو : ” أغرب شيئ شاهدته هو أنني زرت مدينة تسمى البندقية وكان أهل تلك المدينة في وقت الشتاء يسيرون على الماء وإذا جاء الصيف ركبوا قواربهم وساروا بها على الماء ” فأجابه ذلك الحاكم قائلا : ” هي أمرين لا ثالث لهما .. إما أن عقلك قد اصابه الجنون أو أنك تكذب” ثم أخرجه من قصره .
مالذي حدث هنا ؟!
التحليل المنطقي لما حدث هو أن ذلك الحاكم كان يصطدم بجدار البارادايم الذي أعاقه عن تقبل حقيقة أن الماء يمر بمراحل ثلاث (سائلة – غازية – صلبة) حيث اعتمد على معتقداته ومشاهداته في الحكم على ما ذكره ماركو بولو كونه يسكن في جزيرة استوائية المناخ ولم يسبق له أن شاهد الماء في حالته الجامدة ..!
والمتأمل في هذا الأمر يرى أن الجمود الفكري يعيق الانسان عن تقبل العديد من الحقائق التي تحدث حوله ولا يتسنى لنا تحطيم ذلك الجدار إلا من خلال التفكير خارج الصندوق والنظر من كافة الزوايا وتبادل الخبرات والأفكار مع الآخرين والتنازل عن فكرة المسلمات ماعدا تلك المسلمات التي لا جدال فيها والتي لا يختلف عليها أحد .
تذكر إحدى الدراسات أن بعض الحيوانات ومنها الضفدع يفضل أن يموت جوعا دون أن يأكل طبقا بجانبه مليئا بالحشرات الميتة …؟! وإن تساءلنا عن علة هذا الأمر لأرجعناها إلى بارادايم الضفدع الذي يرى أنه لا يمكنه أن يأكل شيئا لا يتحرك !! وبالتالي نفهم أن البارادايم سيف ذو حدين وإذا أهملناه واعتمدنا عليه بطريقة عمياء فقد يقودنا إلى هاوية الفشل والموت في بعض الاحيان ..!
من المهم أن تؤمن بمعتقداتك لكن الأهم أن تكتشف مدى صحة هذه المعتقدات وهل يمكنك أن تبدع وتنجح وتحب وهي بين دفتي عقلك ؟! المخرج من هذا هو أن تؤمن بأن التفكير الابداعي الذي يعمل خارج الصندوق بطريقة مستمرة وكذلك مطالعة ثقافات وأفكار الآخرين هو الذي ينمي هذه الملكة بداخلك ويدعم مسيرتك في اصدار النتائج والأحكام والسلوكيات بطريقة منطقية مرحب بها , وفي نظري لولا التفكير الابداعي الذي تمرد على قيود البارادايم لم يكن هناك شيئ اسمه طيارة أو سيارة أو مركبة فضائية.
يقولون لكل قاعدة شواذ فقد نرى الزهرة الغنَاء تخرج من صخرة صماء وقد نرى بذرة صغيرة تُخرٍجُ شجرة فتيَة و ليس من الضروري أن كل ما تعتقده صحيحا حقيقا وأن تقبل أفكار الغير وتنقيح أفكارنا هو السبيل إلى عالم مليء بالريادة والتطوير والابداعية.

كتبه / الوراق .
يوم الاثنين ١٩/ ٣/ ٢٠١٨م

 

مقالات ذات صلة

‫15 تعليقات

  1. كلمات أكثر من رائعه من الصميم الى العقول التي تعيها فعلاً نحن في انتظار مثل هذا الكلام الجميل والتفكير الواعي والعقول النيره بارك الله فيك وفي جهودك المبذوله وفقك الله وسدّد خطاك

  2. مقال جداً رائع وجميل بارك الله في فكرك النير وكثر من امثالك في زمن قلت فيه الكلمة الواعية التي تمس واقعنا تحياتي لك واتمنى لك مزيد من التقدم .

  3. مقال جميل وأكثر من رائع بارك الله في جهودك ونفع بك الاسلام والمسلمين?الى الأمام ,,,أـ ابراهيم ،،،،،

  4. مقال يصور وضع دياله الناس بتشوفه بكل حياة طلبه ومكنش غبار عليه لكن شو مارد لما هكا بيصير بكل ديرة من ديار العربية
    ميرسي CC
    افتيحه الخاطري / وهران الجزائر

  5. في الحقيقة استمتعت كثيرا بقراءة هذا المقال
    أبدعت في توضيح فكرة جدار البراديم .. ولهذا فنحن في وقتنا الحاضر نشجع كل الأفكار الإبداعية والجديدة المبتكرة في مجالاتنا المتعددة.
    أحسنت الوراق وادعت

    الكاتبة / إبتسام عرفي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88