إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

اليختُ الذي أضاعَ التعليمَ !.

قال المتنبي:
وَما الجَمعُ بَينَ الماءِ وَالنارِ في يَدي
… بِأَصعَبَ مِن أَن أَجمَعَ الجَدَّ وَالفَهما
الماء والنار ضدان، فهذا يُطفيء هذه، وهذه تغلي هذا حتى يتبخّر، وربّما كان بينهما من الترابط ما قد يجعلنا أن نحكم لهما بالتوافق، فالنار تغلي الماء البارد لتُدرك منه المنفعة، والماء قد يوقد النار أو قبسًا منها عبر شلالات تولّدُ (الكهرباء)، فالجمع بينهما يسير في هذا العصر، خاصة إذا علمنا أنّ من أعماق البحر قد تنفذ وتنفث النار بدخانها، قال ﷻ : ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) وقال ﷻ : ( وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ ).

والمتنبي في بيته يرى أنّ جمع هذين المتضادين في يده سهل لا مشقة فيه مقارنة بجمع المرء بين الحظّ والفهم والعقل، فمن القليل أن ترى عالمًا وعاقلاً قد التفت عليه حظوة الدنيا ومالها، بل هي إلى الجهالة أقرب، قال العكبري من شرّاح ديوانه: ( لأن العقل والعلم بتدبير الأمور لا يجتمع مع الحظّ في الدنيا، والجاهل المحظوظ في الدّنيا أسعد من العالم ).وقال حسان بن ثابت رضي ﷲ عنه :
رُبَّ حِلمٍ أَضاعَهُ عَدَمُ المالِ
… وَجَهـلٍ غَطّى عَلَيهِ النَعيمُ

ومن شقاوة الفهم والعلم ما يسمّى بالتقويم بل التهديم المستمر الذي ألقى بظلاله على تعليمنا منذ عام ١٤١٦هـ، حتى أتت المخرجات ضعيفة البنية، هزيلة الأركان، ركيكة البيان، قتيله التنافس، يُورث الإهمال، ويقطع الابتكار، لا يُجنى من شوكه العنب، فأصبح الطالب بهذا البخت وكأنّه يسير في يخت دراسي وفّرت فيها كلّ عوامل الرَّاحةِ والرَّفاهِية، فلا إحساس بقدر العلم، ولا إنحناء لمسؤولية بمكانته، حتى شُلّت يده عن الكتابة، فلا يستطيع أن يحبّر مقالة، كما أضحت الأخطاء الإملائية غلاف دفتره، والأغلاط اللغوية تشكو زيغ يده، فصحبته للقلم قليلة، إن لم تكن نادرة وعزيزة، والعجب أن نهاية سير اليخت اختبار بلا تأسيس، وارتقاء بلا عناء، ونجاح بلا ثمرة، قال الشاعر :
العــلمُ صــيدٌ والكِــتَابةُ قـيدُهُ
… قيِّد صيودَكَ بالحبالِ الواثِقَهْ
فمِنْ الحَمَاقَةِ أنْ تصيدَ غزالةً
… وَتَــفُكَّــهَا بينَ الخَلائقِ طَالقَهْ

كما أنّه قد أورث عند بعض المعلمين الكسل، وربّما التورّع والخوف من الظلم، لأنًّ التقويم تقريبي لا يتّكئ على أدلة كتابية وسجلّات ترصد القيم المعتبرة من الفهم، فهو عن الدقة أبعد، ولتجاوز الأخطاء أقرب، ويكفي من سلبية هذا النظام أن يكون مصابًا بداء المزاجية، بمعنى أنّ موقفًا أو مواقف سلوكية سواء كانت سلبيةً أم إيجابيةً لطالبٍ مع معلم قد يكون سبباً في أخذ فكرة عامة عن الطالب ومن هنا يأتي الضرر على الجانب العلمي.

ومن البشرى التي تناقلتها الأخبار المبادرة إلى إلغاء هذا النظام العقيم، فنشكر وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ على مبادرته التي سنجني ثمارها في أجيالنا القادمة، ونأمل أن تكون على أرض الواقع مغروسة، وفي طريق التعليم ملموسة، لأنّها ستنصع الفارق كثيرًا كثيرًا كثيرًا.

والمقصد أن التقويم المستمر لا يبني علمًا راسخًا، ولا يُشيّد فهمًا عميقًا، بل يستر فشلًا ملاءته نجاحٌ بالٍ، فلا يقيم حرفًا، ولا يُعرب لغةً، ولا يرصد رقمًا، ولا يجوّد صوتًا، فضلاً عن أنه لا يضبط سلوكًا، فهو من البخت والحظّ الذي لا يُجمع بينه وبين العلم. فأقول :
العلم أشرف ما يعيش به الفتى
… لا تـهــدمـوا إعــمـاره بـتـجـاربِ
وإذا ركنـتم للتجارب محّـصوا
… فالـعلم للألبـاب سـيـفُ مـحاربِ

ــ فاصلة منقوطة ؛
قال الإمام الشافعي:
وَمَن لَم يَذُق مُرَّ التَعَلُّمِ ساعَـةً
… تَدَرّعَ ذُلَّ الجَهلِ طولَ حَياتِـهِ
وَمَن فاتَهُ التَعليمُ وَقتَ شَبابِهِ
… فَكَــبِّــر عَلَيــهِ أَربَــعاً لِوَفــاتِهِ
———————————————
بقلم الأستاذ /
إبراهيم الوابل – أبو سليمان
‏ibrahim7370@
الاثنين – الموافق
٢٥ – ١٢ – ١٤٤٠هـ
٢٦ – ٨ – ٢٠١٩م

مقالات ذات صلة

‫29 تعليقات

  1. العلم نور والجهل عار.. ةالتعليم والتعلم أصبح في وقتنا الحاضر حق حقوق الإنسان، بل إن الدول الغربية تعاقب الآباء الذين يمكنون أبناءهم من التعليم بالحبس النافذ.. صحيح أن بعض البرامج التعليمية تقعس المعلمين والمربين عن أداء رسالتهم على أكمل وجه، لذا وجب التصحيح.. أشكرك يا ابا سليمان

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88