مجْمَع البَحْرَيْن/ الرمز والبركة (*)
يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}. [سورة الكهف].
تستوقف المتأمل في الآيات السابقة عدَّةُ لفتاتٍ، ومنها:
(مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) والذي قال عنه المفسرون -على خلافٍ بينهم- إنَّه اسم علمٍ لمكانٍ، وهو أيضًا رمزٌ لالتقاء عَالِمَيْن، قُطْب الشريعة في ذلك الحين، نبي الله موسى عليه السلام، وقُطْب الحقيقة حينها، العبد الصالح/ الخضر عليه السلام.
ويبدو لي والله أعلم أنَّه اسمٌ لمكانٍ مباركٍ فعلًا، وتجَّلت بركة ذلك المكان في جانبين مهمين هما:
1- عودة الحياة للحوت -عند تلك النقطة- أو على الأقل، عودة الحوت لرحمه/ موطنه الأول (البحر).
وقد ذكر بعض المتدبرين في كتاب الله -عز وجل- إن استخدام موسى عليه السلام لمفردة (غداءنا)، تُعَدُ دليلًا على أنَّ الحوت الذي بحوزتهما، كان جاهزًا للأكل، ومن يدري فلعله كان مطبوخًا أو مشويًا، ثمَّ إنَّ عبارة (اتخذ سبيله)، تشي بنوعٍ من الحياة، بينما مفردة (عجبًا) التي اعقبتها تدل على حدثٍ مثيرٍ وعجيبٍ، وربَّما خارقٍ للمألوف.
2- عثور موسى عليه السلام بعد عودته إلى تلك المنطقة على بغيته -العبد الصالح: الخضر عليه السلام- هناك. وكون ذلك الرجل صالحًا، وأتاه الله رحمةً وعلمًا، فالأمر ينبئ عن بركةٍ، وطاقةٍ عظيمةٍ أُودِعَتْ في تلك البقعة المكانية من قبل ربِّ العالمين.
{فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}، ولعلَّ تواجده في ذلك المكان تلك اللحظة يعضد ما ذكرت، وربما كان ذلك المكان قريبًا من الجبل الذي تجلَّى فيه الرُّب عزَّ وجلَّ لموسى عليه السلام، عندما سأله موسى النظر إليه، وربَّما كانت بركةُ وطاقةُ ذلك المكان مستمدةُ من النور الإلهي العظيم الذي رافق تجلِّيه عزَّ وجلَّ.
وقد يكون (مجمع البحرين) عند أو قريبًا من الطور، أو الوادي المقدس (طوى)، قال تعالى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)} [سورة طه]، وأيًّا كان، وحيثما كان فهو مكانٌ مباركٌ.
وبما أن موضوع سورة الكهف الرئيس هو (التوحيد)، أَجِدُ أنَّه من المناسب هنا الإشارة إلى أنَّ الدين الإسلامي الحنيف ينهى ويحذر من تقديس أيِّ مكانٍ أو التبرك به، مالم يرد نصٌ بذلك. و(مجمع البحرين) سواءً عُرِفَ مكانه على وجه الدقة أو لم يعرف، لم يرد أيُّ نصٍ في تقديسه أو التبرك به.
نقطةٌ أخرى تستوقف المتأمل هنا أيضًا وهي فطنة سيدنا موسى عليه السلام ونباهته في التقاط الإشارة الربانية من ذلك الحدث، فبمجرد أن أخبره فتاه بقصة الحوت، حتى قال: (ذلك ما كنا نبغِ)، لأنه عرف -والله أعلم- أنَّ مكانًا يقع فيه حدثٌ كهذا، هو مكانٌ غير عادي، وطالما أنَّ (العبد الصالح: الخضر) رجلٌ غير عادي، فمن المرجح أن يلتقي به عند تلك البقعة، هذا ما لم يكن قد أوحي إليه بذلك من لدن رب العالمين. الآيات الكريمة لم تشر لشيءٍ من ذلك، ولكن هناك أحاديث نبوية تذكر ذلك.
ولعلنا نستأنس هنا بالتقاطةٍ سابقةٍ ولافتةٍ لموسى عليه السلام، حيث توقف عند الفتاتين (ابنتي شعيب عليه السلام) في بعض الروايات، عندما وجدهما تذودان، ولا تسقيان غنمهما… إلخ القصة.
فكم من شخصٍ مرَّ عليهما هناك قبل موسى، ولم يسترعه الأمر؟
وعندما التقط سيدنا موسى الإشارة هناك، كافأه الله تعالى بأن منحه فرصة اللقاء برجلٍ مميزٍ قيل أنَّه: نبي الله شعيب، وطمأنه من النجاة من القوم الظالمين، ووجد عنده زوجًا له، وعملًا يقتات منه.
أما عندما التقط الإشارة عند (مجمع البحرين)، فكافأه المعطي الكريم بالعثور على من يبحث عنه، العبد الصالح، ليتعلم منه دروسًا مباشرةً وغير مباشرةٍ.
وهناك التقاطة بديعةٌ منه عليه السلام عندما أنس/ أحس/ أبصر النار، حيث نال شرف تكليم الله عز وجل له.
تَعْرِضُ لكلِّ إنسانٍ منا يوميًا أكثر من إشارةٍ، وقلةٌ هم الذين يلتقطونها، ويفهموا الرسالة/ الرسائل المرادة منها. وأحسب أنَّ الفراسة والفطنة، وبعض جوانب تتعلق بالاستخارة تتداخل وتتقاطع مع منحة وموهبة التقاط الإشارة.
إن التقاط الإشارة، والحس العالي مزيةٌ لا تتأتى لكلِّ إنسانٍ، ومن يؤتها فقد أوتي خيرًا كثيرًا.
——————————————————————–
(*) من كتابي (من وحي سورة الكهف … تأملات ورؤى).
بقلم الأديب والباحث والمترجم/ خلف بن سرحان القرشي
#خلف_سرحان_القرشي
السعودية – الطائف – ص. ب 2503 الرمز البريدي 21944
ايميل: [email protected]
تويتر qkhalaf@
نعم هناك اشارات من الله وقليل من يلتقطها..دمتم كاتبنا الكبير بخير وفير
وهذه الاشارات هبه ربانيه قد تحدث لأشخاص عاديين لكن متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله فتجد عنده شعور بشيء ما مايلبث وتكون حقيقه .. قراءة رائعه من كاتبنا وتأمل للقارئ في سورة الكهف وما فيها من المخزون المعرفي والإثرائي وربطها بالعقيدة السليمه
ما يبميز هذه الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}. [سورة الكهف]، هو أنها جمعت المبارك بالمبارك والطيب بالطيب، فالمكان طيب ومبارك والزمان طيب ومبارك، والشخوص أيضا طيبة ومباركة، (نبي مرسل هو موسى عليه الصلاة والسلام، وعبد صالح هعو الخضر عليه السلام أتاه الله رحمته وعلمه العلم).. أشكرك الشكر الجزيل
بوركت وبوركت أناملك.. تسلم
بارك الله فيك يا أبا سليمان.. مقالة ممتازة.. تسلم
تسلم يا أبا سعد.. مقالة جيدة ومفيدة..
سلمت يداك أبا سعد.
تأملات غاية في الجمال، ودلالات عميقة.
ولذلك أمرنا عز وجل بالتأمل في سير الأولين وقص القصص لنأخذ العظة والعبرة ونسقطها على واقعنا المعيش.
أحسنت أستاذ خلف.
دائمًا تتحفنا بالجديد والمفيد أستاذ خلف.
ممتاز، أفكار مترابط وجمل منسابة بسلاسة.
جميل جدًّا.
بارك الله فيكم وفي إبداعكم المستمر.
صدقت أستاذنا، قليلون هم من يفهمون الإشارات الربانية التي يرسلها لنا كل يوم ويلتقطونها، وإنها لموهبة عظيمة وخير واسع.
سورة الكهف سورة مليئة بالقصص والعبر المستفادة، والمتأمل لها يجدها تنساب على حياته دونما إرادة منه.
اختيار موفق، ربما كنت أحتاج هذا المقال في هذه اللحظة، فشكرًا لك أستاذ خلف.
وفقكم الله لكل خير وبارك في قلمكم.
لعلنا نقف برهة لنراجع رسائل يومنا التي تتداخل مع الاستخارات والاستشارات.
رائع جدا.
كلام سليم.
شيء جميل ورايع
مبروك البحرين علي الصرح الكبير
بارك الله فيك
بارك الله فيكم
مقال اكثر من رائع ومميز جدا
ما اروع واجمل هذا المقال حقا
الي الامام دائما
شيء رائع وقمه في الابداع
سبحان الله القران كله اعجاز لمن يتفكر
مقال ممتاز
في كل سورة من القران نجد اعجاز علمي
ما شاء الله على الجمال والروعه
سلمت يداك
بالتوفيق استاذي
ما شاء الله
بارك الله لك
جهد عظيم
موضوع رائع
ممتاز
مقاله جيده
جهد مشكور
أشكرك الشكر الجزيل يا أبا سعد.. مقالة مفيدة
أكرمك الله كما أطكرمتنا بهذا المقال الجيد.. تسلم
بارك الله فيك وفي ما تكتب يا أبا سعد
ابدعت استاذي
جميل جدا
احسنت
كتبت كل جميل
بوركت دائما
موضوع مهم جدا
شكرا استاذي علي هذا المقال
موضوع شيق جدا
مبدع دائما
مقاله تستحق القراءه
شئ جيد للغايه
من نجاح الي نجاح
موضوع جذاب للقراء
رائع جدا
أحسنت يا أبا سعد في اختيار الموضوع.. تسلم
موضوع في غاية الروعه
احسنت يا استاذ خلف
كلام مؤثر
بالتوفيق ان شاء الله
دائما في ابداع
لابد اخذ الموعظه من قصص الانبياء
دائما تاتي بالجديد
شكرا استاذي علي هذه المقاله
الشكر لصحيفة هتون بالتوفيق ان شاء الله
شئ جيد للغاية
سلمت يداك بالتوفيق ان شاء الله
جيد جدا بالتوفيق ان شاء الله
جهد مشكور
بارك الله فيك
جزاكم الله خيرا
مقال مميز
موضوع قيم جدا بالتوفيق
موضوع يستحق القراءة
جيد للغاية
احسنت بالتوفيق ان شاء الله
الشكر لهذه الصحيفه
جزاك الله خيرا
جميل جدا