أخبار وتغطيات

الأديب المقدسي/ إياد شماسنة: انتهى عصر القصيدة التي تدفع الخليفة ليقود جيشًا لفتح مدينة

لا أخفي سرا حينما أعترف أنني احترت عندما هممت بإجراء حواري معه، ولا أبالغ حينما أقول أن له من الإبداع نصيب كافٍ، ومن النصيب إبداع كثير. ملاك رحمة، أكاديمي وأديب وكاتب وشاعر ومترجم.. وما زال في جعبته الكثير، لم أشبع نهمي من محاورته، وشعرت أنني أمام مبدع بكل ما تعنيه الكلمة، نعم مبدع في أدبه، متقن في عمله.. مع كل سؤال يجيب عنه كان يتبادر إلى ذهني الكثير والكثير من علامات الاستفهام.. شعرت بالوقت يحترق وما زالت الرحلة في بدايتها.. لكنها كانت أشبه برحلة عبر الزمن والمكان.. إنني أمام طاقة شبابية نخبوية مقدسية عروبية نادرة تشع أملًا وإيجابًا، لن أطيل عليكم أكثر وأترككم مع الفصل الأول.

أجرى الحوار: م. خالد عبد الرحمن

س: ممكن نتعرف على شخصكم الكريم (البطاقة التعريفية – الدراسة – الهوايات – الاهتمامات- الدورات – العمل – …إلخ)؟

ج: إياد شماسنة، 43 عاما، من ضواحي مدينة القدس، فلسطين، حاصل على الماجستير في تنمية الموارد البشرية وإدارة المشاريع، بالإضافة إلى شهادة في اللغة الإنجليزية. تلقيت العديد من الدورات في العلوم الإدارية، والتنموية، وكذلك في تخصصي العملي. أعمل ممرضًا في قسم العناية المكثفة بالأطفال. مهتم بالمعرفة، صناعتها، توليدها، نقلها، ترجمتها. يشغلني الإبداع الذي يحمل دورًا في النهضة.

من هواياتي: الترجمة، والقراءة، والسفر، والتصوير الفوتوغرافي، والبحث العلمي والأدبي والتاريخي.

س: هل لك أن تضيف شيئًا عن حياتك الأكاديمية وأبرز إنجازاتك؟

ج: ما زلت أطمح في الحصول على شهادة الدكتوراة، رغم كثرة الصعوبات، وينحصر نشاطي الأكاديمي حاليًا في محاضرات متفرقة، سواء في تخصصي العملي، أو في مجالات الإبداع والكتابة والسرد.

أما أبرز إنجازاتي فهي في الشعر والرواية، إضافة إلى الترجمة من اللغة الانجليزية، وهي مجال مهم جدًّا، وشرط أساسي لتطوير أدوات المبدع، وتوسيع معارفه، وتنمية خبراته ومهاراته وتجربته الإنسانية والفكرية.

س: في حياة كل منا لحظات لا تنسى، قد تكون لحظات سعيدة أو مؤلمة.. فما هي أهم اللحظات في حياةالأديب/ إياد شماسنة؟ 

ج: أعتقد أن السؤال واسع جدًّا، أنا حريص على كون كل لحظة من حياتي ذات معنى مميز، وربما هذا ما يتعبني، ويتسبب بالإرهاق، فنجاحي في الثانوية العامة كان لحظة فرح عامرة، وكذلك في البكالوريوس ثم الماجستير، ثم زواجي، وبعد ذلك أطفالي واحدًا تلو الآخر، ربما يكون لإصداراتي الأدبية ذات التميز مثل لحظة ميلاد أطفالي البيولوجيين. أما الألم، فقد عفوت عنه كثيرًا ولم يعد ضمن حساباتي، لأني أحب الصعود بقلب لا يحمل ثقلًا ولا ضغينة، أغفر كل ما أثقلني، حتى ألقى الله بقلب سليم.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]ربما يكون لإصداراتي الأدبية ذات التميز مثل لحظة ميلاد أطفالي البيولوجيين[/box]

س: نصك الأول، فاتحة مجدك الإبداعي، هل ما زلت تذكره؟ وكيف كانت بداياتك الشعرية؟ وما هي المؤثرات في تكوين تجربتك الإبداعية؟

ج: ليس لي نص أول، وكل نص هو نص أول حتى يتولاه النشر فيصير ملكًا للقارئ، هناك محاولات تكتمل أو لا تكتمل، أذكر أنني أتلفت خمس محاولات روائية قبل أن أنشر أول رواية، وكذلك عشرات القصائد قبل الديوان الأول، وما زلت أعود وأضيف وأحذف وأطوِّر من لغتي وأسلوبي، بداياتي الشعرية كانت تعتمد على التجربة الذاتية، ثم درست الأدب، وتتلمذت على أيادي أدباء كبار، فاكتسبت خبرة، وصقلت مهارتي وموهبتي، فكتبت القصيدة مكتملة الوزن والشروط الفنية، ثم عمدت إلى تطويرها، وأثريتها بما اكتسبته من معارف وخبرات، أعتقد أن الانفتاح على تجارب شعراء في الوطن العربي وصداقتهم عبر وسائل التواصل هو الأثر الأكبر في تجربتي الإبداعية، ينطبق ذلك أيضًا على تجربة السرد.

س: كيفَ كان التشجيع والدعم في البداية؟ وهل كانت هنالك عراقيل وصعوبات أمام انطلاقتك الأدبيَّة؟ وكيف تغلبت عليها؟

ج: لم يكن هناك تشجيع، بل معوقات وإحباطات وخيبات، كانت الكتابة بالنسبة لمن حولي ترفًا أو خيالًا بعيدًا عن الواقع، كما كانت البيئة في ظل الحكم العسكري الإسرائيلي وقبل نشوء السلطة قاسية جدًّا، بالكاد عثرت على قصاصات جرائد ومجلات، وبقايا كتب للاطلاع عليها، لم يتوفر لنا مكتبات حقيقية. الكتب الفكرية والسياسية والأدبية الوطنية أو ما تشير إلى الوطن كانت ممنوعة من الاحتلال. قرأت ما توصلت إليه من كتب مدرسية لأجيال سبقتني عطشا للمعرفة.

كانت الانفراجة الكبرى في الجامعة؛ حيث حظيت بمكتبة جيدة، وشغف نهم، وأساتذة وأصدقاء مطلعين. أسسنا معا جماعة النوارس الشعرية، وكان المشجع الأكبر لي. في الوقت الحالي أحظى بأصدقاء يغدقون اهتمامًا أحافظ به على العزم للإنجاز، وأولهم زوجتي وأولادي، مع ذلك هناك صعوبات جمّة، أولها أني لا أصفق إلا للجيد، لا أطالب أحد بالتصفيق، ولا أمتلك شلة ثقافية، وأتحاشى ذلك، مما يبادر أو يمارسه الكثيرون ليرتفعوا في الإعلام وعلى صفحات المجلات والصحف، أُزعج بكلمة الحق، وبالرأي العلمي المنحاز إلى الحقيقة، فيزيدني ذلك تعبًا وإصرارًا.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]كل نص هو نص أول حتى يتولاه النشر فيصير ملكًا للقارئ[/box]

س: تعريفك للرواية من وجهة نظرك، وكيف تراها في أيامنا؟

ج: الرواية عالم سردي مشتبك مراوغ، تجربة إنسانية تنمو باستمرار بتجارب وخبرات وتقنيات تكتسبها، وما زالت محليًّا وعربيًّا وعالميًّا، تراوغ في تحديد شكلها النهائي. هناك تجارب ناضجة جدًّا، وهناك من يترنح بين التجريب والتخريب، لكن أزمة الرواية تتلخص في نقدها المنحاز إلى الإثارة والأضواء، الرواية التي تفوز بجائزة؛ تحظى بالنقد والشهرة والترويج والمال. قال لي أحد النقاد”أكتب عن الكبار تكون كبيرًا”.

المشكلة الأخرى، أنه مطلوب من أديبنا العربي أن يكون كاتبًا وطابعًا ومدققًا ومحررًا وممولًا لعمله الأدبي، وهذا عبء كبير، أحاول تجاوز العقبات بمعونة الأصدقاء، نشكل معًا مختبرًا يحاكم النص قبل، لكن ذلك لا يكفي، هناك زحام هائل من الرداءة، حيث يعج عالم الأدب بأنصاف تجارب يغريها مكانة الأدب وتوفر المال من أجل النشر، يزاحمون في كل مكان.

س: هل تكتب نوعًا معينًا من الروايات؟ وما هو هذا النوع؟ وما هو سر اختيارك لهذا النوع؟

ج: لا أحدد نوعًا، أختار التجارب التي تعبر عن الإنسان، أنا منحاز للتجربة البشرية، ويهمني الإنسان بالدرجة الأولى (ضعفه، قوته، طمعه، طموحه، هويته، إنسانيتة)، الإنسان الذي هو روح هذا الوجود وسبب ازدهاره وخرابه. أعتقد أن انجرار الكثير من كتابنا وراء القضايا التي تفوز بالجوائز، هو سهم يقوم بتحطيم ما يمكن تحطيمه طمعًا بوصفهم بالمجدد، ينقد جعلهم يغفلون عن تجربة الإنسان من حيث كونه إنسانًا، معاناته، حلمه، خبراته الغريبة، حلمه في التسامي والنهوض، رغبته في الخلاص من الوجع، وغيرها، مع ذلك أقوم بالتنويع لإثراء خبراتي وتوسيع أفقي.

س: ما هي الموضوعات التي تطرقت إليها في مجاميعك الشعرية؟

ج: مشروعي الأدبي إجمالًا؛ شعرًا ونثرًا، يقوم على تحقيق الكشف والتنوير، والدهشة، وتفجير المسكوت عنه، ما لا أقوله في الرواية، أقوله شعرًا، محور اهتمامي الشعري هو المحبة، المحبة من حيث كونها لغة العالم، محبة الله، الوطن، الحرية، النهوض، الانطلاق، العدل، المرأة، كتبت عن كل ما يؤثر فيّ، أتفاعل مع بيئتي بتوازن، كي يكون الشعر تدفقا إبداعيًّا وليس مجرد شعارات أو خطابات، وما زلت أحاول ان يكون مسار الشعر لدي ثريًّا بالتجارب والخبرات، والقضايا الإنسانية.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ] مشروعي الأدبي إجمالًا؛ شعرًا ونثرًا، يقوم على تفجير المسكوت عنه[/box]

س: ما هي القصيدة التي تعتز فيها وتود تقديمها للقراء؟

ج: أعتز بكل ما أكتب، لكن القصيدة التي افتخر بها هي القصيدة المدهشة، التي تصيب كاتبها وقارئها والمستمع لها بقشعريرة جميلة، ويواجهك المتلقي بها في أي مكان ليرددها على سماعك، وخصوصًا إذا كان طفل لفتت انتباهه فرددها على سماعك، أو سهرت والدته ليحفظها غيبًا، أن تكون قصيدتي خبزًا للقلوب، للمشاعر والعقول، وأن تكون أبياتها نماذج يرددها العاشقون، والعقلاء والمجانين، والملائكة والشياطين.

لا أعتز بقصيدة غريبة، مبهمة، مثقلة بالفلسفة الموغلة في الغموض ولا الأسطورة المغرقة في الغرابة، ولا بنت شوارع، تلقي بشعرها في أي مكان، وتفتح صدرها للمارة. قصيدتي مثل غيمة، تبلل وتسقي وتصيب بالفرح، وتسقط أوراق الشجر اليابسة، وتكسر بعض الغصون الميتة، وتتسبب في نبات جديد، يهتز لها التراب والإنسان، وتربو بها الدهشة والحب.

 

س: ماذا تعني لك كل من: رواية( الوجع والجرأة) و المجموعة الشعرية (حدائق الكريستال) وما مناسبة كل منهما؟ 

الوجع والجرأة: رواية لا تزال  قيد التحرير، أستطيع تصنيفها بالفانتازيا التاريخية وتقوم على ثيمة “الخراب” كفعل بشري سببه داخلي وخارجي. في الرواية أقوم بالتركيز على الوجع من الواقع والجرأة في الطرح، بالتركيز على الخراب الذي يقول فيه أناتول فرانس إنه”بينَ جُدرانِ المَعْبدِ صُنِعَتْ المَعاوِلُ التي تَحَطَّمَ بِها المَعْبَدْ “، وبالتالي محاكمة الذات والجماعة والتاريخ عن الأسباب التي أدت إلى الهزيمة والضياع.

حدائق الكريستال: هي المجموعة الشعرية الثانية لي، صدرت عام 2016 م عن دار فضاءات في الأردن، في ثيمات متنوعة وثرية على مدى متسع من الأوزان والبحور الشعرية، وفيها تجارب فلسفية، ووجودية، وعاطفية، وإنسانية مختلفة.

س: هل أقيمَت لك أمسيات وندوات تكريميَّة تقديرًا لجهودِكم وعطائكم الإبداعي المتواصل شعرًا ورواية؟ 

ج: منذ سنوات وأنا أشارك بأمسيات شعرية في الوطن، وفي الأردن الشقيقة باعتباره الأقرب من حيث الحب والجغرافيا والأصدقاء، لم تتح الفرصة للذهاب إلى الأخوة العرب في دياري الأخرى. أما بخصوص التكريم، فما زلت أعتبر أن المبدع العربي لا يتم تكريمه بالدروع والشهادات التي تحتشد بها خزانته، بل بنشر أعماله، وتفرغه لإبداعه، ووصول إنتاجه الأدبي للناس، وتحقيق مساهمته في صناعة النهضة.

شخصيًّا، أعتبر أني أنال تكريمًا من كل من يتواصل معي متأثرًا بتجربتي الإبداعية (شعرًا، أو نثرًا، أو رواية، أو ترجمة)، أما التكريم الكبير، فهذا في علم الغيب وفق الظروف التي أعرفها.

س: ماذا يعني لك فن كتابة النقد؟

ج: النقد علم وفن وأمانة كبرى وقد يصبح خيانة كبرى، إنه الطريق التي يتم بها تمييز الجواهر من الأحجار، وتضيئ الطريق أمام التجارب الإبداعية؛ بتربية الأذواق على مقاربتها، تناولها، احترامها، والاستفادة منها. لدينا تجارب نقدية عربية جيدة، لكنها مقيدة، بقيت وتبقى تجارب، ما نحتاجه هو حركة نقدية عربية متوازنة، متنورة، لها رافعتها الإعلامية، وقنواتها التي تصل عبرها إلى المتلقي. عندما أكتب النقد، أشعر بالمسؤولية أمام الذين أخاطبهم، من المهم أن يكون النقد إبداعًا على الإبداع، بعيدًا عن الوقوع في سلطان هالة الشخص المبدع وتأثير سلطانه، الانحياز لأي تجربة ممنوع تحت أي مسمى، الشرط الأساسي لنجاح النقد هو الانحياز للجمال والدهشة فقط، وعزل الأسماء.

س: المرحلة العمرية هل تؤثر على طبيعة توجهات الكتابة النقدية؟

ج: بالتاكيد، فإن المرحلة العمرية تعني اهتمامامات وخبرات وتراكم للتحصيل العلمي والأدبي، ونضج في الأدوات، وذلك ينعكس بالضرورة على الرؤية والتفضيل الجمالي، وكذلك على إدراك القضايا المختلفة، وترتيب الأولويات، لكن ليس هذا فحسب؛ فالدرجة العلمية، والتمكن من اللغات الأجنبية، والاطلاع على المدارس النقدية، والخبرة العميقة في طروحات النقد عبر التاريخ، والاطلاع على التراث النقدي العربي بحياد، والاطلاع على العلوم الأخرى ونقدها من (تاريخ، وعلم اجتماع، ودين، وفقه، …وغيرها) يساهم بشكل كبير في تطور الاتجاهات وإثراء الخبرات، وفتح الآفاق، حيث إن فقر هذه الأمور لدى الناقد هو ما وصل بنا إلى حفلة الرداءة النقدية السائدة، وإلى تسلق عدد من الارتجاليين سلم الإبداع النقدي.

 

س: من أعمالك.. معجزة هواوي ورجال الصين، فما سبب القرب بينك وبين الأدب الصيني؟

ج: للتوضيح، فإن هذه الأعمال مترجمة عن اللغة الإنجليزية، لصالح مشروع الترجمة الذي تقوم به دار فضاءات بالشراكة مع دار نشر صينية، الكتاب الأول عن تجربة شركة هواوي في صناعة الاتصالات واختراق الحصار التكنولوجي، وصولًا إلى سيادة الجيل الخامس في الاتصالات، أما “رجال الصين الآليون” فهو عن تجربة شركة “سياسون” الصينية في إنتاج وتصنيع الرجال الآليين بدءًا من النماذج البسيطة وصولًا إلى آليين يصنعون رجالًا آليين.

أما سبب القرب من التجربة والأدب الصيني، فأولهما: اهتماماتي التي تقاطعت مع مواضيع الترجمة، ثانيًا: الاتجاه شرقًا حيث إن العلم والحكمة شرقيان بالأساس، وليسا قاصرين على أوروبا أو أمريكا، وثالثًا: تشابة التجارب والبدايات بين الصين والحالة العربية، واستشراف إمكانيات نقل التجارب التي سبقت بها ماليزيا وسنغافورة ثم لحقتهما الدول الأخرى في شرق آسيا، ومؤخرًا اصبحت الصين رائدًا عالميًّا في عدد من المجالات، وهي تبشر بتعديل كبير في الميزان العالمي للنهوض والتنمية.

س: امرأة اسمها العاصمة.. فازت بأفضل رواية عن القدس.. هلا أتحفتنا بشيء عن الفكرة والسرد والغرض والمضمون؟

ج: هي قصة حب مقدسية غير تقليدية، تنتهي نهاية مؤلمة، محورها أمران هامان، أولهما ازدواجية الولاء والانتماء، حيث إن القدس عاصمة فلسطين الأولى، وهناك عاصمة ثانية، وهي واحدة من كثير من مدن العرب التي استضافته مثل عمان، القاهرة، بيروت، الكويت، الرياض  وثاني القضايا هو الواقع المقدسي الذي يعاني من كل شيء، من ذاته وأبنائه، ثم تراجع الاهتمام الرسمي بالمدينة كعاصمة سياسية ودينية.

السرد في رواية امرأة اسمها العاصمة تميز بالبلاغة العالية، والسرد الدافئ، بينما تنوعت الأحداث بين القدس ورام الله والمناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948م، وتنوعت الأجيال والأحوال، بينما بقي الحب والمدينة والمرأة مكونًا أساسيًّا في جميع الفصول.

س: بين كفتي النقد والإبداع، أين الأديب إياد شماسنه يجد نفسه؟

ج: لست ناقدًا فنيًّا للأدب، وانما أمتلك بعض المحاولات المتواضعة فقط. كما أخبرتك، النقد أمانة، وأنا لست متفرغًا ولا أمتلك الرافعة التي تحمل الإنجاز النقدي لأي مكان، ولو حتى لمجلة صغيرة، ما زال النقد عملًا ثوريًّا، وما زال الناقد العربي يصنع أعداءً أكثر مما يكتب، ومع ذلك أمارس التفكير الناقد كأداة مهمة للمعرفة، ولي رؤية نقدية أعتبرها جيدة، أما الإجابة المباشرة على سؤالك، فأنا أؤكد أن النقد إبداع على الإبداع، بينما أرى نفسي مؤازرًا للحركة النقدية التي ربما تتحرك يومًا، وإن كنت لا أعرف ماذا يخبئ المستقبل.

س: هل تعتقد أن النقاد أوفوا تجربتك الأدبية حقها من النقد والاهتمام؟

ج: هناك من كتب عن تجاربي الإبداعية الشعرية أو الروائية، لكنهم قليلون نوعًا ما وفق طموحي، مع ذلك كان الاهتمام الأكثر بالرواية، وبقي الشعر نائيًا عن المحاكمة النقدية، ذلك راجع لتراجع الاهتمام العربي بالشعر، والانكفاء على المسابقات والجوائز التي تنال التصويت مدفوع الثمن عبر شركات الاتصال، وكذلك إلى الأحزاب الثقافية المختلفة التي تنكفئ على حساباتها الخاصة والموالين لها. أطمح إلى إصدار ديوان شعري جديد قريبًا، وأتمنى أن يجد الاهتمام والتناول النقدي، وكذلك توسيع التناول النقدي لرواياتي.

س: هل الإعلام العربي يقوم بواجبه في نشر الثقافة، والشعر؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ 

ج: الإعلام العربي يهتم بالسياسة أولًا وأخيرًا، وما يخدم السياسة والسياسيين. هذا ليس مطلقًا، لكنه عام ومتسع، ما زالت نفس الأسماء والتجارب تترد منذ عشرات السنوات، وحتى الأسماء التي تلمع مؤخرًا ،فإن التكرار ينهكهكا ويستهلكها. أعتقد أن حصة الثقافة من الإعلام العربي ضئيلة جدًّا بدرجة كبيرة لا تليق بالحالة العربية ورأس المال العربي، طبعًا ذلك لا ينطبق هذا على النشر والإبداع فقط، وإنما على الصناعات الإبداعية التي هي خارج المنظومة تقريبًا، نحن ما زلنا بعيدين عن منهاج وفكر صناعة المعرفة المتكاملة التي تدخل في منظومة الصناعة والتجارة وتساهم في تحقيق حلقة تنتهي بالمساهمة حتى في الدخل القومي، يتحمل الجميع المسؤولية بدءا من صانع القرار والسياسي قصير الرؤية الذي يتولى هذه الأمور، وانتهاءً بالمواطن الذي الذي يرى المعرفة والإبداع والثقافة ترفا ثانويًّا، لا يهمه إلا بالقدر الذي يحقق له التظاهر بالثقافة.

س: كيف استفدت من كونك روائيًّا وشاعرًا وكاتبًا ومترجمًا في نفس الوقت؟

ج: العلوم الإنسانية تتقاطع بالضرورة، وتتلاقح، والتجارب في كل منها تتلاقح، وذلك يندرج تحت عمليات اكتساب المعرفة وبناء الخبرات التي يهضمها عقل المبدع، وتساهم في مخرجات لاحقة، قد لا تكون فورية أو مباشرة، لكنها بشكل أو بآخر تندرج ضمن إنتاجه ولو بشكل جديد. أعتقد أن تعاظم المدخلات وثرائها وتنوعها يؤدي إلى نتائج حميدة إن تم هضم واستيعاب هذه المدخلات جيدًا.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]الشعر الموزون والمقفى انتخب انتخابًا طبيعيًّا عبر عشرات القرون[/box]

س : ما هي مفاهيمُك وتقويمُك للشعر.. ما هو الشعر الجيد والشعر الرديء.. وما رأيك في كلٍّ من: الشعر الموزون والمقفّى (الكلاسيكي أو التقليدي) وشعر التفعيلة والشعر الحديث الحُر وأيُّهم تفضل ولماذا؟

ج: أتبنى مقولة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن الشعر “كان علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه” وهو بذلك علم ومعرفة له قواعده المتوارثة، وأصوله المعروفة، بالنسبة لي ولمن قبلي من أهل هذا العلم فإن الموسيقى شرط أساسي، بالإضافة إلى الاستشراف الدقيق للجمال، بمعنى رؤية ما يراه الشاعر في أحوال لا يراها غيره، ويعبر عنها لغته، وعلى ذلك لا يكون أي موزون شعرًا لوزنه فقط، ولا أن بيلغ شعرًا لفصاحته وبلاغته.

الشعر غناء كوني ولغة عليا للتعبير عن الجمال والدهشة، واستبصار دقيق للمواقف والعلاقات والأشياء، وإدراك شفاف وحكيم، واستشراف لزمان بمقدمات بسيطة وعادية.

بخصوص الشعر الموزون والمقفى، فإني أعتقد أنه نظام شعري انتخب انتخابًا طبيعيًّا عبر عشرات القرون، وتم تنقيحه وتغذيته بآلاف التجارب الإنسانية والنقدية، وقد انبثق منه وفق الحاجة نماذج إبداعية جميلة مثل الموشح وغيره، لكنها خبت بعد تغير الحاجات والظروف؛ وإن ظلت تتردد من حين إلى حين مغناة على الأقل. أما شعر التفعيلة، وان كان فنًّا منبثقًا عن الشعر، وفيه تجارب جميلة، إلا إنه انقلب على ذاته من حيث قوله بحرية الوزن أو الشعر، وتخليه عن القافية التي هي وحدة موسيقية هامة، وانحساره في تفعيلة واحدة مكررة، هذا شائع جدًّا في المنجز الصادر عن شعرائه، حيث قادنا ذلك إلى فقر إيقاعي وموسيقي، مع ذلك أكرر أن هناك تجارب في غاية الجمال والنضوج.

بالنسبة لي أقرأ بعيدًا عن التصنيف، وتأخذني الدهشة والجمال بالفكرة والتجربة، وعندما أحاكم النص نقديًّا، أجد أن الشعر الكلاسيكي، الذي أثرته التجارب الشابة الحديثة وهي كثيرة، قد ابتعث مرة أخرى، واثبت قدرته على هضم التجربة الحداثية ومفرداته، وهو يحافظ على عناصره الأساسية، وهو ما سميته ذات حوار بالأصالة العليا، الأصالة التي تقوم على المنجز الحداثي وما بعد الحداثي.

 

س: ما هي الساعات المفضلة لديك للكتابة.. متى تكتب وفي أية أوقات يأتيك الإيحاء.. أم أنه لا توجد لديك أوقات خاصَّة للكتابةِ؟

ج: أكتب في أي وقت وأي مكان وأية ظروف، الشرط الأساسي لدي تخليق الفكرة أو توليدها وانبثاقها وجاهزيتها للتدوين أكتبها. لا أحتاج إلا إلى الوقت للكتابة، أحتاج أوقاتًا أطول للقراءة، مع إني أقرأ يوميًّا تقريبًا، لكن ذلك لا يكفي، لا يعني أنني أكتب بنفس النشاط والإبداع في جميع الأوقات، لكن طقوس الكتابة لدي ليست متزمتة، أي وقت أتمتع فيه بنشاط ومزاج كتابي متوقد، أكتب فيه.

س: لمن يقرأ أديبنا، وماذا يقرأ، ومن يعجبك من الشعراء العرب المعاصرين؟ ما الشروط التي ينبغي أن تتوفر للشاعر الناجح؟

ج: أقرأ كثيرًا، للعربي والأجنبي، الشرقي والغربي، في ميادين مختلفة من السياسة إلى التاريخ وعلم الإدارة والاجتماع، وكذلك للشعراء من جميع الأعمار والأطياف، بشرط توهج الفكرة ونضج التجربة والدهشة. أقرأ لـ (محمد عبد الباري، ومحمود درويش، وهزبر محمود، ومروة حلاوة، وجاسم الصحيح، وعبد الله أبو شميس، وأحمد أبو سليم، وجمال الصليعي، ومالك حداد، ومحمد إقبال، ورسول حمزاتوف، ورامبو، وبودلير، …وغيرهم)، كذلك أقرأ من الهايكو واللانداي، والشعر الشعبي. أما بخصوص الشروط الواجب توفرها للشاعر الناجح فهي (لا يكون لديه شروط ولا قيود إلا التجديد المنبثق من الأصالة، الدهشة، الفصاحة اللغوية، وسلامة اللغة الشعرية).

س: إلى أي مدى يمكن للأديب أو الشاعر أن يؤثر بمجتمعه وكيف نوظف أشعارنا في تطور مجتمعاتنا دون إغفال الماضي الحضاري للأمة العربية فنحن خير أمة أخرجت للناس؟ 

ج: لم يعد مطلوبًا من الشاعر أو الأديب التأثير المباشر، وقد انتهى عصر القصيدة التي تدفع الخليفة ليقود جيشًا لفتح مدينة، أو إسقاط حكومة. الشعر والأدب إنتاج معرفي يساهم في ترقية الذوق العام، وطرح مواضيع ومحاكمة قضايا، يساهم في تغذية الوعي الشخصي والعام، ومجال قياس هذا التأثير كميًّا غير متوفر عربيًّا. نحتاج منهجًا لقياس الأثر الاجتماعي للأدب كميًّا، وأعتقد أن ذلك يمكن أن يكون مدخلًا لمشاركة الأدب في صناعة تنمية ودخول الإبداع مجال الصناعة التي تساهم في تنمية الدخل القومي

س: هل تفكر بالقارئ عندما تكتب نصوصك؟ وهل المتلقي يمكن أن يكون مرآة الكاتب والأديب؟

ج: عندما أخوض الكتابة، لا أفكر إلا بالنص ذاته، جماله، محتواه، دهشته، مكانته من الإبداع، مستواه. وليس شرطًا أن يكون المتلقي مرآة للكاتب أو الأديب، فرب مبلغ أوعى من سامع، وقد قيل إن قراءتين لأي نص في زمنين تؤديان إلى نتيجتين أو انطباعين مختلفين، فما بالك بقارئين مختلفين، أو قراء من جنسيات وخلفيات اجتماعية أو سياسية مختلفة!

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]لم يعد مطلوبًا من الشاعر أو الأديب التأثير المباشر[/box]

س: شبكات التواصل الاجتماعي.. هل خدمت الشعراء والكتاب وهل ساعدت على إزالة الحدود بين المثقفين في العالم؟

ج: التواصل الاجتماعي أداة تكنولوجية مهمة، اختصرت المسافات وفتحت الآفاق للوصول، لكنه بحدين، فقد سمحت بتدفق أنصاف الأدباء وأشباه المثقفين، وقاموا بمزاحمة الجادين، مع ذلك يسرت الكثير من التواصل بين المثقفين والنقاد والأدباء، شخصيًّا عقدت صداقات وتواصلت مع مبدعين تفصلني عنهم آلاف الأميال والحواجز، وتعلمت من آخرين، تبادلنا النصوص والنصائح والتوجيهات، ووصلت لجمهور بعشرات أضعاف ما كنت سأصل إليه دون وسائل التواصل، يبقى التوظيف الجاد لهذه المواقع قاصرًا على قطاع معين، وخصوصًا مع انتشار المجاملات المبتذلة، مما فرض نماذج رديئة، إن الاهتمام بالتوظيف العملي لأدوات التكنولوجيا يخدم الأدب، وهذا يسير بطيئًا نوعًا ما.

س: هل سبق أن زرت دولًا عربية، واطَّلعت على المشهد الثقافي عن كثب، هلّا نقلت لنا بعض الانطباعات؟

ج: زرت السعودية في موسم للحج، ومصر في موسم للسياحة، الدولة الوحيدة التي زرتها للمشاركة في فعالية ثقافية هي الأردن، وهناك شاركت لسنوات في أنشطة وفعاليات وأمسيات ثقافية، لكني أتابع المشهد الثقافي العربي، أعتقد أن الخليج العربي عمومًا يتقدم بسرعة واضطراد في المجال الإعلامي والثقافي، وخصوصًا مع النكبات التي حلت بدول كانت تتصدر المشهد مثل العراق وسوريا ولبنان، مع ذلك تبقى المملكة الأردنية حاضنة للجميع، ولي فيها صلة وأصدقاء، وبي أمل في التواصل مع الأشقاء في كل مكان وخصوصًا أهلي في الثقافة والإبداع.

س: لو كنت وزيرًا للثقافة ما هو أول عمل تقوم به؟ 

ج: عندما أكون وزيرًا للثقافة، وهذا غير محتمل، سأطالب بتغيير مسمى وهيكلية الوزارة إلى وزارة “إدارة المعرفة والإبداع”، وسأطالب ألا يتولى أي منصب فيها أحد غير حامل لشهادة مختصة في الإدارة الثقافية، بالطبع لا أوافق دون ميزانية تخدم خطة إستراتيجية متكاملة طويلة الأمد تستدعي التحول من نسخ المعرفة وتقليدها، إلى إدارتها وتوليدها وإنتاجها، والمساهمة الجادة في المعرفة البشرية على كافة القطاعات، بحيث تصبح المعرفة مدخلًا من مدخلات التنمية، وسأطالب بشراكة استرتيجية شاملة مع التربية والتعليم والتعليم العالي، بحيث تتكامل أو تتوحد الوزارتان، وهما العصب الأساسي لخلق موارد بشرية ومواطن صالح مبدع، أعتقد أن حكوماتنا حتى اليوم تحجم عن هذه الأمور، لذلك فإن موضوع تولي وزارة الثاقافة ما يزال بعيدًا مثل موضوع الديمقراطية تمامًا، وما زال المبدع الحقيقي بعيدًا عن السياسة، أو مبعدًا عنها لأنه يحرج السياسي.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]وصلت لجمهور بعشرات أضعاف ما كنت سأصل إليه دون وسائل التواصل[/box]

س: هناك مشاريع من المؤمل أن يتم تنفيذها، كإصدار كتب شعرية وروائية جديدة، اعطنا نبذة عنها؟ 

ج: لدي عمل شعري جاهز للصدور ومؤجل لظروف نشر الشعر العربي وعدم تعاون دور النشر، وكذلك لدي عمل روائي قادم سيرى النور بعد بضعة شهور. بالطبع فإن لدى الرواية فرصة أكثر في النشر، هذا بجانب العملين المترجمين الذين سيصدران قريبًا جدًّا عن دار فضاءات في الأردن.

س: ماذا تمثل المفردات التالية في شعر ووجدان أديبنا المقدسي؟

الأم: شمس القلب وربيعه الأخضر،

فلسطين: ست الدنيا وباب السماوات،

غزة: خاصرة الوجع الإنساني، وعار العالم الحر، طموحنا المجسد في الصخور، وعزمنا المكدس تحت السماء،

البحر: أحلامنا المتسعة وخيالنا الجامح،

اللون الأصفر: القوة والرقة، والوضوح والغموض معًا،

الصداقة: الثقة والحب والغفران،

النجاح: بلوغ الأمل، والاستعداد للجديد،

الزيتون: غصن يحبه الله وسلام يتحقق في الأرض،

السهل: الاتساع والانطلاق والإيجابية،

النهر: دموع الجبال شوقًا لأن تسبح في البحر،

الورد: نوايا التراب الصادقة للعطاء،

الزعتر: نكهة ضيافة الأرض للبشر دون إضافات.

س: الحديث معك لا يمل وللحديث بقية.. ونتمنى أن تكون حلقتنا المقبلة أو حوارنا القادم وقد حققت ما تصبو إليه، ولكن هل من كلمة ختامية توجهها إلى جمهورك ومتابعيك؟

 ما أحب أن أقوله للجميع، شاكر لكم وللمتابعين الكرام، ولصحيفتكم هتون إدارة ورئاسة تحرير.

سوفَ أَمْضي

في اكْتِشافِ السَرِّ، أَوْ

أُصْبِحَ السِرَّ؛  فَلا يَبْقى اكْتِشافْ.

رُبَّما أُدْرِكُ

سِرَّ الكَشْفِ،

أَوْ أُدْرِكُ التَّأْويلَ، والتَّأْويلُ خافْ

كلما طافَ

على القلب نورٌ

كتب النورُ على صدرِ المطافْ

لَسْتُ أَخْشى

غَيْرَ نَفْسي عِنْدَما

تَعْلَمُ النَّاسُ بِأَنّي لا أَخافْ

في الختام أشكركم باسم فلسطين وباسم صحيفتنا هتون ونعدكم أن نتابع مسيرتكم ونسلط الضوء على أعمالكم..

أشكركم جميعًا، أتمنى أن أكون وُفّقت للإجابة بما يليق بي وبكم وبالإبداع.

مقالات ذات صلة

‫75 تعليقات

  1. أعتقد أنه قبل تقلد منصب وزير في أي قطاع، لابد أولا من النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وإحياء وتفعيل قيمنا المجتمعية.. تسلم

  2. حوار شيق .. لفيض من الجمال و كلماتك وصلت بي إلى شغاف القلب لقد ابهرتني و راقني همسك دام حرفك ربيع فاتن
    لقلبك بياض لا ينتهي يا ابن الأرض الطيبة و سلام إلى بيت المقدس
    تحياتي و تقديري إلى جريدة هتون الإلكترونية و خاصة إلى الأستاذ خالد عبد الرحمن

  3. ما شاء الله طاقة ابداعية وفقك الله اخي المبدع في مشوارك وجعلك ذخرا للوطن العربي

  4. Добрый день, извиняюсь если пишу не туда, у меня на компе что-то сайт открывается с ошибкой кажется браузер глючит не могу найти причину, такая фигня только у меня?

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88