اختطاف فرحة !.
تلبّدت الغيوم ، فاختفت النجوم ، وزمجر الرعد ، وأومض البرق ، وانبجست السحب ، وانهلّ المطر ، فانسكب الضرر ، بإغراق الشجر ، وانحدار الحجر ، وارتجاف الأسقف ، واصطفاق الأبواب ، واهتزاز النوافذ ، كما ابتلّت المدائن ، وازدحمت الشوارع ، وتعطّل السير ، واختنق النَّير ، فأي جمال سيلحظه الطرف ، ويأنس به السمع ، ويصفّق له القلب ، وتبهج به النفس ، مع زوبعة عاصف القطر ، وتمزّق مَعْلَمِ الأرض ، حتى مضغ الماءُ الترابَ فأورده طيناً ووحلاً ، تعجز عن وطئه الأقدام ، ويثقل بالخطو فيه الإقدام !. ، فأقول :
لا تعـجبـنّ فبعض البرقِ عارضهُ
… سيلٌ من الروع والإتلاف والعطبِ
فمشهد الطبيعة مع أول القطر فرحة عابرة ، فما لبثت أن وقعت عَوْلَةً حاذرة ، لذا هي أشبه بالعيد الذي يمرّ وقد اختطفه الأسى والألم أو السعي والعمل ، لمن أدركه مشغولاً عنه ، وقد تعلّق منه ببقيّةِ أمل ، علّه يكون مشغولاً به ، فما أن تلوح بسمته في قلوبهم حتى يخفت نورها وراء أسف الواقع الذي يتجرّعونه ، فكم من جريح وشريد ، وشجيّ وبعيد ، وأسير ومرابط ، ومبتعث ومفارق ، ومريض ومجاهد ، كان عيدهم كسابق يومهم ، فما غمرهم السرور كغيرهم ، بل كان خطّاً متقطّعاً بين الترح والمرح !. أو لا يكاد لامسَ جزءًا من مسرّة هذا اليوم ! ، قال الشاعر الرحالة ابن جبير الأندلسي :
شَهدنا صَلاة العيد في أرض غربةٍ
… بأحــواز مــصر والأحبّة قـد بَـانـوا
فقلت لخلّي في النوى جُـد بدَمعةٍ
… فَـلَــيس لـنا إلّا الـمـدامـــعَ قُــربـانُ
وأسوأ العيد – وهذا قليل – أن يكون مظهراً للتفاخر لا محفلاً للتزيّن والبهجة ، وأداءً للواجب لا منبعاً للتودّد واللهفة ، فهل تغني الثياب البيضاء ، والأكسية ذات النقاء ، والقلوب مُلطّخة باللّوم ، وشاحبة بالعتب ، لذا قد يُصاب العيد بالقَرَح بعد الفرَح ، وهو الذي لم ينم ليلته منتظراً في شوْق ، ومقبلاً مستقبلاً في توْق براءة أطفاله !. فأقول :
إذا لم يكن للعيد فرحةُ أهلهِ
…. فمـا ثـوبـهُ إلّا لـبـاسٌ مُـرقّـعُ
أما الجميل فيه أنه يُظهر للكبير احترامه ، وللغريب اقترابه ، وللقريب تهنيئته ، وللمهنَأ قيمته ، وللمهنّئ تلطّفه ، وللجماعة قوّتها ، وللقوّة تأثيرها حين تكون يداً واحدةً تسعى للخير ، بأكفٍّ كريمة بالحب والعطاء والحنان والوفاء وصدق الانتماء ، والجميل فيه كذلك أنّه مهما عاد كان جديداً ، فهو فرحة طفل لا تذوي ولا تذبل ، وذكرى أيامٍ بهيّةٍ تزيد ولا تنقص ، وزوايا من أحاديث طريفة ظريفة ، وهدايا بعد أوقاتٍ تقيّة شريفة ، وفي مثل هذا قال الشاعر اللبناني خليل الخوري :
أَهـــلالُ العـــيدِ حَــيّانا وَقَـــد
… لاحَ بِالنـــورِ فَـأَبــّهى وَوَقـــد
قَد مَضى الصَوم فَعادَ العيدُ
… في مَنــظَرٍ بــاهٍ ، وَأَيامٍ جُدد
ومن جميل الأدب وشعره ، وروعة الخيال وسحره في هذا الباب ؛ ما كتبه الشاعر المهجري اللبناني إيليا أبو ماضي لمحبوبته ، حين أقبل العيد حيث وقف في حيرة أنهكت حبّه ، ودهشة أهرقت قلمه إذ قال :
أَيُّ شَيءٍ في العـــيدِ أُهـدي إِلَيكِ
….. يـا مَـلاكي ، وَكُــلُّ شَــيءٍ لَــدَيــكِ
أَسِــواراً ، أَم دُمُـــلجــاً مِن نُـضارٍ
….. لا أُحِــبُّ القُيــودَ في مِعصَــمَيـكِ
أَم خُموراً وَلَيسَ في الأَرضِ خَمرٌ
….. كَالَّتي تَـسكُـــبيـنَ مِن لَحــظَــيـكِ
أَم وُروداً وَالوَردُ أَجـــمَلُــهُ عِنــدي
….. الَّذي قَــد نَشَــقــتُ مِــن خَـــدَّيــكِ
أَم عَــقـــيقاً ، كَمُهجَــتي يَتَلَــظّـى
….. وَالعَقـــيقُ الثَــميـنُ في شَفَــتَيـكِ
لَيسَ عِندي شَيءٌ أَعَزُّ مِنَ الروحِ
….. وَروحي مَــرهــونَــةٌ فــي يَــدَيــكِ
وَعَوْدَاً ، ما أزال أتساءل كيف للعصفور الهروب من صرخة المطر ، ألتزمَ عشّه فلم يحلّق ، أم اختفى في وكرٍ لم تجسّه غيمة الضرر ، أم انزوى خلف ضوضاء نافذة كانت أحنّ عليه من زخّات بحره الهائج ، أم هي بقية الأمل المنغمسة في أعماق غريزته ، فقُدّرت له النجاة ؟!.
– فاصلة منقوطة ؛
دُمْ بخـيرٍ أكنْ سـعِــيداً بِِعِــيدِي
…. فيطِــبْ عُمري ، وَيَشدُ قَصِيدِي
كلّ عام وأنتم بخير ، وعيدكم مبارك
————–
بقلم الأستاذ /
إبراهيم الوابل – أبو سليمان
ibrahim7370@
الاثنين – الموافق
٧ – ١٠ – ١٤٤٠هـ
١٠ – ٦ – ٢٠١٩م
من العادة والمظهر الى الجوهر والعبادة ولا غضاضة لو كان عادة وجوهر ليبقى الحب والسعادة والامل فبقية الأمل المنغمسة في أعماق غريزته ، فُقدّرت له النجاة ؟!.
موضوع في غاية الروعة
ما أروع ذلك الموضوع، بالتوفيق
مقال جيد جدا
لا تعـجبـنّ فبعض البرقِ عارضهُ
… سيلٌ من الروع والإتلاف والعطبِ
ما هذا الجمال
احسنت
بوركت
بالتوفيق استاذي
مبدع
جهد مشكور
مقاله قيمة وذات أهمية قصوى
الله علي الكلام الجميل حقا
سلاسة في القول وتناسق في العبارات وعزف أكثر من رائع على الأوتار وتناول جيد للموضوع .. أشكر الشكر الجزيل يا أبا سليمان
تلبّدت الغيوم ، فاختفت النجوم ، وزمجر الرعد ، وأومض البرق ، وانبجست السحب ، وانهلّ المطر ، فانسكب الضرر ، بإغراق الشجر
وارتجاف الأسقف ، واصطفاق الأبواب ، واهتزاز النوافذ ، كما ابتلّت المدائن ، وازدحمت الشوارع ، وتعطّل السير
فأي جمال سيلحظه الطرف ، ويأنس به السمع ، ويصفّق له القلب ، وتبهج به النفس ، مع زوبعة عاصف القطر
وتمزّق مَعْلَمِ الأرض ، حتى مضغ الماءُ الترابَ فأورده طيناً ووحلاً ، تعجز عن وطئه الأقدام ، ويثقل بالخطو فيه الإقدام !. ، فأقو
أما الجميل فيه أنه يُظهر للكبير احترامه ، وللغريب اقترابه ، وللقريب تهنيئته ، وللمهنَأ قيمته ، وللمهنّئ تلطّفه ، وللجماعة قوّتها
وللقوّة تأثيرها حين تكون يداً واحدةً تسعى للخير ، بأكفٍّ كريمة بالحب والعطاء والحنان والوفاء وصدق الانتماء
ما شاء الله مبدع
روعة وجمال فوق الخيال
فعلا العيد بقى حلم عايز اللي يخطفة في لحظة مرورة
موضوع جميل وممتع تسلم يمينك
دائمًا أكرر أن مقالاتك تحتاج للقراءة مرة واثنين وثلاث، فكلماتك وما تحمله من معان بديعة تستحق التمعن والوقوف عليها كثيرًا.
الشكر لصحيفة هتون بالتوفيق ان شاء الله
بارك الله فيك
مقال ممتاز
شئ جيد للغاية
سلمت يداك بالتوفيق ان شاء الله
أشكر الجميع على ردودهم … وإن كان من إبداع فأنتم على تحفيزكم إذ أنتم نبعه ، وأشكر صحيفة هتون الالكترونية ، وفّقهم ﷲ وسدّد سعيهم …
تحياتي للجميع.
جيد جدا
العيد يسكن الفرح في النفوس بغض النظر عن مظاهر التفاخر …
والذي كما قال الكاتب تفشى بشكل رهيب …
سلمت وسلمت قريحتكم وأناملكم ويراعكم لهتون ودمتم سالمين
لا تعـجبـنّ فبعض البرقِ عارضهُ
… سيلٌ من الروع والإتلاف والعطبِ
شئ جيد للغايه
مقاله جيده
جهد عظيم
سلمت يداك
موضوع في غايه الروعه
بالتوفيق ان شاء الله
إذا لم يكن للعيد فرحةُ أهلهِ
فمـا ثـوبـهُ إلّا لـبـاسٌ مُـرقّـعُ
بارك الله في قلمك أستاذ إبراهيم
جميل جدا
أَهـــلالُ العـــيدِ حَــيّانا وَقَـــد
لاحَ بِالنـــورِ فَـأَبــّهى وَوَقـــد
قَد مَضى الصَوم فَعادَ العيدُ
في مَنــظَرٍ بــاهٍ ، وَأَيامٍ جُدد
مبدع كالعادة أستاذنا
رائع جدا
سلمت يداك أستاذنا
الله الله على الإبداع
موضوع مميز كالمعتاد
عظيم جدا
أحسنت