إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

العيد لحظةٌ هاربةٌ.. من يقبض عليها؟

بادئ ذي بدء أهنئكم قرائي الأعزاء في كل مكانٍ بعيد الفطر السعيد، سائلًا الله عزّ وجلَّ أن يعيده علينا جميعًا، بالخير والعافية والرشاد، وأن يبلغ كل منا أحلامه وطموحاته، وأن يجعل له فيها خيرًا وخيرةً دنيا وآخرة.

وبهذه المناسبة العظيمة رأيت أن يكون (اشتياري) اليوم إليكم أحبتي الأفاضل من وحي العيد، وفي معانيه ودلالته.

اخترع الإنسان منذ زمنٍ غابرٍ غائرٍ في القدم فكرة العيد، ليطرد بها عن نفسه وعمن حوله رتابة الأيام، وروتينية الحياة من جهةٍ، وليمنح بعض الأيام والأحداث مزيدًا من الأهمية والاهتمام من جهةٍ أخرى.

ووفقًا لموسوعة (ويكيبيديا) على النت، فكلمة تعني: العودة إلى يوم انتهاء محنةٍ أو بلاءٍ أو إنجازٍ مهمٍ. ويأتي العيد بمثابة المكافأة للصبر والتعب الذي بذل للوصول إلى ذلك الإنجاز. ويذكر معجم (المعاني) أنَّ من معاني العيد أيضًا: “كلُّ يوم يُحتفَلُ فيه بذكرى حادثةٍ عزيزة أو دينيَّة”.

???كُلُّ عامٍ وأَنْتُمْ بِخَيْرٍ???

واحتفل الناس قديمًا، وبعضهم مازالوا يحتفلون بمواسم معينة؛ ومنها وقت الحصاد لبعض المنتوجات الزراعية، أو بدء دخول عامٍ كما هو الحال عند المسيحين، أو فصلٍ معين؛ عيد (النيروز)، ابتداء الربيع عند الفرس.

وقد حدد معلم الناس الخير، رسولنا صلى الله عليه وسلم، للمسلمين يومين في العام ليكونا عيدين لهم، هما يوم الفطر (الأول من شوال)، ويوم الأضحى المبارك (العاشر من ذي الحجة)، وبذلك يربط الإسلام بين العيد وبين إتمام منجزٍ تعبديٍ عظيمٍ هو (صيام شهر رمضان) و (إتمام الحجيج) لأهم ركنٍ في حجهم، وهو الوقوف بمشعر الله الحرام (عرفة) يوم التاسع من ذي الحجة. وفي هذا دلالة تستحق التمعن، وتسترعي الانتباه، تتمثل في أنَّ الإنجاز الحقيقي الذي ينبغي للمسلم أن يفرح بإتمامه غاية الفرح يكمن في أداء عبادة الله سبحانه وتعالى، ونيل بركاتها، وتحقق أغراضها وغاياتها الروحية والإنسانية في نفوس مؤديها، ونلحظ هنا أن عبادتي (الصيام) و(الحج) اللتين يأتي بعدهما العيد فيهما منافع للناس، بجانب ما فيهما من تطهيرٍ وتزكيةٍ للنفوس، كما نلحظ أيضًا أنَّ من أهم غايتهما (التقوى).

أمَّا عندما تحتفل بميلاد شخصٍ كائنٍ من كان، وعندما تتخذ من قدوم فصلٍ ما عيدًا، فأنت لست فاعلًا في المشهد، بل أنت مشاهدٌ ومشاركٌ بالحضور فقط عن بعدٍ أو قربٍ فالأمر سيان.

???كُلُّ عامٍ وأَنْتُمْ بِخَيْرٍ???

ولكن في عيدي الإسلام: (الفطر، والأضحى) فأنت أنت من قام بالصيام، وتحتفل بإنجازك. وفي عيد الحج فثمَّة نحوٌ من ذلك ليس هذا مقام تفصيله.. وفي كلا الحالين، فأنت شريكٌ وفاعلٌ، وليس مجرد متفرجٍ أو مشاهدٍ فحسب.

وبعد أن أشرت إلى هذا الملمح الذي يميز عيدينا عن أعياد غيرنا، ينبغي أن نتقن مهارة الفرح ليحقق العيد معناه، ونجني منه لذيذ الشهد، وعذب الرُّضاب.

ولكن – قاتل الله “لكن” هذه! – هل الفرح مهارةٌ لتتقن، أم أنَّها أمرٌ تلقائيٌّ فطريٌ لا سلطة للإنسان فيه ولا عليه؟ نعود لهذا السؤال في نهاية المقال.

لا شيء يفسد بهجة الأشياء وجمال الكلمات وروعة المناسبات من الأِلْفِ والاعتياد والنمطية التي تقتل الروح، وتغتال المعنى. كثيرٌ منا يهنئ الآخرين بالعيد ويقول لهم: (كل عام وأنتم بخير)، أو نحو ذلك من العبارات، ولكنه يقولها دونما إحساسٍ بها، أو نيةٍ حقيقية من أعماقه في تحققها لمن يقولها لهم. يقولها عبارةً اعتاد عليها فحسب في هذه المناسبة، يرددها مثل الببغاء لا يفقه ما يردد، والكلمات مهما علا صوتها تظل خرساء، ما لم ننفخ فيها روحًا من مشاعرنا ونياتنا.

???كُلُّ عامٍ وأَنْتُمْ بِخَيْر???

نلبس الجديد في العيد دون أن نستشعر جدَّته، ومن غير أن نفكر فيه، أو نتأمله، نرتديه على عجلٍ، ونخلعه على عجلٍ أكثر منه، نمنح الأطفال هدايا وحلوى وعيديات ولكن كل ذلك نمارسه عادةً لا أكثر، طقسًا لا أبعد. لم نفرح بالعطاء كما ينبغي، لم نفرح لفرح الطفل الفطري البريء بتلك الأشياء مهما كانت بسيطةً.

لنستمتع بالعيد علينا أعزائي الكرام أن نعيشه حقيقيةً في أعماقنا، نفكر فيه، نتلفظ به فرحًا وبشرًا، أملًا ورجاءً، تفاؤلًا وابتهاجًا بغدٍ أفضلٍ، وحياةٍ أجمل، رغم كل التحديات التي نعيشها، والمعاناة من حولنا.

لنستمتع بالعيد كما ينبغي، حريٌّ بكلٍ منا أن يتخيل ويتذكر ويسترجع أول عيدٍ في حياته، ليعد إلى مشاعره فيه وتذكر تفاصيله زمانًا ومكانًا، وليحاول استرجاع فرحته العتيقة به آنذاك، وما اكتنفه فيه من شعور، وما بقي في شعاب ذاكرته من صور، وأصوات، ومواقف، ومشاهد، وأجواء، وحلوى، وتهانٍ، وألعابٍ، ورفقةٍ، وليحاول أن يعيشها ثانيةً.

لتستمتع بالعيد؛ تعامل معه على أنَّه لحظات هاربةٌ من لحظات الحياة المفعمة بالسحر والمتعة والجمال، والتي تمر سريعًا ثم تذوي، وهو ومضةٌ خاطفةٌ؛ فانشب فيها أظفارك، واقبض عليها بكلتي يديك لكيلا تتسرب، وتمضي دون أن ترتوي منها حدَّ الرواء.

توقف مليًّا وفكر في الحكمة البالغة من فريضة زكاة الفطر، التي غايتها نفع المساكين والمحتاجين في ذلك اليوم، وكفهم عن السؤال في هذا اليوم البهي، وذلك ليفرحوا، ولينسوا ولو قليلًا معاناتهم، وليشاركوا إخوانهم الميسورين الفرحة.

???كُلُّ عامٍ وأَنْتُمْ بِخَيْرٍ???

الله يريد منا أن نفرح في هذه الأيام، فعلام نترك رخصته وفسحته التي أكرمنا بها، وننسى أنَّه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه. لقد نهانا الإسلام عن الصيام في هذين اليومين لنفس الغاية؛ إظهار الفرح والبهجة.

تقول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: “دخل رسول الله وعندي جاريتان تغنّيان، فاضطجع على الفراش وحوَّل وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارُ الشيطان عند رسول الله؟! فقال له الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “دعْهما يا أبا بكر، إنّ لكل قومٍ عيد، وهذا عيدنا”.

يقول الكاتب المغربي الكبير الدكتور خالد التوزاني: “العالم من حولنا عجيبٌ وغريب،. ولكن بسبب الألفة والأنس والعادة سقطت الغرابة، وانهارت الدهشة”.

أمَّا أنا فأقول بعد الاستعاذة من كلمة (أنا): “العيد جميلٌ وبهيٌ، ولكن بسبب الألفة، والعادية، والروتينية، والركض، وأسلوب (الرتم) السريع في تعاطينا مع كل شيءٍ، فَقَدَ عيدنا للأسف كثيرًا من بهجته ورونقه، وحال حجاب العادة بيننا وبينه، وتلاشت دهشته الفطرية التي شرع من أجلها! فهل من رغبةٍ أكيدةٍ لنعيد للعيد عيده؟”.

وقد يقول قائلٌ ومن أين وكيف لي الفرح؟، وفي حياتي من المآسي والجراح ما يندى له الجبين ويتفطر له القلب، ونحو من ذلك. وهذا أنصحه أن يتأمل برؤية وعمق في قصيدة إيليا أبو ماضي: (قال السماء كئيبة وتجهما)

https://youtu.be/2iBRvZ3eKp0

وبعد.. هل الفرح مهارةٌ تكتسب وتتقن أم أنَّه فطرةٌ لا يملك الإنسان من أمرها شيئًا، أم هو بين هذا وذاك؟.

​في التعليقات مساحات وافرة لتدلوا بدلائكم قرائي الكرام.

أخيرًا.. ومجددًا ودومًا.. عيدكم البهجة والسرور وكل الحبور.

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

بقلم الأديب والباحث والمترجم/ خلف بن سرحان القرشي

#خلف_سرحان_القرشي 

السعودية – الطائف – ص. ب 2503  الرمز البريدي 21944

qkhalaf@hotmail.com

تويتر @qkhalaf

مقالات ذات صلة

‫31 تعليقات

  1. تفاجأت بعنوان هذا المقال …
    العيد لحظةٌ هاربةٌ.. من يقبض عليها؟
    وتساءلت كيف يكون العيد لحظة هاربة منا ونحن لدينا الأهل والأحبة والابناء … والأصدقاء والصديقات .. والجيران … وكل من نراهم حولنا عرفناهم أم لم نعرفهم ولكننا نرى السعادة بين عيونهم …وقد تقابلنا ابتساماتهم تيامنًا بقول المصطفى عليه السلام ..
    تبسمك في وجه. أخيك صدقة ..
    وشعرت مع المقال بنوع من الفرح وذلك بما صافحناه كقراء للاستاذ خلف من تهنئة مميزة ..
    كذلك أعجبني تلك المعلومات الثرية الواردة..
    من الأعماق نبادلكم التهنئة استاذنا …
    وسلمت أناملكم … وحفظ الله يراعكم لهتون .. ودمتم بخير وود..?

  2. كل عام والجميع بخير .. مقال ثري بزخم الفرح والبهجة مع قصيدة أيليا أبو ماضي .
    شكرا للكاتب وتقدير وكل عام وأنتم بخير

  3. كل عام وأنتم بخير لكاتبنا القدير والقراء وصحيفة الهتون والقائمين عليها

  4. ياله من برواز حوانا في لحظات متعتنا وأفراحنا ؛ جاء في وقته ليحضننا مع نبض أحبتنا .. لنسعد بنا ونفرح بنا ..
    شكرا لك أبا سعد – وكل عام وأنت ومن تحب بخير وصحة وعافية ورضى من رب العالمين ..

  5. هل الفرح فطري أم مكتسب ..سؤال يدعو للتأمل ولكن الوقائع تقول الاثنين معا وكيف لا والأمور في هذا الكون تستدعي منا الكثير والعالم من حولنا عجيبٌ وغريب،. ولكن بسبب الألفة والأنس والعادة سقطت الغرابة، وانهارت الدهشة..

  6. مقال جميل جدا بيتكلم عن احساس كتير من الناس بطعم العيد اللي فعلا اتغير ومش عرفين الاسباب

  7. مقال رأيع ملي بشعور الفرح بشعيره من شعاير ديننا الحنيف ولو تغير بعض مظاهر العيد في السابق لكن تبقى الفرحه كما هي

  8. بسم الله الرحمن الرحيم
    كل عام والجميع بألف خير
    دائما يمتعنا أبوسعد بعمق مايكتب وبكم مايطرح في الموضوع ومع قوة التقنية يفجر أباسعد ليس موهبته وإبداعه فهما منذ زمن طفولته تفجرت ولكن يفجر ملكاتنا بإضافة فديو لقصيدة ممتعه . أحسنت أباسعد . لاتعليق

  9. كل عام والأمة الإسلامية بخير.. أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات

  10. الله يريد منا أن نفرح في هذه الأيام، فعلام نترك رخصته وفسحته التي أكرمنا بها، وننسى أنَّه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه

  11. الإثنين معا، الفرحو مهارة تكتسب وفي نفس الوقت الهام غريزي يولد مع الإنسان.. تسلم يا أبا سعد

  12. (لتستمتع بالعيد؛ تعامل معه على أنَّه لحظات هاربةٌ من لحظات الحياة المفعمة بالسحر والمتعة والجمال، والتي تمر سريعًا ثم تذوي، وهو ومضةٌ خاطفةٌ؛ فانشب فيها أظفارك، واقبض عليها بكلتي يديك لكيلا تتسرب، وتمضي دون أن ترتوي منها حدَّ الرواء.)

    ———
    كل عام وانت بخير أيها الأديب

    نبارك لك هذه الرؤية الشاملة للعيد والتفصيل في معاني العيد وأخيرا تلك الوصية الناجعة لنستفد من العيد.

    كما نبارك لهذا المنبر النير الذي أوجد هذه المساحة لهذه الوصية الخالدة التى تكتب بمداد من ذهب. وتمتد هذه التهنئة لقراءك الكرام.

    لك كل التحايا أيها الأديب
    ????

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88