إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

وجــه / Face

تأتيكم زاوية (نوافذ مشرعة على الآخر) من ثقافات أخرى  لتكون جزءًا من كنوز الثقافة واتساع الآفاق، وهي من إعداد الأديب والمترجم الدكتور/ عبد الله الطيب، زاوية أسبوعية متجددة. مهداة لعشاق الإبداع والتفرد.

النص الأساسي:

[box type=”shadow” align=”alignleft” ]

Face

By: David Holloway

I lost my face last night. No eyes so I looked by feel. So many things feel like a face. A silk scarf, a mud puddle, a love letter, a string of kelp.
I found it and put it on. Then I saw it wasn’t mine. I wore it anyway.

[/box]

يعيش الكاتب في ولاية كولورادو الإمريكية، وهو مولع بالتصوير الفوتوغرافي بالإضافة إلى احترافه كتابة القصة القصيرة. يستمتع ديفيد برياضة الملاكمة واليوغا، وهو حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة واشنطن في سانت لويس.

تعليق على النص والترجمة، بقلم: الكاتبة والروائية المصرية/ هدى توفيق.

علينا أولًا أن نتساءل: ما هو النص المترجم؟ أهو نافذة مهمة لترجمة الثقافات المختلفة من الآداب والفنون والعلوم؛ للاطلاع والمعرفة وتوسيع مدارك الذائقة القرائية والمعرفية والأدبية بوجه عام، أم أنه ما نطلق عليه خيانة النص بروح ولغة مغايرة عن أصل كتابته له، لا شك أن مدى تفاعل وفنية ونسخ المترجم هي ما تحدد هذا الدور الخلاق لمتعة قراءة الإبداع والترجمة معا، مما لا تجعل منه مجرد نص خائن أو ستجعله نصًّا رائعًا، كل على حسب ما يرى ويتأمل مدى جودة النص المترجم، إذا قام المترجم بترجمة حرفية فاقدة المذاق، أم ترجمة فنية أضفت جمالًا وثقلًا على النص برصانة التعبير وجمالية تضاهي بين ما ترجم وبين ما هو أصلي من مقدرات وأداءات النص الأصلي.

أعتقد أن المترجم جذوة مشتعلة من روح، ومشاعر، وفكر، وثقافة، وهو يقدم لنا متعة قرائية لا تضاهيها متعة على المستوي الحسي والكيفي والكمي، ومعًا نقرأ هذا النص المترجم لنتأمل مدى قدرة التفاعل والتعايش مع فحوى هذه القصة القصيرة جدًّا أو القصة الومضة، أوتلك القصة التي هي أقرب لقصة عن فلسفة الكون، وتأمل الوجود، والحياة بنظرة فلسفية تأويلية إلى حد ما، وإذا كان لنا هنا أن نستعير مصطلح رولان بارط عن ماهية (موت المؤلف) في النص المترجم قصة (وجه)، هكذا سأتحدث عن انطباعي التأويلي لهذا السرد القصصي بعد أن قرأت وتفحصت وتعقبت مفردات اللغة المترجمة، فأوعزت لي بهذه الاستعارة المجازية، بأن هذه القصة مات بها المؤلف ولكن كيف مات؟ ومتى مات؟ ولمَ مات؟ قصة وجه، عنوانها (وجه) وهذا الإطلاق، أوحى بأجل المعنى الذي أراد المؤلف أن يوصله للقارئ في قصته، ونعود لسؤال هام: هل هذا وجه المؤلف فعلًا أم أنه وجه الإنسان بالشكل المطلق؟! دون محدد لجنسية أو هوية أو حتى زمان أو مكان، حتى لو ذكر أنه حدث الليلة الماضية، فالليلة الماضية له هي اللحظة الآنية لي وقت قراءة القصة، وهي اللحظة المستقبلية لمن سيقرؤها في المستقبل، لعبة الترقب الزمني أشبة بدمية تلهو بنا دون أن ندرك أي ليلة ماضية هي كانت للمؤلف؟!، وهذا الانزياح المطلق أضفي عليها بما يمكن أن يسمى عالمية القصة، وكونية الحدث في العالم الأشمل الغير محدد مكانيًّا أو زمانيًّا دون تأطير؛ مما جعلني أظن أن المؤلف مات بالفعل، وقد خرجت مفرداته لتخترق كل المساحات الإنسانية بقصة وجه، فهو لم يعد فقط وجهه الحقيقي، بل إنه بات وجهي ووجهك ووجه كل الآخرين والأخريات، بلفظ وعنوان وجه المتتوح المقام والمعيار، وجه هذا الإنسان الشقي المعذب في كل بقاع الأرض، وهو يتأمل وحهه الذي يبرز بكل الملامح والتجعيدات والتعرجات الإنسانية العامة والواسعة، من الممكن جدًّا أن يفقده ثم يتأمله جليًّا مثلما جعل المؤلف، فهو يحكي لنا أنه فقد وجهه أمس دون عينيه، ومعه نتخيل عندما حدث له هذا، أدار البحث بتلهف وخوف عنه بين الأشياء القديمة ولتكن بالتأكيد حاسة اللمس والتحسس، والتي هي سبيله الوحيد للخروج من هذا المأذق الحاد، فعمل على تحسس الأشياء القديمة، لعله يستحضر الذاكرة التي آزرته في كل سنوات عمره الماضية، فلا غيرها الملجأ والملاذ حتى لحظتة الحاضرة باكتشاف الفقد المروع.. ياربي فقد وجهه يالها من كارثة كونية ووجودية.

وهكذا نحن كقراء ربما تأتينا هذه اللحظة القاضية، فهذا المؤلف الضمني الذي لا نعرفه، وربما لا نعرفه ،وربما يرحل عنا بعد عدة سنوات بموت حقيقي في المستقبل، لكنه سيظل موجود بحيثية الملهم لنا عن رحلة البحث التي بثها داخلنا أثناء رحلة بحثه التأملية والفلسفية والوجودية ،عن وجهه الذي فقده في ليلة ماضية من حياته السابقة، والتي ستظل قائمة بل وسرمدية في رحلة البحث عن وجوههنا الحقيقية معنا جميعا لأخر الزمان والمكان ، وقد وجدها مؤلف القصة كما يحكي لنا في وشاح حرير ناعم الملمس ، فتخيلته وهو بين أحضان أمه وأبيه يتلمسه بينهما ، وهو يتلفح بحريرناعم من دفء الحنان والرعاية والأمان ، ومرة يفصح وجهه عن بركة وحل تلك الآلام والأزمات الطاحنة التي نقعته في بركة من الوحل والخيبة والتقهقهر، ليغوص في الوسن والوسخ والعذابات التي لا تنتهي حتى قبيل لحظيات الموت، ومرة يجد وجهه المفقود منه بين رسالة حب، الحب بمعناه المطلق أيضا هنا، مثل عنوان القصة ( وجه )، الذي يجعلنا نتوق إلى البحث عن نصفنا الأخر من أجل العيش والعطاء وانجاب الأطفال ، ومعرفة الاصدقاء والتفاعل والمبارزة بين لمة الأهل والأحباب وأصدقاء العمل والحياة، الحب للوطن كاملا بالانتماء والأهلية المطروحة لنا بالذوبان والتماهي في فاعلياته ومظاهره الواضحة، إنها رسائل الحب الواسعة والشاملة ، ويستمر البحث عن وجهه الذي فقده فيجده مرة أخري وأخرى بين عشب بحري دليل الحيرة والارتباك واشواك العشب الغير محدد بين الوساوس والمخاوف والتأويلات والمؤمرات، وكل شئ، وأي شئ يجعله مرتبكا حائرخائف منطفأ ، حتى أخيرا وجد وجهه الذي فقده بعد رحلة بحث شاقة، فارتداه فورا ليرتاح من عناء الرحلة ، لكنه للأسف لم يعود هو نفس الشخص عاد الوجه، ولم تعد الروح إنها تغيرت وتبدلت تماما، وقد ملأها القنوط، اللا جدوى، وبقايا ذكريات حلوة ومرة تبحث عن مفرمة النسيان الذي في بعض الأحيان يتمنى صاحبها التلاشي والغياب عن الوجود تماما، وهو يعيش الانتحار البطئ بين الصمت القاتل، واجترار الأحزان المقيتة من ذكريات و عذابات الأقنعة الجديدة التي ارتداها وسيظل يرتديها كل يوم وكل لحظة من أجل أن يستمر ويعيش على أي حال، وقد مات الإنسان الحقيقي بداخله وأمسى وجه مختلف بتاتا عما كانه، وقد فقده بالكامل دون عينيه في تلك الليلة الماضية، ليولد القارئ ذو الوجه الإنساني المطلق في وجه كل العوالم والبقاع في عموم الإنسانية، وهم وهن يبحثون عن وحوههم التي فقدوها، وربما لا يدركون أنهم فقدوها.

وهكذا نشعر في تلك القصة بموت المؤلف، ليدخل القارئ رحلة بحثه الخاصة عن وجهه المفقود، عندما كتب المؤلف مفرداته العميقة المغزى كالطائر المحلق في فضاء متعدد الأبعاد والتخيلات والتشكيلات، بحديثه عن وجهه الذي فقده، وما هذا الفقد إلا فقد لوجوه البشرية جميعًا، وقد خرجت فضاءات الكتابة لتلمس وجوههنا وتحيي لدينا شهية البحث بجدية عن وجوههنا المفقودة، وتميت المؤلف كما أخبرنا بارط.

بقلم الكاتبة المصرية/ هدى توفيق

كاتبة مصرية، حاصلة على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية، جامعة القاهرة، مديرة تحرير سلسلة (كتابات جديدة) الهيئة المصرية العامة للكتاب سابقًا – عضو عامل باتحاد الكُتاب – مصر. صدر لها: عدة مجموعات قصصية وروايات. كما نشرت العديد من المقالات النقدية والقصص القصيرة في المجلات والصحف المصرية والعربية وترجمت بعض القصص. حازت على عدة جوائز أدبية منها: جائزة المركز الأول عن (رواية بيوت بيضاء) تحت إشراف الهيأة العامة لقصور الثقافة عام 2012 وجائزة النشر الإقليمي عن كتاب قراءات إبداعية وفكرية الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2016.

تنويه: مصطلح (موت المؤلف)
مستخدم من كتاب (درس السيميولوجيا) رولان بارط ترجمة ـ عبد السلام بنعبد العالي ـ تقديم عبد الفتاح كيليطو/ دارتوبقال للنشر ـ الدار البيضاء ـ طبعة ثانية1986ـ طبعة ثالثة 1993

مقالات ذات صلة

‫36 تعليقات

  1. ولم تعد الروح إنها تغيرت وتبدلت تماما، وقد ملأها القنوط، اللا جدوى..وما زال أمل ما بقي النفس

  2. لا ملاحم لا دراما، لحظات اليأس والعثرات (برك موحلة) ولحظات الفرح والحنين (رسالة حب ووشاح حريري)، وفي النهاية لم نعد نعرف أنفسنا.

  3. مع احترامي لتعقيب الدكتورة هدى على القصة، لكنني أرى أن الكاتب لم يمت بل هو حي في كل إنسان يقرأ القصة ويشعر بها.

  4. رغم أن العربية بها المثل القائل أن خير الكلام ما قل ودل، لكن يبدو أنه يُستعمل في الأدب الإنجليزي بصورة أكبر.

  5. لكنه للأسف لم يعود هو نفس الشخص عاد الوجه، ولم تعد الروح إنها تغيرت وتبدلت تماما، وقد ملأها القنوط، اللا جدوى، وبقايا ذكريات حلوة ومرة تبحث عن مفرمة النسيان..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88