إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

عن تجربة (صائب عريقات) في الاقتراب من الموت!

مع مطلع هذا الأسبوع تداول الناس على وسائل التواصل الاجتماعي وبالأخص (الواتس آب) مقطع فديو يتحدث فيه البروفيسور (صائب عريقات)، كبير المفاوضين الفلسطينيين عن تجربة غريبة وعجيبة مرَّ بها بعد توقف قلبه أثناء إجراء عملية جراحية له.
وهذا رابط للمقطع، وأفضل أن يشاهده القارئ الكريم، إن لم يسبق له مشاهدته، قبل إتمام قراءة المقال:

حديثي اليوم معكم أعزائي القراء من وحي هذا المقطع، الذي تفاوتت حول محتواه الآراء، واختلفت كثيرًا، وتداخل فيها الشخصي مع السياسي، والعلمي مع الأيديولوجي.

إنَّ تجربة (الاقتراب من الموت) التي مرَّ بها الشخص -رغم غرابتها- إلا إنَّها معروفة، وشغلت المهتمين بالعلوم الروحية والعلوم الميتافيزيقية منذ عدة عقودٍ. وموسوعة (ويكيبيديا) على النت تعرف هذه الظاهرة/ الحالة بالتالي: (تجربة الاقتراب من الموت، بالإنجليزية «Near death experience»، هي ظاهرة غير طبيعية نادرة الحدوث، تتلخص ماهيتها في أنَّ البعض ممن تعرضوا لحوادث كادت تودي بحياتهم قد مرّوا بأحداث وأماكن مختلفة منهم من وصفها بالطيبة والجميلة، ومنهم من وصفها بالشر والعذاب، ومن أكثر التشابهات التي رويت في تلك الحوادث مرور الشخص بنفق إمَّا أبيض أو مظلمٍ حتى يصل إلى نورٍ أبيض. لا يوجد تفسيرٌ علميٌ للظاهرة ولكن بعض العلماء حاول تفسيرها على أنَّ العقل الباطن هو من يفتعل تلك الأحداث وتلك الأماكن لتسهيل عملية الموت).

وتضيف الموسوعة: (ما يحدث في النمط التقليدي لتجارب الاقتراب من الموت، بعملية خروجٍ للجسد الأثيري من الجسم الفيزيائي، بعد ذلك تبدأ عملية اجتياز لنفقٍ مظلمٍ في نهايته نورٌ ساطعٌ، ويخّيل لصاحبه أنَّه في الجنَّة، حيث يلتقي بأحبائه من الموتى؛ فيرغب في البقاء كارهاً العودة إلى جسمه المادي، لكنه يسمع صوتاً ما؛ أو يخبره أحد أحبائه الموتى أنَّ عليه العودة؛ وأنَّ ساعته لم تحن بعد، أو لا يزال هناك الكثير من المهام التي يجب عليه القيام بها).

وهناك مؤسسة عالمية ذات صبغة تطوعية لها موقع شهير على النت وهذا رابطه:

https://www.nderf.org/Arabic/index.htm

ويقدم الموقع مواده المختلفة بعددٍ كبيرٍ من اللغات، ويضم كتبًا وأبحاثًا ومقاطع فيديو، وصورًا، … وغير ذلك. وهذه المؤسسة تعنى برصد تجارب وحالات (الاقتراب من الموت)، على مستوى أنحاء العالم، وتقوم بتوثيقها، وفي أرشيفها حتى الآن أكثر من أربعة آلاف حالةٍ لأناس من بلدانٍ وأعمارٍ وأديانٍ مختلفةٍ، ورغم ذلك فهناك جوانب تشابه مدهشةٍ ولافتةٍ فيما أدلوا بها من شهادات.

وللعلم فهذه الظاهرة تتعرض للإنكار من قبل البعض، وتفسر على أنَّها أنواع من الهلاوس والتهيؤات من اللاوعي. كما أنَّ بعض علماء الدين من ديانات مختلفة يرى فيها تعارضًا بين نصوصٍ دينيةٍ مرجعيةٍ تتعلق بخروج الروح من الجسد، وما يلي ذلك من أحداث يواجهها الميت حديثًا، روحًا وجسدًا.

وما أريد أن أقوله بعد هذا التعريف والتمهيد هو التذكير بأّنَّ الإنسان ما أوتي من العلم إلا قليلًا، خصوصًا في القضايا المتعلقة بالروح، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء 85].

وبما أنَّ الحالة هذه، فلا ينبغي للإنسان العاقل الحكيم الاستعجال في الحكم على مثل هذه المشاهدات والتجارب قبولًا أو رفضًا، مصادرًة أو اقتناعًا، كما انَّه لا ينبغي مصادرة جهود علماء وباحثين ومتطوعين يعملون منذ عقود بجرَّة قلم، أو بِردٍ متسرعٍ في تغريدةٍ أو تعليقٍ. ويجب أيضًا على علماء الدين أن يعلموا ويتعلموا، يقرأوا ويبحثوا عما كُتب ويُكتب عن هذه التجارب بعقلياتٍ متجردةٍ من أي أحكامٍ مسبقةٍ، وبعد التشبع المعرفي، يعرضوها على نصوص الدين في كتابه القويم (القرآن الكريم)، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة، ويصدروا آراءهم حولها مبنيةً على الفقه والعلم.

إنَّ الاختلاف السياسي والأيديولوجي والعقدي مع صاحب التجربة في المقطع، الدكتور (صائب عريقات)، ليس مبررًا للدخول في نيته، ومصادرة ما قاله واتهامه بالكذب والتزلف، والعكس صحيحٌ. المسلم الحق مطالبٌ بإعمال العقل والتدبر، وتفعيل ملكة التفكر والتفكير فيما يعرض له من أمورٍ وقضايا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة 8].

لفت نظري في حديث (صائب عريقات) قوله أنَّه أثناء تجربته رأى أناسًا لم يعرفهم أسدى لهم معروفًا ذات يوم يشيرون إليه. تذكرت هنا قوله تعالى: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون 10]

لماذا يختار الميت الصدقة لو رجع للدنيا؟
لماذا لم يقل: “لأعتمر، أو لأصلي، أو لأصوم”؟

قال بعض أهل العلم: “ما ذكر الميت الصدقة إلا لعظيم ما رأى من أثرها بعد موته؛ فأكثروا من الصدقة، فإن المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته، وتصدقوا عن موتاكم؛ فإن موتاكم يتمنون الرجوع للدنيا؛ ليتصدقوا ويعملوا صالحًا، فحققوا لهم أمنيتهم، وعودوا أبناءكم عليها”.

ونلحظ أيضًا أن من رآهم (صائب عريقات) في تجربته هم ممن أسدى لهم معروفًا/ إحسانًا دون أن يعرفهم. وهنا لفتةٌ تذكرنا بفعل المعروف للمعروف ذاته بتجردٍ تامٍ من المصلحة أو الرياء: قال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا. وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا. إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا. فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا. وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [سورة الإنسان]

أذيل هذا المقال قرائي الكرام بلفت نظر المهتمين منكم بمثل هذه التجارب إلى قراءة كتابٍ شهيرٍ روته مؤلفته عن تجربةٍ فريدةٍ لها تستحق أن تُقرأ بغض النظر عن الموقف منها ومن تفاصيلها المدهشة.. وعنوان الكتاب (مت لأعود أنا) لمؤلفته (أنيتا مورجاني)، وهو مترجم إلى العربية، من إصدارات دار الخيال، ولعله موجودٌ في كثيرٍ من المكتبات، وعلى مواقع بيع الكتب على النت، وهذه صورة لغلافه:

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

بقلم الأديب والباحث والمترجم/ خلف بن سرحان القرشي

#خلف_سرحان_القرشي 

السعودية – الطائف – ص. ب 2503  الرمز البريدي 21944

[email protected]

تويتر @qkhalaf

مقالات ذات صلة

‫48 تعليقات

  1. اختيار موفق من كاتبنا القدير ربط الواقع بالخيال وبتجارب من مروا بتلك الواقعه
    ونسأل الله العلي القدير أن يختم بالصالحات أعمالنا
    ويرحم أمواتنا وأموات المسلمين

  2. الرائع في تجربة صائب عريقات في الاقتراب من الموت هي رؤيته لأناس يشيرون إليه كان قد أسدى لهم معروفا.. وهذا ذكر في القرآن وذكر أيضا عظيم أثر الصدقة على الإنسان.. حتى أن الميت يتمنى لو عاد إلى الدنيا ليتصدق ويكون من المتصدقين.. أشكرك يا أبا سعد الشكر الجزيل..

  3. مقال علمي مهم جدا. استطاع تسليط الضوء على ظاهرة الاقتراب من الموت ومقاربتها من زوايا مختلفة

  4. ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا ايديه خارجوا انفسكم اولا اثبات ان للملائكة ايد ثانيا ان ذلك من غيب الله وإنما يخيل للانسان في لاشعوره مايحسب انه رءاه والله اعلم

  5. إنَّ تجربة (الاقتراب من الموت) التي مرَّ بها الشخص -رغم غرابتها- إلا إنَّها معروفة، وشغلت المهتمين بالعلوم الروحية والعلوم الميتافيزيقية منذ عدة عقودٍ.

  6. لفت نظري في حديث (صائب عريقات) قوله أنَّه أثناء تجربته رأى أناسًا لم يعرفهم أسدى لهم معروفًا ذات يوم يشيرون إليه

  7. قال بعض أهل العلم: “ما ذكر الميت الصدقة إلا لعظيم ما رأى من أثرها بعد موته؛ فأكثروا من الصدقة، فإن المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته،

  8. وتصدقوا عن موتاكم؛ فإن موتاكم يتمنون الرجوع للدنيا؛ ليتصدقوا ويعملوا صالحًا، فحققوا لهم أمنيتهم، وعودوا أبناءكم عليها”

  9. إنَّ تجربة (الاقتراب من الموت) التي مرَّ بها الشخص -رغم غرابتها- إلا إنَّها معروفة، وشغلت المهتمين بالعلوم الروحية والعلوم الميتافيزيقية منذ عدة عقودٍ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88