أخبار حصرية

صيف طلبة جامعة “بسكرة” لم يكن هادئا هذا العام

تعوّد طلبة جامعة بسكرة ككلّ عام،على أن ينتهي الموسم الجامعي بالنّسبة لهم في ظروف من حسنة إلى جيّدة،ليهنأ الجميع بعدها بعطلة صيفيّة،يصرفون أيامها و لياليها فيما حُرموا منه قبلها،وما أجبروا على فعله من أجل أن يكون لهم موطئ قدم مشرّف في الدّخول الجامعي القادم،إلاّ أن ما حصل هذا العام،كان بمثابة الصدمة للعديد،سواء أولئك القاطنين بالولاية أو المجاورين لتخومها،وهم يُستقبلون مجدّدا في إقامتهم و مدرّجاتهم،بعد انقطاع عن الدّراسة وهجر لمقاعد العلم لمدّة تقارب أربعة أشهر،وهي مدّة كافية لجعلهم غير مستعدين لاستئناف الدّراسة العالقة،أو تحقيق نجاح باهر ،خاصة وقد تغيّرت الظّروف جذريا،وباتوا يحصّلون العلم تحت درجة حرارة لا تقلّ عن الخمسين درجة تحت الظلّ،بعدما كان الجوّ لصالحهم .

هتون/ طارق ثابت

خٌدِعنا من طرف من كنّا نثق في تمثيلهم لنا
كلمات مؤثّرة أطلقتها الطالبة ” هاجر “وهي تتجرّع مرارة خيبتها و أساها،متحسّرة باكية على ما فرّطت فيه،لتجد نفسها مضطرّة لتعيش جحيم الاقامة الجامعيّة،تحت سقف غرفة،يكاد ينقطع الأكسجين منها،التقفتها ” الحدث الجزائري” من بين جموع الطلبة بتأثّرٍ شديد،وهي توثّق لواقع مرير يعيشه الطالب الجامعي في ولاية بسكرة،تسبّب لهم فيه طلبة آخرون،كانت رؤيتهم جدّ ضيّقة و أنانيّة،لنشقّ طريقنا ناحية معاناتها،وهي القادمة من مكان يبعد على بسكرة،بـأزيد من مأتي كيلومتر،أين تحوّلت من طالبة علم و نجاح،إلى طالبة للحياة،والظمأ يحاصرها من كلّ جانب،وسط ظروف يشبه ليلها نهارها،وكأن الشّمس لا تنزوي إلى المغيب في هذه المدينة .

بدايتي مع ” المغرّر بهم من الطلبة ” كانت عندما التقيت بالصّدفة مع ” هاجر” طالبة سنة ثانية ليسانس في أحد الممرّات الجامعيّة،تبحث عن قطرة ماء باردة تسدّ بها رمقها،حاملة في يدها حقيبتها السّوداء،التي وعلى ما يبدو أنها هي الأخرى تتعرّض للذوبان،بينما “هاجر”تكاد يغمى عليها،ما جعل فضولي الصحفي يقفز من داخلي لمعرفة ماذا يحصل بالضّبط،والاستماع لروايتها حول الظروف المرهقة الشّاقة،التي تكابدها رفقة كثيرات في شهر جوان الذي تجاوز منتصفه،ونحن على مشارف شهر جويلية الذي قد يُمنع فيه السّير أصلا،ما بالك بطلب العلم .

أحاديثها كانت أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع،من فرط هول المعاناة التي استقبلتها طَبْلةُ أذني يومذاك،هذه الظروف التي تسبّب فيها طلبة آخرون،اجتهدوا من أجل تصدّر المشهد واستغلال الحَراك الشّعبي بحجّة الوطنيّة،وراحوا يمنعون الطلبة المجدّين من مزاولة دراستهم،أيّام كانت الظروف المناخية تسمح بذلك،ويصفون كلّ من يحاول ولوج القسم أو المدرّج بأبشع النعوت و الصّفات ( خائن،قومي..الخ ) للّعب و التّأثير على نفسيتهم،و إلحاقهم بركب الطلبة الفاشلين،الذين لم يحقّقوا المأمول طوال سنوات دراستهم،و اقترب موعد خروجهم من الباب الكبير للجامعة بخفّي حُنيْن كما دخلوه أوّل مرّة،وهاهم يسعون جاهدين لغلق الطّريق أمام من اتهموهم بخيانة الوطن،وذنبهم الوحيد أنّهم أرادوا خدمته بالاعتكاف على طلب العلم،بدلا من غلق أبواب الجامعة،و الامتناع عن مزاولة الدّراسة في سابقة من نوعها،وهو دأب المخلصين المجدّين .

رحلة الذّهاب مضمونة و الإياب في حكم الجيب
بعد أخذ وردٍّ لأزيد من ساعة،استفسرت عن سعر التنقّل وكم تلبث “هاجر”هنا في مقرّ إقامتها الطلاّبي،وهل يكفيها المبلغ لتسدّ به جميع احتياجاتها،كطالبة جامعيّة معرّضة لأيّ خطر،فجاءت إجابتها دالّة على مدى الغبن الشّديد الذي تكابده،من أجل الوصول فقط إلى مقرّ إقامتها،خاصة في هذه الآونة التي شهدت اضطرابات واسعة،بين من يؤكّد على استمرار الدّراسة ومن ينفي ذلك ،ما أوقع ” هاجر ” وكثيرا من الطّالبات في حيرة،حتّمت عليهنّ الظروف أن يكثِّفن من تنقّلهنّ لاستطلاع الوضع،و الوقوف على آخر المستجدّات،ما ترك الأهل في حيرة ،و أزمة اقتصاديّة جرّاء السّفر المتكرّر وغير الممنهج،الوضع الذي كان السبب فيه بعض من الطلبة راكبي الأمواج السياسيّة،ومن يعتبرون أنفسهم ممثلين عنهم ومتحدّثين باسمهم،وفي الحقيقة ما هم إلاّ قليلو نضج ،عديمو رؤية و ضمير .
وبين سفرة و أخرى تجد ” هاجر ” نفسها قد أنفقت ضعف ما كانت تملك من مال،وهي البسيطة التي لا حول لها ولا قوّة،والتي تضطرّ في بعض الأحيان إلى الاستدانة من أجل العودة إلى ذويها،بعد أن يكون اليأس قد أخذ منها مأخذه،وهي تشاهد بأمّ عينها كيف يتفنّن دعاة الفتنة في قيادة المشهد داخل الحرم الجامعيّ،بشعارات معادية للعلم و للمنظومة بحدّ ذاتها ( شهادة العفن ) ( شهادة بلومبي خير من شهادة جامعية) وهم أوّل من يركض خلف هذه الشّهادة التي نعتوها بشهادة العفن،كلّ هذا يعكس وجهة نظر واحدة أنهم مأجورين مندسّين،بغرض إثارة البلبلة في أوساط الطلبة،وضرب بعضهم ببعض،متراشقين تهمة الخيانة التي أضحت أكثر التّهم جاهزيّة .

الإغماء قاب قوسين أو أدنى
و لأن الصّورة أبلغ من ألف كلمة،فإنّ كلّ متر من الطٍّريق،وكلّ مكانِ ظلٍّ توفّره شجرة أو حجرة أو بناية شبه شاهقة،ستظلّ قرائن شاهدة على أنّ “هاجر ” حُمِّلت مالا تطيق،وقد نجد جثّتها مرميّة في أحد الأماكن لا سمح الله،وهي تصارع حرارة الشّمس اللّاذعة بوضع حقيبتها فوق رأسها،كحلٍّ أخير يقيها من حالة إغماء هي في غنى عنها ،وهي تجرّ قدميها لحضور محاضرة أو درس تطبيقي أو إلقاء بحث أو إجراء اختبار رسمي،كان من المفترض أن تكون أجرته قبل شهر على الأقل .

قصّة مؤلمة مع ماء الشّرب
لم أكن أعلم أنه سيأتي يوم من الأيّام،أجد فيه الطّالب الجامعيّ يسابق الخطى للظّفر بجرعة ماء باردة،فرارا بالنّفس من الموت عطشا،وحتّى لو كانت الاقامة الجامعيّة توفّر حنفيّة للمياه الباردة،فسرعان ما تتحوّل إلى ساخنة وهي داخل قارورات بلاستيكيّة،بعيدة عن الثلاّجات،اين يضطرّ الطلبة دون استثناء إلى معاودة ملئها إن ساعفهم الحظ في إيجاد مياه باردة مرّة ثانية،أو الاضطرار إلى شراء ما يكفيهم لبضع دقائق من المحلّات المجاورة أو النّادي التّابع للإقامة،بينما كشفت لنا “هاجر ” عن طريقة تقليديّة تساعدهم بعض الشيء في الحفاظ على برودة قارورات الماء،والمتمثلة في تغليفها بقطعة قماش مبتلّة،لتبقى محافظة على بعض من درجات البرودة،وهو المشهد الذي وصفته بأنه أشبه بالعيش داخل ثكنة عسكريّة،بدل التفكير المطلق في التّحصيل العلمي الجيّد ـ وهذا هو المطلوب ـ يظلّ التفكير منحصرا و مقتصرا على كيفية المحافظة على برودة الماء داخل الغرفة .

صراع طاحن مع البعوض للظّفر بساعة نوم هادئة
القصص التي يرويها الطلبة الجامعيّون لا سيما المقيمين منهم،يكاد العقل لا يصدّقها،وتجعلك بشكل تلقائي انفعالي،تمقت من كان السّبب وراء تدهور أوضاع الدّراسة في الجامعة هذا العام،بعيدا عن الوضع السّياسي العام الذي تمرّ به البلاد،”نعم” للوعي السياسي،”لا” لتسييس الجامعة،وقد أثبت كلّ من كان يحاول إدخال الطّالب الجامعيّ في معترك لا يفقه فيه شيء،و إبعاده عن بيئته الحقيقيّة،تنفيذا لأجندة معيّنة،أثبت مدى غبائه و قلّة حلمه و علمه،وأنّ التّاريخ سيذكره بسوء دائما،وهذه الأسطر ستظلّ شاهدة .
وهنا تحكي”هاجر ” قصّة معاناتها حتى وهي تنشد بعض الرّاحة،وتطلب ساعة نوم هادئة،خاصة وأنّ منطقة بسكرة معروفة بالبعوض الشّرس،أين يضطرّهم الوضع إلى صراع طاحن معه،لساعات متأخّرة من الّيل ،ليجد الطّالب نفسه منهكا وهو يستفيق مبكّرا بعد قضاء ليلة سوداء تخلّلتها هجمات البعوض المستمرّة والمسمومة .

التسمّم الغذائي وجه آخر من المعاناة
ولأن حرارة الجوّ جدّ عالية،والطّالب الجامعي يعدّ أضعف الحلقات في المعادلة،فهو معرّض إلى زاوية أخرى من المعاناة والغبن،متمثّلة في حالات التسمّم التي وإن كانت ناذرة،إلّا أنها تظلّ حاضرة بالحسبان،فالأكل لا يتحمّل البقاء طويلا بعيدا عن الظّروف الصحيّة الواجب توفّرها خاصة في فصل الصّيف،وهذا ما كشفه لنا كثير من الطّلبة،وما تمّ تداوله من طرفهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن تسمم حوالي اثني عشر طالبا،قبل يومين في أحد الإقامات الجامعيّة للذّكور ،و حتى إن كانت أسباب حالات التسمم هذه غير واضحة،إلاّ أن عامل الجوّ و الظّروف المحيطة بالطّالب من كلّ جانب زادت الطّين بلّة،وجعلتهم ناقمين على الدّاعين إلى الإضرابات و المتسبّبين في حالتهم هذه،بينما من كانوا السّبب،يتمتّعون بحياة جامعيّة أفضل بكثير وهم في كنف عائلاتهم،بعيدين كلّ البعد عن أيّ ضغط،وإن كان حضورهم للجامعة أو الإقامة من حقّهم،فليس مواساةً للبسطاء من طلبة العلم الذين يدفعون فاتورة تهوّر و غباء فئة قليلة،بل لدرء التهم عن أنفسهم وتغطية الشّمس بالغربال .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88