إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

الكبش السمين يعثو فسادًا !.

لم يطأ الكبش السمين أرضًا إلّا وقد ملأها ظلمًا وجورًا، يسفك حيث استخبأ السفك، ويتبجّح متى استقوى، ويفرّق أينما حانت له الفرصة، ويبطش كلّما لاحت له الغفلة، والعجب العجب أن تجد له منّا مؤيدًا حيث ختل، ينطح بقرنيه الذي يتمثّل في الإعلام الموبوء، بوسائله المُشاهَد والمسموع والمقروء، وكأن الحقّ معه في اغتصاب أرض، واقتلاع مدن، وتهجير بشر، وتهديم وتهديد، وتخريب وتغريب، أمّا من ينازع بالذود عن أرضه ويدافع، ويقف كالجبل الشامخ ويصارع فهو الأرهابي الخوّان !.، قال محمود سامي البارودي في مثل هذا :
فَهَلْ دِفَاعِي عَنْ دِيني وَعَـنْ وَطَنِي
… ذَنْــبٌ أُدَانُ بِــهِ ظُــــلْمَـاً وَأَغْـــتَـرِبُ
ومَا أُبَــالِي ونَــفْسِي غَــيْرُ خاطِئَةٍ
… إِذا تَــخَــرَّصَ أَقْـــوامٌ وَإِنْ كَـذَبُــوا
هـا إِنَّــها فِــرْيَــةٌ قَــدْ كــانَ باءَ بِها
… في ثَوْبِ يُوسُفَ مِنْ قَبْلِي دَمٌ كَذِبُ

أصبح لهذا الكبش بعد سنين من المقاومة والكفاح من يثغي لثُغائه، ويشفق على حاله، لكنه الذئب بجلد الشاة، يشحذ مخالبه، ويسنّ أنيابه، فتراه يفري الرقاب، ويبقر البطون، ويستحلّ الدماء، لأنّ الكلاب باتت له عونًا، وتحت ناظريه قطيعًا، أمّا الراعي فيكفي في وصفه قول الشاعر السوري الكبير عمر أبو ريشه :
لا يلامُ الذئبُ في عدوانهِ
… إن يكُ الراعي عدوَّ الغنمِ

هكذا عرفنا الكبش بل الكِبَاش وعرفهم التأريخ، مهنتهم بين البشر إيقاد نار الحرب لا مواجهتها ، بالخبث والمظاهرة، والغدر والمؤامرة، قال ﷻ عنهم: ﴿ كُلَّمَاۤ أَوۡقَدُوا۟ نَارࣰا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا الله وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادࣰا والله لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ ﴾، فهم أقلّ شأنًا في وغى، وأقذر نفسًا في الورى، وأخوف جندًا في الردى، وأجوف فكرًا في الرؤى، وأكثر اختلافًا في هوى، قال ﷻ : ﴿ لَا یُقَـٰتِلُونَكُمۡ جَمِیعًا إِلَّا فِی قُرىً مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَاۤءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَیۡنَهُمۡ شَدِید تَحۡسَبُهُمۡ جَمِیعًا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَ ٰ⁠لِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٌ لَّا یَعۡقِلُونَ ﴾.

لا شكّ أيها القارئ الكريم أنّك عرفتهم بوصف ربّنا، فهم كما تعلم أشدّ لأهل الإسلام كراهيةً وأذى قال ﷻ : ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَ ٰ⁠وَةً لِّلَّذِینَ آمَنُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۖ ﴾، إنّهم اليهود الذين لن يجدوا في تاريخهم أكثر حماية ودعمًا إلّا في ظلّ المسلمين إبّان حضارتنا في الأندلس، فقد عاشوا معهم وتكلّموا لغتهم وتمنّعوا وتمتّعوا حتى بثقة حكّامها، يقول مارك كوهين، أستاذ دراسات الشرق الأدنى والتاريخ اليهودي في جامعة برنستن في الولايات المتحدة الأميركية. مع تحفّظي لبعض قوله : ( إذا انتهى يومًا ما الصراع بين العرب واليهود بصورة تامة، عندئذ سيُصْبِحَ ممكناً رؤية الماضي مرة أخرى، ليس بالطبع كتعايش طوباوي بين الدينين، ولكن كزمن عاش فيه اليهود مغروسين في مجتمع إسلامي في تعايش خلاّق مشتركين في أمور كثيرة ومتحررين إلى درجة كبيرة من البغضاء ومعاداة السامية التي عانى منها إخوانهم في الأراضي المسيحية ).

واليهود قبل الفتح الإسلامي كانوا يعانون من الاضطهاد أيام حكم القوط الروماني في أسبانيا والبرتغال، فلّما أشرق نور الإسلام فيها استبشروا خيرًا، فكان الخير لهم بالتعايش، فهم أهل ذمّة، ولكن لا وفاء لهم، غدروا بالمسلمين بعد أن تمكّنوا، وكان قربهم من المناصب المؤثّرة قد أغراهم بالظلم والبطش حتى سقطت بعض الدول بأيديهم، تحت تأثير سلاحهم الممنهج وهو الخيانة، فلا عجب إن قرأنا كذلك عن دور يهود الأندلس في سقوط العثمانيين واتخاذهم لفلسطين مقرًّا لهم في تعاون مشترك وعدت به أوروبا الحديثة، فالتأريخ يعيد نفسه !. فأقول :
ألا إنّ في التاريخ بُغيةَ سائلٍ
… ومنـبرَ وعظٍ، فالخطيبُ الحوادث !.

وقد كان لشاعر الزهد والحكمة أبي إسحاق الإلبيري ( أبي العتاهية الأندلس إن جازت التسمية ) دورٌ في الثورة على اليهود العابثين بحقوق المسلمين في الأندلس، فقد سلّم ابن باديس الحاكم الغرناطي أمور الدولة لوزيره يوسف بن إسماعيل بن النغريلة اليهودي، إذ تجرأ يوسف على النهب والطغيان والظلم والاستبداد، فتظاهر الناس عليه، فكانت قصيدة شاعرنا تحكي واقعة وتزجر قارعة، حتى تمّ نفيه، لكن الحقيقة المؤلمة أنّ الدولة سقطت بعد حين، فممّا قاله الشاعر أبو إسحاق محرّضًا الحاكم في الحذر من الوزير اليهودي بل وقتله :
تَــخَــيَّــرَ كـــاتِــــبُـــهُ كـــافِــراً
… وَلَو شاءَ كانَ مِنَ الـمُـسـلِـمين
فَــعَزَّ اليَهــــودُ بِــهِ وَاِنــتَخَـــوا
… وَتَاهـوا وَكــانـوا مِنَ الأَرذَلـيـن
وَنالوا مُناهُــم وَجازوا الــمَدى
… فَحــانَ الهَلاكُ وَما يَشــعُـرون
فَكَــم مُــسلِــمٍ فــاضِـلٍ قــانِـتٍ
… لِأَرذَلِ قِـردٍ مِــــنَ الـمُشـــرِكين
إلى أن قال :
فَقَد ضَجَّتِ الأَرضُ مِن فِـسقِـهِم
… وَكـادَت تَـمـيدُ بِـنـا أَجـمَـعـيـن
تَــأَمَّل بِــعَـــيـنَيــكَ أَقــطـــارَهـا
… تَجِــدهُم كِــلاباً بِهـا خـاسِئـين
ثمّ قال :
وَرَخَّــــــــمَ قِــــردُهُــــــــم دارَهُ
… وَأَجـرى إِلَيها نَمــيرَ الـعُـــيـون
فَصارَت حَـــوائِجُـــنا عِــــنــدَهُ
… وَنَحنُ عَلى بــابِــهِ قــائِــمـــون
ويسْــخــر مِــنّـا وَمِــن ديــنِـنـا
… فَــإِنّــا إِلى رَبِّــنـا راجِـــعــــون
وَلَــو قُــــلــتَ فــي مـــالِــهِ إِنَّــهُ
… كَمالِكَ كُــنـتَ مِـنَ الصـادِقــيـن
فَـبـــادِر إِلى ذَبــحِـــهِ قُـــربَــــةً
… وَضَـحِّ بِــهِ فَهُوَ ( كَبشٌ سَمين )
ثمّ ختم شعره بقوله :
وَلا تَـرفَعِ الضَـغطَ عَـن رَهــطِـهِ
… فَـقَـد كَـنَــزوا كُــلَّ عِــلقٍ ثَمـين
وَفَـــرِّق عِــداهُــم وَخُـــذ مـالَهُم
… فَأَنــتَ أَحَـــقُّ بِــما يَجـمَــعون
وَلا تَــحسِــبَن قَــتــلَـهُـم غَـــدرَةً
… بَل الغَــدرُ في تَركِهِـم يَعـبَثون
وَقَد نَكَثـــوا عَهـــدَنـا عِـــندَهُم
… فَكَــيفَ تُـــلامُ عَـلى الناكِـــثين
وَكَـيـــفَ تَــكــــونُ لَــهُـــم ذِمَّــةٌ
… وَنَحنُ خُمــــولٌ وَهُـم ظاهِرون
وَنَحـــنُ الأَذِلَّـــةُ مِــــن بَـيــنِـهِم
… كَــأَنّـا أَسَــأنا وَهُــم مُحسِنون
فَلا تَــرضَ فــيــنا بِـأَفـــعالِــهِم
… فَأَنـــتَ رَهـيـنٌ بِــما يَــفـعَـلون
وَراقِـــب إِلَــهَــــكَ فــي حِــزبِــهِ
… فَحِــزبُ الإِلَــهِ هُـــمُ الغالِــبون

ــ فاصلة منقوطة ؛
إنّ اليهودَ هم الفسادُ ولم يزل
… من يشتري غدرًا يُعيّرُ باليهودْ
———————————————

بقلم الأستاذ /
إبراهيم الوابل – أبو سليمان
‏ibrahim7370@
الاثنين – الموافق
١١ – ١٢ – ١٤٤٠هـ
١٢ – ٨ – ٢٠١٩م

مقالات ذات صلة

‫12 تعليقات

  1. صحيح أخي أبا سليمان تاريخنا العربي الإسلامي الأنظف في تاريخ البشرية، رغم تعرضه للتشويه والتبديل والتغيير، واليهود لم يعاملوا في تاريخهم معاملة حضارية عادلة وحقوقية إلا في عهد هذا التاريخ توفرت لهم كل أشكال وأنواع الحماية حتى يعيشوا في أمن وأمان وطمأنينة.. أشكرك الشكر الجزيل

  2. لم يطأ الكبش السمين أرضًا إلّا وقد ملأها ظلمًا وجورًا، يسفك حيث استخبأ السفك، ويتبجّح متى استقوى، ويفرّق أينما حانت له الفرصة،

  3. ويبطش كلّما لاحت له الغفلة، والعجب العجب أن تجد له منّا مؤيدًا حيث ختل، ينطح بقرنيه الذي يتمثّل في الإعلام الموبوء

  4. بوسائله المُشاهَد والمسموع والمقروء، وكأن الحقّ معه في اغتصاب أرض، واقتلاع مدن، وتهجير بشر

  5. تخريب وتغريب، أمّا من ينازع بالذود عن أرضه ويدافع، ويقف كالجبل الشامخ ويصارع فهو الأرهابي الخوّان

  6. هكذا عرفنا الكبش بل الكِبَاش وعرفهم التأريخ، مهنتهم بين البشر إيقاد نار الحرب لا مواجهتها ، بالخبث والمظاهرة، والغدر والمؤامرة

  7. نّهم اليهود الذين لن يجدوا في تاريخهم أكثر حماية ودعمًا إلّا في ظلّ المسلمين إبّان حضارتنا في الأندلس،

  8. وكان قربهم من المناصب المؤثّرة قد أغراهم بالظلم والبطش حتى سقطت بعض الدول بأيديهم، تحت تأثير سلاحهم الممنهج وهو الخيانة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88