إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

العاطلون في دول الرفاه

لا تقلق دول أوربية على شيء، مثل قلقها على ارتفاع معدلات البطالة، حتى إذا تفاقمت أُعلِنت حالة من طوارئ، تُستنفَر فيها المؤسسات وخبراء التخطيط ومكاتب العمل والحكومة، من أجل خفض المعدل، وبأسرع ما يمكن، لإدراكها أنّ لا أمر أخطر من ذلك، فهو حين يستفحل بين الأفراد، يهدد استقرار المُجتمع، على الرغم من أنّ العاطل عن العمل في دول الرفاه مثل (السويد، وألمانيا، وهولندا، والدانمارك)، يحصل على معدل دخل كافٍ، فضلا عن دعم السكن، والتكاليف شبه المجانية للضمان الصحي والاجتماعي.

لا يقتصر عمل الحكومة وأذرعها، ومنظمات العمل المستقلة على إيجاد فرصة عمل جديدة للعاطل، بل تسعى إلى إعادة تأهيله من جديد، عبر الدورات الفنية والدراسية، وإكمال تحصيله الدراسي، إذا كان معوزًا إلى ذلك.

ومنذ اليوم الأول لانفصال الفرد عن العمل، تتدفّق عليه الرسائل من البلدية، لبحث فرصة إعادة تأهيله للشغل، إذا كان وضعه الصحي، يؤهله لذلك.

تُنفق الحكومة أموالًا ضخمة من أجل ذلك، فيخضع العاطل إلى منهج تدريب واختبار مهارات، وفحوصات نفسية، ويُبحث في أسباب طرده من العمل، أو تركه له، من أجل إعادة زرعه في بيئة توظيف تلائم وضعه النفسي والصحي، وحتى ثقافته الاجتماعية، وفي بعض الأحيان حتى معتقداته الدينية.

لا ينحصر هذا “الدلال” للعاطل عن العمل، على ذلك، فهو طوال فترة مكوثه في البيت يحصل على الراتب الجيد، فضلًا عن كل المميزات الأخرى التي يحصل عليها المستمرون في وظائفهم.

وقد وصل الحد في هذا الترف، أنّ مجلة ألمانية كشفت في آذار 2018 عن أن العاطلين عن العمل في ألمانيا يحصلون على دخل أكبر من العاملين أنفسهم!. ووفق المجلة فقد تبين، أنّ عائلة العاطل عن العمل تدّخر -في بعض الأحيان- فائضًا من المال في آخر الشهر، يفوق ما يحصل عليه العامل المسؤول عن نفس عدد أفراد الأسرة، وبمعدل دخل شهري لا يقل عن 2540 يورو، قبل اقتطاع الضرائب، لتغطية احتياجات عائلة بهذا العدد.

لا غلواء في ذلك، فهذا الأمر يحدث في هولندا وفنلندا والسويد، وبقية دول الرفاه، مع عدم نسيان أنن النساء في هذه المجتمعات يقفن على رأس قوة العمالة، حيث يمثلن قوة اقتصادية هائلة إلى جانب الرجال.

فضلًا عن كل ذلك، فإنّ الأطفال يحصلون على رواتب منذ ولادتهم، تصل إلى نحو الـ300  يورو للطفل كل شهر،
ولك أن تتأمل عائلة عراقية وفدت إلى هذه الدول ولديها خمسة أطفال، فكم يكون معدل دخلها؟.

دعونا من الامتيازات، فالحديث يدور عن البطالة، ذلك أنّ الشاب الذي يكمل دراسته ولا يجد عملًا -وهو أمر نادر الحدوث-، يحصل على مدخول بمقدار المخصّص للعاطلين عن العمل أيضًا، فلا يعاني من مشاكل حياتية على الإطلاق.

في النتيجة، فإنّ القول بأنّ هذه الدول توفّر لكل فرد في المجتمع، العيش الكريم، ليس بجديد، ليطلّ السؤال الذي لا بد منه: لماذا لا نجد هذا النظام الناجح، على أرض الواقع في بلد يقول عن نفسه أنه غني، مثل العراق؟!.

ورغم الوصف الواقعي، بأن العاطلين عن العمل في دول الرفاه، “مدللون”، فإنك تجد تظاهرات لهم بين الحين والآخر، ليس لأجل أمر مُلح، بل لزيادة الدخل، أو المطالبة بخدمات جديدة.

لا تكفي العواطف والنعوت، والخوالج الفياضة لمعالجة المشكلة، قدر الحاجة إلى التخطيط والإدارة الناجحة التي تبني المشاريع
الصناعية والتجارية والزراعية، وتوسّع القطاع الخاص، وتضع القوانين الكفيلة بتعزيز الضمان الاجتماعي وجلب الاستثمار، وكل ذلك لن يحدث دون نمو اقتصادي.

الكاتب العراقي/ عدنان أبو زيد

مقالات ذات صلة

‫129 تعليقات

  1. لو كان مسؤولي الدول العربية تعمل بإخلاص و فناء في العمل لكنا أحسن من الدول الأوربية التي أصبحت قدوة لنا للأسف

  2. الفساد أصبح ينخر المجتمعات العربية كلها وهو السبب الكبير لجميع المشاكل و منها الارتفاع المهول البطالة

  3. أما في بلادنا فالعاطلون لهم مزايا أخرى، يوجدون ليضرب بهم المثل إذا ما قرر الإنسان الخروج من نفق الإهانة والإيذاء النفسي، هم فقط مجرد عبرة ليعتبر ذوو الوظائف المعترضون ?

  4. هل يدرك المسؤولون أن الثروة البشرية في بلادي تصدر ولا تعود؟
    أن العمالة البشرية تفوق الآلات مهارة وإتقانا لكنه سوء الإدارة؟
    هل تدرك المجتمعات خطورة أن يصبح الانتماء الأوحد للمال لا للوطن؟!!!

  5. لماذا لا نجد هذا النظام الناجح، على أرض الواقع في بلد يقول عن نفسه أنه غني، مثل العراق؟!.

  6. لا تكفي العواطف والنعوت، والخوالج الفياضة لمعالجة المشكلة، قدر الحاجة إلى التخطيط والإدارة الناجحة.

  7. يؤسفني ان أعترف بمرارة الواقع في أوطان تقدس الكلام وتعشق الروتين والورق، وتأبى أن تحل المشكلات ليظل من يكتنز من ورائها يكتنز.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88