أخبار وتغطيات

الأديب والقاص الفلسطيني/ محمد مشه: القصة القصيرة جدًّا هي المولود الشرعي للقصة الأم.. ولم ولن أتقدم لأية جائزة

قاص وروائي فلسطيني، يكتب الشعر والدراما التليفزيونية والإذاعية، عضو رابطة الكتّاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، رئيس لجنة القصة والرواية في رابطة الكتّاب الأردنيين، محكّم في العديد من الجوائز العالمية والمحلية في الثقافة الإبداعية، أصدر ثماني مجاميع قصصية منذ عام 1983، ويُعد من رواد كتّاب القصة القصيرة جدًّا في الوطن العربي، كتب عنه العديد من النقاد المحليين والعرب، نُشرت عنه دراسات نقدية في العديد من المؤلفات النقدية الأردنية والعربية، يكتب في العديد من الصحف والمجلات والمواقع الأدبية.

أجرى الحوار: م. خالد عبد الرحمن

س: ممكن نتعرف على شخصكم الكريم (البطاقة التعريفية- طفولتك – الدراسة – الهوايات – الاهتمامات- الدورات – العمل – …إلخ )؟ 

ج: محمد عارف مشّه – أردني الجنسية والعشق والهوى – فلسطيني الأصل والوطن، الممتد من الماء إلى الماء. طفل ولدتُ لعائلة هُجّرت من يافا في مخيم لللاجئين الفلسطينيين عام 1948 يسمى (مخيم النويعمة) في أريحا.

عشت طفولتي كبقية أطفال مخيمات الشتات الفلسطيني في غرفتين مبنيتين من اللبن والطين، وفي الحوش كانت الدجاجات تهرول كما طفولتنا حول شجر (الكينا) التي كانت تنتصب وسط حوش بيتنا.

والدي -رحمه الله- كان عاملًا فقيرًا، سياسيًّا مثقفًا. فمنه -رحمة الله عليه- تعلمتُ الكثير؛ فرغم فقرنا كان صابرًا مثابرًا، تحملت أمي الفقر -رحمة الله عليها- وشظف العيش، فنمونا وكبرنا نحن الستة أطفال.

تعلمت في مدرسة المخيم، وأكلت في مطعم وكالة الغوث، واستلمنا المؤن من وكالة الغوث. وفي الصف الرابع الأساسي كانت نكبة ونكسة وهزيمة وجريمة عام 1967، فهاجرنا الهجرة الثانية سيرًا على الأقدام من أقدم مدينة في التاريخ على الإطلاق، من ( أريحا) نحو عمان، القلب والروح والنبض، لنسكن في الزرقاء في مخيم لللاجئين الفلسطينيين مرة أخرى.

درست وأكملت الثانوية العامة في المخيم، ثم انتقلت لإكمال دراستي، كي أعود مرة أخرى إلى المخيم معلمًا في المدارس التي كنتُ فيها طالبًا في المرحلتين الإعدادية والثانوية.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]كان لبيئة المخيم وارتباطي العضوي الوثيق بالقضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني في الشتات عظيم الأثر في موهبتي الأدبية[/box]

س: هلا حدثتنا عن مسيرتِكَ الأدبيَّة والثقافيَّةِ منذ البدايةِ وإلى الآن وأهمّ المحطَّات في حياتِكَ الأدبيَّة؟

ج: قلتُ: كان لفضل الله سبحانه أولا، ومن ثم يعود الفضل فيه لوالديّ رحمهما الله، ولبيئة المخيم وارتباطي العضوي الوثيق بالقضية الفلسطينية، ومعاناة الشعب الفلسطيني في الشتات، مطر يتساقط على رؤوسنا من من السقف، ومقاعد الغرف الصفية المبتلة، ونوافذ الغرف المكسورة، وظروف القهر والمرض والجوع والانكسار أمام المؤن، وانتظار كرت المؤن لحبيبات الصابون والسكر وقطرات الزيت والطحين، والتاجر الذي يشتري فقر الناس أمام المؤن بقروش قليلة، الصور المرعبة الكثيرة، والدراسة فعلًا بلا كهرباء وعلى المصباح الزجاجي (الكاز)، كلها عوامل إن لم أعشها فقد شاهدت الكثير منها، إلى أن كان اجتياح العدو الصهيوني لجنوب لبنان، فكان التفجير الصهيوني الفلسطيني في خط المواجهة، فكان الدم الفلسطيني وحيدًا أمام كل الغطرسة الصهيونية، فكانت قصتي الأولى في حياتي عام 1982، ونُشرت في جريدة الدستور تحت عنوان (حلمًا بانتصار)، تلتها مجموعتي القصصية الأولى عام 1983 بعنوان (حبك قدري) في عمان ـ الأردن.

تلت مجموعتي القصصية (حبك قدري) مجموعتي القصصية الثانية بعنوان (همسة في زمن الضجيج) عام 1989 عن دار الأفق الجديد في عمان. ثم في عام 1995 كان مولودي الثالث بعنوان (الولد الذي غاب) عن وزارة الثقافة الأردنية. خلال هذه الفترة كنت قد توجهت للعمل في الصحافة حينًا، والعمل كغير متفرغ في إعداد برنامج للتلفزيون الأردني بعنوان (آخر المشوار)، بعده دورة تلفزيونية واحدة، وبرنامج دراما إذاعية واحد لإذاعة المملكة الأردنية الهاشمية في برنامج درامي تمثيلي (علماؤنا في التاريخ)، تلتها مجموعة من الأعمال الإذاعية والتلفزيونية، إلى أن عدتُ وأصدرت المجموعة القصصية الرابعة لي عن وزارة الثقافة الأردنية بعنوان (مولاي السلطان قطز)، ثم (بائعة الكبريت) أيضًا عن وزارة الثقافة الأردنية.

توقفت قليلًا عن الكتابة، ولا أدري أهي حالة إحباط أم كسل.. لا أدري، وقد حثني الأصدقاء كثيرًا بالعودة إلى نشاطي الثقافي؛  فجمعت ونشرتُ ما كتبتُ طيلة ثلاثين عامًا من  قصص قصيرة جدًّا يعود بعضها لعام 1983؛ فكانت مجموعة (شبابيك)، وتلتها بدعم من وزارة الثقافة الأردنية مجموعة (عصافير المساء تأتي سرًّا).

س: أي الفنون الأدبية (الرواية – القصة … إلخ) الأقرب إلى قلبك ولماذا؟ الأستاذ محمد مشه والقصة توأمان؛ تندرج هي في حنايا قلبك وتندرج أنت بين ضلوعها.. هلا حدثتنا عن علاقة العشق بينك وبينها؟

ج: القصة، هي التي مدحها الله سبحانه في محكم كتابه في سورة يوسف، القصة يا سيدي هي التاريخ، هي الإنسان، هي التاريخ والجغرافيا، القصة نبض الشارع، ونبض الحياة، ونبض قلبي، فكيف لا أعشق القصة؟.

أيهما أقرب القصة أم الرواية ؟ القصة  حكايات جدتي عن (الغول) و (أبو رجل مسلوخة) وحكايات المناضلين الفلسطينيين والعرب الذين جاءوا للدفاع عن فلسطين (عز الدين القسام، وحسن سلامة) ومعركة القسطل، ومذابح قبية، والدوايمة، و… و… إلخ، وتدمير القرى الفلسطينية.

أما الرواية، فهي حكاية شعب اقتُلعَ من وطن عاش فيه آلاف الأعوام بمؤامرة صهيونية عالمية ساهمت بها بعض الأطراف العربية، فإلى أيهما تريدني أنحاز أكثر (للقصة الإنسان، أم الرواية التاريخ والحضارة والقضية)؟ كلاهما دمي ونبضي.. قصتي كانت أم روايتي.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]القصة والرواية..كلاهما دمي ونبضي، ولن أنحاز لأحدهما فللشعب الفلسطيني قصة ورواية معًا[/box]

س: القصة القصيرة شجرة حب خضراء تفرعت أغصانها فوقك وظللتك بأوراقها الوارفة.. أين موقعها الآن؟ وكيف يمكن لها أن تعود عروسًا غراء تكشف عن سحر جمالها؟

ج: القصة حالها كحال الوضع الثقافي بعامته، وتأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي، وتكنولوجيا النشر الإلكتروني ودور النشر الإلكترونية التجارية والتي هدفها الربح المادي، وغياب النقد الجاد في ظل الفوضى الثقافية، وسيادة ثقافة وجبة الهمبرغر السريعة، وسرعة وقع الحياة للركض خلف لقمة العيش جعل الوضع الثقافي والحالة الإبداعية تتراجع إلى آخر اهتمامات المتلقي في كثير من الأحيان، إضافة إلى متسلقي كتابة القصة وهم لا يستطيعون تعريف مصطلح القصة في غياب النقد الجاد.

يجب معالجة الوضع الثقافي العربي، كي يسود ويسترد عافيته إبداعيًّا، وليست القصة وحدها.

س: برأيك الخاص.. ما هي أهم عناصر القصة القصيرة التي تشكل المحور الأساسي لفن القص؟

ج: عناصر القصة: أن تعشق اللغة العربية، تعشقها بكل وجدانك أولًا، ثم تبدأ بالتعرف على عناصر القصة المعروفة من (بداية، وعقدة، ونهاية، وشخوص، وفكرة تقولها فتكون مقتنعًا بها). عناصر القصة معروفة والكل يعرفها وهي مشرعة الأبواب على التجريب وليس التخريب، مفتوحة على التجديد والتطوير بعيدًا عن الفوضى في القصة. القصة أنثى عذراء؛ إن اقتربت منها بغير رومانسية فقدت الأنثى عذريتها وفقدت القصة شفافيتها. لنجرب، لنجدد كما شئنا، نخترع ونجدد، نبني ولا نهدم، ولكن قبل كل تجديد وتجريب علينا أن نعرف كيف نكتب القصة التقليدية، ونجدد عن علم، ولا نعمل على فض بكارة القصة.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]قبل كل تجديد وتجريب علينا أن نعرف كيف نكتب القصة التقليدية، ونجدد عن علم، ولا نعمل على فض بكارة القصة.[/box]

س:تمتلئ صفحات الفيس بآلاف القصص القصيرة.. هل برأيك كثرة الكتابة في هذا الفن يدل على استجابته لمشاعر المتلقين؟

ج: لنكن منصفين ونقول أن صفحات التواصل الاجتماعي لها جوانبها السلبية، وجوانبها الايجابية؛ فقد أعطت مساحة أكبر للأدباء الشباب، من سرعة في الشهرة والانتشار، وزادت من أفق القراءة وتبادل الخبرات الفنية في القصة، لكن غياب النقد الجاد من النقاد المهمين على الساحة الثقافية وابتعادهم عن صفحات التواصل الاجتماعي إما تكبرًا، أو لعدم إتاحة الوقت لهم، أو العدد الكبير ممن يكتبون القصة أو يزعمون أنهم يكتبونها.

شيء مهم أن نقوله هنا: هو سهولة النشر بلا رقيب، وعدم رغبة بعض القاصين في التعب على أنفسهم وتطوير أدواتهم على صفحات التواصل الاجتماعي أثّر سلبيًّا على القصة.

س: من هو القاص البارع الذي استطاع أن يؤطر لفن القصة القصيرة في عالم الأدب العربي؟

ج: القصة وتطورها عمل جماعي مشترك، حضارة تراكم خبرات أجيال، ولا يستطيع فرد بمفرده مهما بلغت عبقريته أن يؤطر لكتابة القصة، مع احترامي الكبير طبعًا لكل من ساهم في كتابة القصة وتأطيرها.

س: تنتشر على ألسنة كتاب القصة القصيرة، القصة الصرعة او ما يسمى بالقصة( ق-ق-ج) ما موقفك من هذا النوع من القصص؟ هل كتبت مثل هذا النوع؟

القصة القصيرة جدًّا يا سيدي هي مولود شرعي وحقيقي للقصة المعروفة عالميًّا منذ سيرة عيسى بن هشام، وما ورد قبل سيرة بن هشام. القصص القصيرة جدا التي وردت في القرآن الكريم عن تاريخ حضارات الأمم السابقة والأشخاص المؤمنين والكافرين. نعم نعم القرآن الكريم ليس كتاب تاريخ ولا هو كتابة قصة، وهو تنزيل من رب العالمين يدعونا للإيمان، ويعلّمنا أيضًا فنتعلم، فلنؤمن ولنتعلم من القرآن الكريم.

نعم.. القصة القصيرة جدًّا موجودة في تاريخنا وثقافتنا ووعينا الثقافي الشعبي فيما يسمى بـ (الخراريف) وهي القصص القصيرة جدًّا التي كانت تقولها العجائز في الحارات، قصصا وعبرة في الأدب المحكي. صحيح لم يطلق عليها مصطلح قصة قصيرة جدًّا، بل (خريفة)، وعالميا يؤرخ لها البعض بقصة (للبيع حذاء طفل لم يرتده أحد) ولم يطلق عليها اسم قصة قصيرة جدًّا لا في أمريكا ولا في أوروبا أو غيرها من بلدان العالم.

عُرفت القصة القصيرة جدًّا عربيًّا ضمن مراحل عمرية تناثرت هنا وهناك على استحياء في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي. اشتهر في الثمانينات عربيا في كتابة القصة القصيرة جدًّا، الكاتب الفلسطيني (محمود شقير) والسوري (زكريا تامر) في بداية الثمانينات.

استمرت كتابة القصة القصيرة جدًّا؛ لتنتشر في المغرب العربي، والعراق، ومصر، في بداية التسعينات، وكانت بلاد الشام (الأردن، وفلسطين، وسوريا) الأسبق في كتابة القصة القصيرة جدًّا .

نعم.. كتبتُ القصة القصيرة جدًّا، وكان لي شرف المساهمة في كتابة القصة القصيرة جدا منذ عام 1983، سواء في مجموعتي الأولى (حبك قدري) الصادرة في عمان، أو من خلال عملي في إحدى المجلات المحلية عام 1984، ولم أجرؤ على التسمية الحرفية باسم قصة قصيرة جدًّا إلا في عام 1989 نشرت أول مجموعة قصصية باسم (قصة قصيرة جدًّا) في مجلة اليقظة الكويتية.

القصة القصيرة جدًّا.. هي رواية في بضعة أسطر، فهل تستطيع كتابة رواية في بضعة أسطر؟. القصة القصيرة جدًّا لها عناصر وشروط القصة والرواية -لكنها بكلمات أقل- (كثافة اللغة، الشاعرية، الدهشة، الفكرة، …إلخ) كل عناصر القصة.

ما نجده على صفحات التواصل الاجتماعي أحيانا كثيرة لا علاقة له إطلاقًا بالقصة ولا بالقصة القصيرة جدًّا.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]القصة القصيرة جدًّا مولود شرعي وحقيقي للقصة المعروفة عالميًّا[/box]

س:فلسطين تسكن كل جوارك فماذا قدمت من نتاج أدبي للمخيم والقضية الفلسطينية؟

ج: فلسطين هي الروح ونبض دمي من مائنا إلى مائنا، من بحرنا إلى نهرنا. عشت القضية بآلامها، ما لاحظته وشاهدته في مخيمات الشتات. فلسطين هي الوطن، هي الأرض، هي الإنسان منذ أول قصة كتبتها في حياتي وإلى آخر نفس كتبه الله لي في  هذه الحياة، ستظل فلسطين نبضي، وحرفي، وكلمتي، وقصتي مع الحياة. سأشكو لله باسم كل طفل فلسطيني، باسم كل قطرة دم فلسطينية، بكل دمعة شيخ، وحزن أم، ويتم طفل، باسم المطر الذي تساقط ما بين ثقوب صفائح الزينكو التي تسقف البيوت الطينية الواطئة والأَزِقّة المظلمة، باسم كل رياح اقتلعت الخيام والبيوت وعاش أطفالها في العراء، وبكل رعشة برد أصابت كل جسد في الشتات.. سأكتبها قصة، وقصيدة، ورواية. سأشكو باسمهم، لله سبحانه، من كل الظلم والقهر والفقر الذي عاشه فقراء الشتات.

كتبت الكثير وعملت دراسات وأبحاث وأمسيات عن (المخيم في أدب محمد مشّه) لكني لا زلت مقصرًا، وأرجو الله أن يمنّ عليّ بالعمر والجهد، كي أكتب أكثر عن أهلنا في الداخل وفي الشتات الفلسطيني، وفضح مخططات العدو الصهيوني وكل المتآمرين على قضيتي وشعبي.

س: بين القصة القصيرة وملفات الحياة حكاية لا تنتهي.. هلا حدثتنا عن بعض القصص الحياتية اللافتة للانتباه؟

ج: بكاء الطفل (قصة)، من جاء للمدرسة حافي القدمين (قصة)، من لم يجد طعام فطوره ووقع في ساحة المدرسة بسبب الجوع وفقر الدم (قصة)، من سقط عليه منجم الحجارة والكسارة فمات (قصة)، من لم يدق الخزان فمات مخنوقا من ظلم الحياة وقهرها (قصص كثيرة)، قنابل النابالم التي تحرق الأطفال والنساء والشيوخ في حرب حزيران (قصة)، أجساد قصص جنود الجيوش العربية التي احترقت عام 67 وتفحمت بغعل قنابل النابالم (قصص وقصص).

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]بكاء الطفل (قصة). من جاء للمدرسة حافي القدمين (قصة)..!![/box]

س: ينتظر المتلقي والقارئ من أديب قاصٍ مبدع مثلك أن يتعرف على مجموعاتك القصصية، وأن تذكر له أهم قصصك الناجزة؟

ج: لديّ الآن مجموعتين قصصيتين[starlist][/starlist]: واحدة في القصة القصيرة جدًّا، والأخرى: في القصة القصيرة الاعتيادية، آمل أن تريا النور قريبًا إن شاء الله

س: كيف كانت رحلتك مع كتابة ونشر أعمالك؟

ج: شاقّة، لكن ما كان يمكن أن أفعل أفضل مما فعلت، والحمد لله على ما أنجزتُ.

س: حدثنا عن أعمالك المنشورة من حيث المناسبة والغرض؟

ج: كلها في موضوعاتها عن القضية الفلسطينية إنسانيًّا وسياسيًّا

س: القصة هي لب اهتمام القاص المبدع الأديب والكاتب/ محمد مشه.. هل بالإمكان أن تحدثنا عن مناسبات وظروف أشهر قصصك، ومتى تحب أن تكتب؟ وما هي القصة الأكثر قربًا إلى قلبك؟

ج: لا توجد قصة بعينها هي الأقرب إلى قلبي، فجميعهم أولادي، والأقرب من حيث المجاميع القصصية هي مجموعة (همسة في زمن الضجيج) فقد فقدتُ نسخها جميعها، ولا يوجد لدي منها أية نسخة، والمجاميع الأخرى لديّ منها نسخة أو اثنتين: مثل (الورد الذي غاب، وبائعة الكبريت، وعصافير المساء تأتي سرًّا).

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]لا توجد قصة بعينها هي الأقرب إلى قلبي، فجميعهم أولادي[/box]

س: ما هي أهم الجوائر والتكريمات التي حصل عليها أديبنا المبدع؟ وهل ترى أن النقاد أنصفوك؟

ج: لم أتقدم لأية جائزة؛ لذا لم أفز بجوائز؛ لقناعاتي أن الجوائز والتكريم لا تطُلب ولكن تؤتى، والأديب الذي يحترم قلمه لا يذهب للجائزة، ولا يطلب التكريم بل تُمنح له الجوائز تقديرًا لمجموعة أعماله، والتكريم يأتي نتيجة استحقاق أدبه وفكره على ما اقترفت يداه.

هل أنصفني النقاد؟ نعم أنصف أدبي كثير من النقاد الجادّين وتجاهل أدبي كثيرون أيضًا.. العدل في السماء وليس في الأرض.

س: ماذا عن الجمعيات الثقافية والأدبية المحلية والعربية؟ هل استطاعت تلك الجمعيات أن تقوم بما تأسست من أجله أولًّا، وفي الدفاع عن حقوق أعضائها ثانيًا؟

ج: للأسف لا، إلا من رحم ربي. لماذا؟ فالأسباب كثيرة شائكة ومعقدة، لكن هذا لا يمنع من محاولات بعض المؤسسات الثقافية القيام بدورها الإيجابي تجاه الأعضاء.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]نعم أنصف أدبي كثير من النقاد الجادّين وتجاهل أدبي كثيرون أيضًا.. العدل في السماء وليس في الأرض[/box]

س: ما رأيك بالترجمة؟ وما وسيلة المبدع العربي كي يصل إلى العالمية؟ ومن يقوم بهذه المهمة الخطيرة؟ ألا تجد أن الترجمة أصبحت خاضعة للعلاقات الشخصية؟

ج: الترجمة ظاهرة إيجابية تعمل على التواصل والتبادل الحضاري والثقافي بين الشعوب والأمم بمختلف اللغات، لكن في وطننا العربي فينقصنا للأسف المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المحلي الثقافية للقيام بدورها الأفضل في قيادة حركة الترجمة ولملمتها، ولا نقف عند حد الجهود الفردية هنا أو هناك، فللجامعات دور مهم وإشرافي على حركات الترجمة إن هي أخذت دورها الحقيقي والفاعل، وكذلك وزارات الثقافة العربية كمنهج ثقافي أيديولوجي مهني محترف لعملية الترجمة، فكثيرا ما تكون الترجمة ابتدائية سواء من المترجم وحداثة عهده في الترجمة، أو رداءة الطباعة وضياع الفكرة والهدف المنشود من الترجمة، فعلى المترجم أن يكون أمينًا على لغته أو على لغة الآخرين وأن لا يسرق اللغة أو يقتل الفكرة.

كما أن صناعة الإبداع تحتاج مؤسسات ذات خبرة في تقديم المبدع، ولا نتوقف عند دور النشر التي هي بدورها متعثرة وتحتاج لمن يسوقها في بعض الأحيان، وعدم اقتصار دور نشر على دورها في طباعة الكتاب فقط.

س: ما هي أهم المعوقات التي يصطدم بها الكتاب الشباب، والكتابة من وجهة نظرك، وهل هي هدف أم وسيلة؟

ج: الكتابة حرفة وصنعة، هدف ووسيلة، موهبة وعلم، ثقافة ووعي واطلاع، وتبادل ثقافات عالميًّا ومحليًّا وإنسانيًّا.

الأدباء الشباب الآن لا يعانون مثلما عانى من سبقوهم من الأدباء الشباب، فقبل سنوات قليلة كنت لا تجد دور النشر الكثيرة والمتاحة للنشر كما في الوقت الحاضر، ولم تكن الصحف والمجلات الثقافية منتشرة، كما لم تكن المصادر متوفرة سوى بالكتاب والمجلات الثقافية التي كانت تثقل كاهل الشباب ماليًّا.. واليوم الوضع مختلف ومتاح أكثر أمام الشباب؛ فالإنترنت متاح ومتوفرة فيه كافة الثقافات والمعارف، ويمكنك تخزين العديد من الكتب على ذاكرة تخزين خارجية (فلاشة) صغيرة تضعها في جيبك، وما على الشباب إلا زيادة وعيهم والقراءة الأكثر تنوعًا وشمولًا لتزداد مصادرهم وأفكارهم الإبداعية الجديدة المبشرة بالخير إن شاء الله.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]الأدباء الشباب الآن لا يعانون مثلما عانى من سبقوهم من الأدباء الشباب[/box]

س: حبذا لو سجلت لنا بعد الحوار أجمل قصصك القصيرة أو مقتطفات منها ليتمتع القارئ بجماليات فنك؟

سأصبح دجاجة حين أكبر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قصة محمد عارف مشّه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التصقت قدماه في الطين، تعثّر في وتد الخيمة، تمايل جسده، سقط الطفل، تلوثت ثيابه، دخل الغرفة الصفيّة. الأرض مبللة بالطين وبقنوات ماء المطر الصغيرة، المقاعد مبتلة، الريح في الخارج تزأر، عمود الخيمة يتأرجح، المعلم يشرح، جسد الطفل يرتجف، المعلم يخلع معطفه ويلف به جسد الطفل المرتعش كعصفور مبتل، ملابس المعلم رثّة، المعلم يرتجف من البرد، الأطفال تصفق أجسادهم لرقصات خيمة تكاد تسقط فوق رؤوسهم.

الساعة السابعة صباحًا، بدأ النمل في المخيم يستيقظ،  الرجال يحملون في أياديهم أكياسًا ورقية، الطعام واحد، حبتان من البندورة، رغيف خبز وعلبة سردين من وكالة الغوث.

لا حافلات تكفي كي تنقلهم إلى رعب العاصمة، المكان ساحة المسجد الحسيني، والأمل يشع في قلوبهم أن تأتي سيارة تقلّ كل ذي حظ إلى حيث لا يدري أحد إلى أين.

في المساء عودتهم مثقلة بمرارة الإهانة والجوع والتعب. بعضهم يعودون بقهرهم بلا عمل؛ تحزن نساء الخيام، ينتظرن موعد (مطعم الوكالة)، والطعام ذاته كل يوم.

أمي.. سأصبح دجاجة عندما أكبر، قال طفل في المخيم لأمه، ولماذا دجاجة؟ سألت الأم بدهشة.

لكثرة ما صرفت لنا وكالة الغوث من بيض يوميا في مطعمها.

أنا سأصبح سمكة، قالت البنت الصغرى وأضافت: يوميا تجبرنا المعلمة على تناول حبوب زيت السمك.

الأم لم تحزن، الأم لم تفرح، الأم تفكر فقط: هل سيوزعون (البقج) قبل العيد وتكون فيها ملابس تناسب أطفالها في فصل الشتاء، وينال زوجها معطفًا يقيه برد الشتاء؟

أمي أريد معطفًا مثل معطف معلمنا، قالها طفل المخيم.

المعلم؟ زعقت الأم وأضافت: ومن أين سأجيء لك بمعطف مثل معطف المعلم؟

متى سيوزعون (البقج) يا أمي، قالت البنت

لماذا؟ سألت الأم ابنتها بلا مبالاة.

أريد ثوبًا أحمر

أحمر؟

مثل دمية ابنة خالتي، ترتدي دميتها ثوبًا أحمر

وهل أنت دمية؟

قال أخوها

ضحك الأولاد

عشعش الحزن في عيني الأم أكثر، شيء ما يهمس في داخلها قهرًا، ثم قالت: تأخر أبوكم، ثم همست بصوت غير مسموع: استر يا رب.

أمي.. متى نتناول طعام العشاء؟

عندما يأتي أبوكم

ومتى سيأتي أبي؟ قالت الصغيرة

الريح تزمجر، برق، ورعد، وأمطار غزيرة تنساب من أطراف الخيمة، تنهض الأم وهي تقول: قوموا. قام الأولاد؛ لملمت الأم ما بقي من فراش غير مبتل، بيديها صارت تعمل للماء مجرى صغيرًا بعيدًا عن مكان نومهم. ساعدوني يا أولاد.. زمجرت ريح قوية.

استر يا رب، قالت الأم.

هبّ الأولاد لنجدة أمهم.

أمي أين أبي، لقد تأخر؟، قالت الصغيرة.

استر يا رب، همست الأم لنفسها دون أن يسمعها أحد، ضاق صدرها خوفًا على زوجها.

أنا جائعة يا أمي وأريد أن أنام، قالت الصغيرة

نامي، وعندما يجيء أبوك أوقظك.

كيف أنام وأنا جائعة يا أمي؟! لا أقدر

فاسكتي إذن.

استيقظت الصغيرة على صوت صراخ وبكاء على رجل سُجي جسده في خيمة ما زال الماء يسيل من جوانبها، فيزيد الأرض طينًا، سقطت عليه صخرة في (منجم الحجارة).

س: ما هي طموحاتُكَ ومشاريعُك للمستقبل؟

ج: الطموحات كبيرة وكثيرة، وأرجو الله أن يتسع العمر لمعظمها، طموحي: صلاتي في المسجد الأقصى محررًا من الاحتلال الاسرائيلي، طموحي: العودة والعيش في فلسطين المحررة، أرض أجدادي من الماء إلى الماء، من بحرنا لنهرنا. طموحي: أن تستعيد الأمة العربية ألقها وحضارتها، وأن تتمتع بالسلام والأمن والاستقرار، كل شعوبنا العربية من المحيط إلى الخليج. الطموحات والأحلام كثيرة.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]طموحي العودة والعيش في فلسطين المحررة[/box]

ماذا تقول في كلمة واحدة عن الأب، الأم، فلسطين، غزة، الزعتر، الجبل، الغربة، الوطن، السهل، الصداقة، النجاح، خيبة الأمل، والسفر؟

ج: أحبك فلسطين وأعشق كل ذرة من ترابك الطهور وإن لم أعد لك أنا فسيعود لك أبنائي أو الأحفاد، فلا تبتئسي ولا تيأسي، فموعدنا عما قريب، ووعد الله حق لكم، صابروا ورابطوا  واصبروا، فالوطن لكن والأرض لكم، ومنذ الكنعانيين فلسطين اسمها فلسطين، وكل احتلال زائل.. لا محالة زائل.

في ختام الحوار:  الكلمة لك.. إضافاتك، تعريجاتك، ما يجول في خاطرك، كلمة لقرائك.. المجال والميدان مفتوحان.

ج: في الختام.. شكرًا للنقاد، شكرًا للقرّاء جمهوري الأعزاء، شكرًا لكل من ساهم بدفع محمد مشّه للأمام.. والشكر لله أولًا وآخرًا ودائمًا.

في الختام أشكركم باسم فلسطين، وباسم صحيفتنا هتون، ونعدكم أن نتابع مسيرتكم ونسلط الضوء على أعمالكم.

مقالات ذات صلة

‫87 تعليقات

  1. حوار يفيض حبا وعبقا وطهارة الى الأرض المقدسة، باسم الشيخ والطفل ، الكهل والعجوز..باسم المخيم في الوطن والشتات نقووول شكرا أستاذنا الكبير محمد مشه

  2. حقيقة هو يقول الصدق القصة هي الحياة هي الانسان هي النبض هي شوارعنا الزاخمة والزاحمة، هي افكرنا كبتنا طموحنا واحلامنا.
    وفلسطين هي النبض كل دول العربي وخاصة الجزائر سلامي للقاص ولكل متابعيه

  3. … ليلى بومدين …
    حوار شيق كيف لا اقف احتراما أمام هذه الكلمات ، لقد اسرتني أوجاع الشوق و الحنين إلى بيت المقدس .. تجمع الجمال عند حدود قلمك
    دمت و دام إبداعك أديبنا الراقي
    تحياتي و تقديري إلى الاستاذ خالد عبد الرحمن و جريدة هتون ..

  4. أديب وشاعر وقاص متميز يتحدث لصحيفة “هتون” بكل حرفية وتمكن وتفنن أيضا، راكم تجربة وخبرة ذات رصيد مهم عبر مسيرته في التحصيل العلمي.. الشكر موصول لهذا الأديب الجهبد وموصول لك أيضا أخي أبو عماد.. تسلموووو

  5. حوار في القمة ماشاء الله … فلسطين دائما ولادة في جميع المواقف و الاستثناءات … و في كل الفنون و الأوقات . احترامي

  6. أحبك فلسطين وأعشق كل ذرة من ترابك الطهور وإن لم أعد لك أنا فسيعود لك أبنائي أو الأحفاد.
    موفقين ان شاء الله.
    تقبلوا تحياتي

  7. أعجبني تلكم العباراات..بكاء الطفل (قصة)، من جاء للمدرسة حافي القدمين (قصة)، من لم يجد طعام فطوره ووقع في ساحة المدرسة بسبب الجوع وفقر الدم..

  8. حوار متميز للقاص والناقد ،ومستقبل الأجيال في قراءة القصص المتنوعة ،بالتوفيق ومزيدا من الإبداع

  9. تنحني كل كلمات الاعجاب بقلمك وابداعك سيدي الروائي والكاتب الكبير و لك مني ومن كل شبر في الجزائر باقات التقدير والاحترام لما تحمله من حب للمقدس وحنين و أمنيات ستتحق باذن الله الكريم..
    مشوار راقي و نفتخر أننا نقرأ وننهل من فيض ابداعك..تحياتي

  10. أسئلة رائعة جدا، غطت تقريبا معظم ما يعتمل في نفوس القراء عندما يقرأون حوارًا لأديب.
    شكرًا لمجهودكم مهندس خالد.

  11. أختلف مع الأديب الفاضل في أن الجوائز هي التي تذهب إلى مستحقيها، ورفضه الدخول إلى المسابقات، خاصة أن المنافسة متعة لا بد منها كما أرى، وله كامل احترامي.

  12. أعتقد أن أكبر عقبة تواجه الكتاب الشباب هو افتقادهم للنقد الحقيقي، كل له جمهوره وكل مقتنع بما يكتب لا يريد أن يعدل شيئًا.

  13. القصة وتطورها عمل جماعي مشترك، حضارة تراكم خبرات أجيال، ولا يستطيع فرد بمفرده مهما بلغت عبقريته أن يؤطر لكتابة القصة..
    صدقت.

  14. في غير كثير صراخ يجمل النهاية في جملة واحدة حزينة كتلك الفتاة التي نامت على جوعها تحلم بطعام ثم إذ هي تستيقظ على وفاة والدها الذي لن يعود!

    استيقظت الصغيرة على صوت صراخ وبكاء على رجل سُجي جسده في خيمة ما زال الماء يسيل من جوانبها، فيزيد الأرض طينًا، سقطت عليه صخرة في (منجم الحجارة).

  15. استاذ محمد أبدعت في حوارك كما عودتنا على استاذية تزخر بكل قيم الوطنية والأدب الراقي …. سلمت فارسا في ميدان القصة القصيرة تنقل معاناة الانسانية بحس مرهف وذائقية عللية

  16. حوار أدخلني في دهاليز الروح وأثار في الشجون وحملني برسالة الأمل والحب معنونة بفلسطين كل فلسطين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88