إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

الجزائر ومعركة الوقاية من التطرف

“إن الجزائر في مرحلة الوقاية من التطرف ومشروعها مبني على التوجه، وعلى هذا الأساس رفضت التوقيع على اتفاقية تقدمت بها منظمة دولية (1) من أجل محاربة التطرف”.

العبارة أعلاه جزء من تصريح (2) أدلى به الوزير السابق للشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، خلال افتتاحه للموسم الثقافي لقطاع الشؤون الدينية، يوم 28 شتنبر/أيلول 2018، وهو تصريح ينم عن وعي تام بالمرحلة التي تجتازها الجزائر في تعاطيها مع معضلتي التطرف والإرهاب.

وأبرز الوزير بأن التأهب الوطني وبرامج الوقاية من التطرف وتجربة الإرهاب المريرة التي عاشها الجزائريون وتجربة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية حصنت الجزائريين، موضحا بأن التشويش الذي يقع حاليا على الجزائر يخشى أن يؤثر سواء في الشباب الذين لم يعرفوا مرحلة التسعينات، أو الذين لم يشربوا بعد من المرجعية الوطنية التي كانت مشوشة في تلك المرحلة.

وتحدث في هذا الإطار عن جهات دون أن يسمها تسعى جاهدة وكما فعلت في السابق إلى استصدار أفكار هدامة متطرفة وتكفيرية، مشيرا إلى أن الكثير من الطوائف التي طواها التاريخ أعيد إحياؤها، ويراد أن يكون لها موطأ قدم في الجزائر، وقال إن عدم ذكر هذه الأطراف ليس خوفا منها بقدر ما هو تحصين للشباب من أن يتأثر بها فتؤثر من جديد في سلامة وأمن الجزائر.

كما تحدث في نفس الإطار عن التجربة والخبرة الجزائرية في كيفية التعاطي مع التطرف والإرهاب، مضيفا أن الجزائر تحولت إلى نموذج في هذا المجال وأصبحت تمتلك مشروعا جديدا، يتمحور حول كيفية وسبل الوقاية من التطرف.

وأكد محمد عيسى في التصريح نفسه بأن الجزائر فككت مفاصل كل فلول التطرف التي اخترقت الحدود الجزائرية، وذلك بالزخم الروحي الذي تملكه، وبالمرجعية الوطنية التي تفتخر بها وبقوانين الجمهورية التي تمنع خطاب الكراهية والتفريق والتشويش على النظام العام.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها الوزير السابق للشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى عن مرحلة ما بعد مكافحة التطرف والإرهاب، فقد سبق أن أكد قبل عام وتحديدا يوم 6 نونبر/تشرين الثاني 2017 بولاية بسكرة بأن الجزائر نجحت في دحر الإرهاب وانتقلت إلى مرحلة الوقاية من التطرف والتشدد، مبينا في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية لفعاليات الملتقى الدولي حول الفاتح عقبة بن نافع الفهري في طبعته السادسة (3) بأن المؤسسة الدينية ممثلة في المساجد والأئمة والوعاظ قد تمكنت برجوعها إلى الفاتحين وباستلهامها العبر والدروس من الإسلام الصحيح من مقاومة ومكافحة التطرف والتشدد الديني.

واعتبر محمد عيسى بأن ثنائية الدين والوطن جعلت المؤسسة الدينية تسهم بشكل فعال في بث الروح الوطنية التي تجسدت أثناء الثورة التحريرية المظفرة وكذلك خلال مختلف المراحل العصيبة التي مرت بها البلاد، مشيرا إلى أن محاربة الفكر الطائفي تتأتى من خلال إحداث حصانة ومناعة مجتمعية تستند على مرجعية المؤسسة الدينية الوطنية.

كما اعتبر أن المؤسسة الدينية وبحكم طبيعتها تدفع المواطن دفعا لخدمة دينه ووطنه، وذكر أن حركات الإصلاح الكثيرة القادمة من رحم الزوايا الجزائرية التي هي ميراث مدرسة الفتح كلها مدعوة إلى تغذية الجانب الروحي للجزائريين، داعيا الجميع من نخب سياسية وثقافية وأئمة وشيوخ زوايا ووسائل إعلام وغيرهم إلى ضرورة التصدي لكل الحركات والتنظيمات التي تلج للبلاد للقضاء على هذا الجهد.

ومن التدابير والإجراءات التي أقدم عليها وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، مراجعة برامج التربية الإسلامية في الطورين الابتدائي والمتوسط لتحصين المدرسة الجزائرية، وحذف كل المطويات التي تدعو إلى الطائفية من المساجد والسجون، وتوفير الأجواء لانخراط الأئمة والوعاظ في إستراتيجية مكافحة التطرف، وذلك بتنظيم دروس وعظية داخل السجون للرد على الأفكار الغريبة والدخيلة على المجتمع الجزائري، وهي الأفكار نفسها التي كانت سببا في تفشي التطرف والإرهاب.

حديث محمد عيسى عن هذه الإجراءات كان خلال استضافته في برنامج “فوروم الإذاعة الوطنية” (4)، مشيرا بأن مصالح وزارته قامت بتجربة مماثلة مع وزارة العدل لمراجعة محتويات المكتبات المتواجدة داخل السجون، وهي العملية التي سمحت بحذف كل الكتب التي تتنافى مع مبدأي السلام والتسامح وتغذي التطرف والإرهاب.

وبحسب الوزير، فإن الجزائر لا تزال تتعرض لمحاولات اختراق من قبل مجموعة من الطوائف والنحل، وهي المحاولات التي تعمل الجزائر على التصدي لها دينيا، عن طريق الأئمة والوعاظ، مشيرا إلى أن الجزائر أصبحت بشهادة عديد الدول مثالا يحتذى به في مجال مكافحة التطرف والغلو والإرهاب.

وذكر الوزير في هذا الصدد قيام الجزائر بتكوين أئمة وفدوا عليها من مجموعة من الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الساحل وإخضاعهم لدورات تدريبية في مكافحة التطرف والعنف، وقال بأن التجربة الجزائرية أصبحت مطلوبة من قبل عدة دول مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، حيث سيتم توقيع اتفاقيات بهذا الخصوص، مبينا أن مكافحة التطرف الديني في الجزائر انتعشت بعد إقرار الرئيس المستقيل بوتفليقة سياسة السلم والمصالحة الوطنية، وهي السياسة التي اقتلعت كل جذور التطرف والإرهاب، وجعلت البلاد تنتقل من مرحلة مكافحة الإرهاب إلى مرحلة الوقاية منه.

وقد عبدت هذه السياسة الطريق منذ العام 1999، لاستسلام أزيد من 10 آلاف إرهابي حسبما كشف عنه وزير الشؤون الخارجية الأسبق مراد مدلسي (5) خلال مداخلة له في الاجتماع المنعقد بنيويورك في إطار الجمعية العامة الـ66 لهيئة الأمم المتحدة، موضحا أن “هذه السياسة الطموحة للمصالحة ومحاربة التطرف شهدت نجاحا باهرا وسمحت بعودة عدد مهم من الإرهابيين الذين سلموا أنفسهم إلى المجتمع وتم إدماجهم فيه”.

تصريح الوزير السابق للشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى أعلاه سيجد أسبوعا بعد ذلك صدى له لدى منظمة الأمم المتحدة التي أكدت على الدور “النشط” للجزائر في مكافحة الإرهاب الدولي، مبرزة المبادرات والإجراءات المتخذة من أجل القضاء عن هذه الآفة على المستوىين الوطني والدولي (6).

وأوضح الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش في تقرير حول الإجراءات الهادفة إلى القضاء على الإرهاب الدولي نشر بنيويورك بمناسبة اجتماع حول الوقاية من الإرهاب الدولي من تنظيم اللجنة الأممية السادسة المكلفة بالمسائل القانونية، أن الجزائر قد “ساهمت بشكل نشط في عدد معين من مبادرات مكافحة الإرهاب على المستوى العالمي والإقليمي والثنائي”، مشيرا على وجه الخصوص إلى تلك المبادرات التي تمت مع كل من إسبانيا وروسيا وأندونيسيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وإيرلندا الشمالية والولايات المتحدة.

كما ذكر التقرير الذي اعتمد على معطيات استقاها من بلدان حول جوانب مرتبطة بمكافحة الإرهاب، أن الجزائر قد صادقت على 19 أداة عالمية لمكافحة الإرهاب، وكذا على الاتفاقية العربية المتعلقة بقمع الإرهاب واتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية حول الوقاية ومكافحة الإرهاب واتفاقية منظمة المؤتمر الإسلامي لمحاربة الإرهاب الدولي، وأضافت الوثيقة أن الجزائر قد كيفت إطارها القانوني لجعله مطابقا للأدوات الدولية السارية، سيما حول مسألة الإرهابيين الأجانب، كما تم تبني إجراء لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك تطبيقا للمعاهدات الدولية ولوائح مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.

ووضعت في ذات السياق عدة تدابير تتعلق بتجميد وحجز الودائع، وذلك في إطار المرسوم التنفيذي رقم 15-113 لعام 2015، كما انضمت الجزائر إلى مجموعة ايغمون لخلايا الاستعلامات المالية.

ومن الإجراءات الجديدة، أشار المصدر إلى بعض التعديلات التي أدرجت على قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية التي أعطت للسلطات المختصة وسائل إضافية جديدة، كما أشارت الوثيقة إلى “عديد المبادرات التي تبنتها الجزائر من أجل ضمان الأمن الداخلي وكذا الإصلاحات الدستورية للعام 2016 التي مكنت من تعزيز دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان”، حتى غدت الجزائر التي عانت من ويلات التطرف والإرهاب خلال عقد التسعينات، كما جاء على لسان سفيرها وممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة صبري بوقادوم “بلدا مستقرا في منطقة مهددة باللااستقرار وبالإرهاب”.

وكانت الجزائر قد دخلت طيلة عقد التسعينيات وبداية الألفية الثالثة في صدام مسلح مباشر مع تنظيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهي الأحداث التي عرفت فيما بعد بـ”العشرية السوداء”، والتي ذهب ضحيتها الآلاف من المواطنين ما بين قتلى وجرحى ومعطوبين ومختطفين..

——————————————————————–

(1) المنظمة الدولية التي رفض وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى الدخول معها في عقد شراكة لأجل محاربة التطرف، وقعت يومين بعد ذلك مع المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر اتفاقية تعاون تهدف إلى مكافحة الفكر المتطرف والإرهاب، ونبذ خطاب الكراهية والعنف، وتنظيم الفعاليات العلمية، وتشجيع العلماء على نشر قيم الاعتدال والتسامح والحوار، ووقع عن المنظمة الدولية (رابطة العالم الإسلامي) الأمين العام الشيخ الدكتور محمد العيسى، فيما مثل المجلس رئيسه الشيخ الدكتور بوعبد الله غلام الله.

وتنص الاتفاقية على مد جسور التعاون العلمي والثقافي عبر تبادل الإصدارات والخبرات والمعلومات، والمشاركة في مشروعات الترجمة والبحث العلمي.

 

(2) صحيفة النصر بتاريخ 30 شتنبر/أيلول 2018 على الرابط:

https://www.annasronline.com/index.php/2014-08-09-10-33-20/2014-08-23-11-15-15/105143-2018-09-29-23-35-25

(3) موقع السلام اليوم بتاريخ 6 نونبر/تشرين الثاني 2017 على الرابط:

https://www.djazairess.com/essalam/65322

(4) صحيفة النصر الإلكترونية بتاريخ 27 نونبر/تشرين الثاني 2017

https://www.annasronline.com/index.php?option=com_content&view=article&id=84496

(5) مجلة الأمة العربية بتاريخ 20 شتنبر/أيولول 2011

(6) الإذاعة الجزائرية بتاريخ 5 أكتوبر 2018 على الرابط:

http://www.radioalgerie.dz/news/ar/article/20181005/151727.html

بقلم الكاتب/زياد القصابي

 

 

مقالات ذات صلة

‫34 تعليقات

  1. “إن الجزائر في مرحلة الوقاية من التطرف ومشروعها مبني على التوجه، وعلى هذا الأساس رفضت التوقيع على اتفاقية تقدمت بها منظمة دولية (1) من أجل محاربة التطرف”.

  2. كما تحدث في نفس الإطار عن التجربة والخبرة الجزائرية في كيفية التعاطي مع التطرف والإرهاب،

  3. مضيفا أن الجزائر تحولت إلى نموذج في هذا المجال وأصبحت تمتلك مشروعا جديدا، يتمحور حول كيفية وسبل الوقاية من التطرف.

  4. ووضعت في ذات السياق عدة تدابير تتعلق بتجميد وحجز الودائع، وذلك في إطار المرسوم التنفيذي رقم 15-113 لعام 2015، كما انضمت الجزائر إلى مجموعة ايغمون لخلايا الاستعلامات المالية.

  5. وكانت الجزائر قد دخلت طيلة عقد التسعينيات وبداية الألفية الثالثة في صدام مسلح مباشر مع تنظيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ،

  6. وتنص الاتفاقية على مد جسور التعاون العلمي والثقافي عبر تبادل الإصدارات والخبرات والمعلومات، والمشاركة في مشروعات الترجمة والبحث العلمي.

  7. مقال تحليلي بامتياز وقد قمت بوضع الإحالات ايضا وهذا دليل على المعلومات الصحيحة التي وضعت نتمنى في المرة المقبلة ان تكتب لنا في المجال الثقافي أو الإجتماعي ايضا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88