إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

حَمْدُ الله عزَّ وجلَّ في أول سورة الكهف.. تدبرٌ وتأملٌ(*)

إن بدء سورة الكهف -الكريمة- بحمد الله عز وجل، أمر يستدعي التأمل، ويسترعي الانتباه، فهي واحدةٌ من خمس سورٍ قرآنيةٍ كريمةٍ بدأت بالحمد (الفاتحة، الأنعام، الكهف، سبأ، فاطر)، ولكنَّ سورة الكهف هي الوحيدة التي بدأت بحمد الله تعالى على إنزال الكتاب على عبده، وسورة (الكهف) تتوسط هذا الكتاب العظيم، قال تعالى:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ «1» قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا «2» مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا «3» وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا «4»}.

وإذا كان بوسع أيِّ شخصٍ تأليف كتاب، فلله المثل الأعلى، فكتابه ليس فيه عوجٌ، وجعله الله قَيِّمًا، وقنَّن له وظيفةً ومهمةً، ذكرت في ثنايا السورة الكريمة؛ (لينذر…)، و(ليبشر…) إلخ.

ومن معاني قَيِّمًا: مستقيمًا، قال ابن عباس: عدلًا، وقال الفراء: قَيِّمًا على الكتب كلها؛ أي: مُصدِّقًا لها، ناسخًا لشرائعها(1).

ثم إن السورة تتحدث عن الفتن، والعاصم الأكبر والأشمل، الأعم والصالح لكلِّ زمانٍ ومكانٍ من كلِّ الفتن هو التمسك والتشبث بأحكام وهدي هذا الكتاب القيِّم والعظيم.

إن كتاب الله عزَّ وجل (القرآن الكريم) هو أعظم نعمةٍ، وأكبر هديَّةٍ تفضل بها الله الكريم المنَّان على خلقه، وذلك لأن فيه القوانين، والتوجيهات، والعلم، والمعرفة، والنصائح التي تبين وتوجه، ترشد وتعين، وتيسر كلَّ ما من شأنه تحقيق الإنسان غاية الله من خلقه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون} [الذاريات 56] .

إنَّه بمثابة الدليل المرشد، والموجه الحكيم، والقائد المسدد.
وإذا كانت المصانع وشركات الإنتاج اليوم تزود كلَّ منتجٍ وجهازٍ جديدٍ بدليلٍ إرشاديِّ يوضح لمستخدمه طريقة استخدامه المثلى، فالإنسان أيضًا يحتاجٌ إلى مرشدٍ وموجهٍ وقائدٍ ودليلٍ، وإلا لأصبح أنشوطةً توجهها الريح القادمة من كلِّ بحرٍ وبرٍّ، يمنةً ويسرةً، شمالًا تارةً وجنوبًا تارةً أخرى. وكفى بكتاب الله دليلًا للحقِّ والخير، دنيا وآخرة.

نعم.. كهف الفتية، وعلم الخضر، وعمل ذي القرنين، وزوال جنة الرجل الغني، أدى كلٌّ منها وظيفةً ناجعةً في مواجهة بعض الفتن، والتعاطي معها، ولكنَّها وظيفةٌ مؤقتةٌ محدودةٌ بزمانٍ ومكانٍ معينين، ونفعت أناسًا محددين، لكن القرآن الكريم عاصمٌ -بإذن الله تعالى- من كلِّ الفتن لجميع خلق الله حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ألا يستوجب هذا الفضل الكبير الحمد من الناس جميعهم، كما تفضل به الله سبحانه وتعالى مبتدئًا به هذه السورة العاصمة الفريدة؟

نقطةٌ أخيرةٌ بَدَهِيَّةٌ أؤكد عليها هنا، وهي أنَّ الله سبحانه وتعالى غنيٌ عن العالمين، وليس في حاجةٍ إلى حمدٍ أو شكرٍ من أحد، غير أن الحمد نافعٌ بالدرجة الأولى لمن يؤديه، ويقوم به لفظًا واستشعارًا، نطقًا وتدبرًا. وحمد الله سبحانه وتعالى نوعٌ من توحيده عز وجل، كما أنَّه مدعاةٌ لتتالي نِعَمِهِ الوفيرة على الحامد.

ومن معاني الحمد.. الشكر والامتنان. وقد أثبتت دراساتٌ علميَّةٌ حديثةٌ أثر الشكر والامتنان على حياة الإنسان، سواء كان ذلك موجهًا لله عز وجل على نعمه العظيمة التي لا تعد ولا تحصى، أو موجهًا لمن أسدى إلى الإنسان فضلًا، أو قام بصنيعٍ جميلٍ له.

تقول (إيمان بدر) في مقال لها على موقع “أكاديمية نيرونت(2)”، مشيرةً إلى دراساتٍ أمريكيةٍ أجريت عن أثر الامتنان على النفس:
“وُجِد أنَّ طاقة الامتنان هي أعلى طاقةٍ في الترددات بعد طاقة الحبِّ مباشرةً، وَوُجِد أنها تحدث أثرًا إيجابيًّا قويًّا جدًّا على من يمارسها عادةً يوميةً، فذبذبات الامتنان تسبب زيادة طاقة الدماغ الإيجابية مما يؤدي إلى زيادة الإبداع والإنتاج، والنشاط والحيوية، والإقبال على الحياة؛ فتزيد البهجة والسعادة، وتتسبب في زيادة قوة الجهاز المناعي. وَوَجَدَ العلماء أن من يمارسون الامتنان اليومي للحياة يكبر استعدادهم لاستقبال المزيد، فالممتنون هم المستحقون، وكلما كنت أكثر امتنانًا كنت أكثر استحقاقًا لاستقبال المزيد من النعم والخير.

وإذا قرأنا السيرة الذاتية لكثير من الناجحين سنجدهم كانوا يمارسون الامتنان عادةً يوميةً، بل ويؤكدون أنَّ الامتنان سببٌ من أسباب نجاحهم”.

أخيرًا وليس آخرًا -قرائي الأعزاء- إنَّ تلاوة هذه السورة أسبوعيًّا بوعي وتمعنٍ كفيلٌ -بإذن الله تعالى- بتحقيق وتجديد فضائل الحمد، ونفع الامتنان لقارئها.

فالحمد لله في الأولى وفي الآخرة، والحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، والحمد لله حتى يرضى وحين الرضا وبعد الرضا، والحمد لله كالذي نقول، وخير مما نقول.
———————————————————-
(1) موقع (الألوكة الشرعي) على النت:
http://www.alukah.net/sharia/0/127719/
(2) موقع (أكاديمية نيرونت) على النت:

كيف للامتنان أن يصنع المعجزات ؟


———————————————————
(*) من كتابي (من وحي سورة الكهف.. تأملات ورؤى).
للحصول على نسخةٍ ورقيةٍ من الكتاب، يرجى التواصل مع الكاتب: واتس آب على الرقم: 0591662126
والكتاب متوفرٌ أيضًا في مكتبات (جرير، المصيف، أم هاني) بالطائف، ومتوفرٌ أيضًا بموقعي (جمالون، ونيل، وفرات) لبيع الكتب على الإنترنت.
———————————————————

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

بقلم الأديب والباحث والمترجم/ خلف بن سرحان القرشي

#خلف_سرحان_القرشي 

السعودية – الطائف – ص. ب 2503  الرمز البريدي 21944

ايميل:  qkhalaf2@hotmail.com

تويتر @qkhalaf

مقالات ذات صلة

‫67 تعليقات

  1. الحمد لله عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
    أبدعت ياكاتبنا في التأمل لهذه السورة وأجدتها صياغةً وأدباً فجزاك الله عنا كل خير في حث القراء على التدبر بآيات الله الكريم والتعمق في مدلولاته.

  2. (وَوَجَدَ العلماء أن من يمارسون الامتنان اليومي للحياة يكبر استعدادهم لاستقبال المزيد، فالممتنون هم المستحقون، وكلما كنت أكثر امتنانًا كنت أكثر استحقاقًا لاستقبال المزيد من النعم والخير.)

    ——-
    بارك الله بك أبها الأديب
    شكراً لهذا العطاء المتجدد
    ????

  3. ألا يستوجب هذا الفضل الكبير الحمد من الناس جميعهم، كما تفضل به الله سبحانه وتعالى مبتدئًا به هذه السورة العاصمة الفريدة؟ تناول فريد للسورة

  4. ما هي الدراساتٌ العلميَّةٌ الحديثةٌ عن أثر الشكر والامتنان على حياة الإنسان؟ اي دراسات

  5. تلاوة هذه السورة أسبوعيًّا بوعي وتمعنٍ كفيلٌ -بإذن الله تعالى- بتحقيق وتجديد فضائل الحمد، ونفع الامتنان لقارئها المقال جد راع يحث على تأمل آيات السورة

  6. العاصم الأكبر والأشمل، الأعم والصالح لكلِّ زمانٍ ومكانٍ من كلِّ الفتن هو التمسك والتشبث بأحكام وهدي هذا الكتاب القيِّم والعظيم.

  7. أن الله ليس في حاجةٍ إلى حمدٍ أو شكرٍ من أحد، غير أن الحمد نافعٌ بالدرجة الأولى لمن يؤديه، ويقوم به لفظًا واستشعارًا، نطقًا وتدبرًا

  8. القرآن بمثابة الدليل المرشد، والموجه الحكيم، والقائد المسدد.والعاصم من الفتن توجيه رائع للتمسك بالكتاب الكريم في زمن الفتن هذا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88