إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

الحبيبُ الذي لا يُزار !!

قال الشاعر الأموي جرير :
لا تُــكثِــرَنَّ إِذا جَعَــلتَ تَــلــومُني
…. لا يَــذهَــبَــنَّ بِــحِـلــمِـكَ الإكـــثـارُ
كانَ الخَليطُ هُمُ الخَليطَ فَأَصبَحوا
…. مُــتَــبَــدِّلــيـنَ ، وَبِـالـدِيـــارِ دِيــارُ
لا يُــلبِــثُ القُــرَنــاءَ أَن يَتَفَــرَّقوا
… لَــيــلٌ يَـــكُـــرُّ عَــلَيـــهِـمُ وَنَـــهـــارُ
قالوا : إنّ اللغة العربية والصينية من أصعب لغات العالم ، لكن هناك لغة من الصعب أن نستوعبها أو أن نفهمها ، لأنّها حادة السيف على النفس ، مارقة السهم على القلب ، سيّالة الدمع على الروح ، إنّها لغة الفراق ، فآهٍ من الفراق ، الفراق بعد لقاء الرفاق مُرٌّ لا يُطاق ، فما أصعب لغته ، وما أشق تهجئة حروفه ، ومن أصعب ألفاظ لغته ؛ أن تحيلك إلى الصمت الممزوج بالعبرات ؛ وذلك حين تفارق من صحبته فأسعدك ، وشكوت إليه فأفرحك ، وحرصت عليه فودّعك ، فكان لسان الحال كما قال الشاعر الأيوبي أسامة بن منقذ :
شكا ألمَ الفراقِ الناسُ قبلي
… ورُوِّعَ بالنــوى حيٌ ومـيتُ
وأمّا مِثْلُ ما ضَمَّتْ ضلوعي
… فإِني مـا سَمِــعْتُ ولا رَأَيْتُ

حلّ كريماً عزيزاً فارتحل ، فكأن لم يكن له بيننا من محل ، وعظنا وأظعن ، وأكرمنا وأحسن ، ارتسم هلاله في وجه السماء بثغر الابتسام ، فما لبث أن خطّت الليالي قوسه بالانصرام ، استعجلته عجلة الزمن ، فأدارت فينا الشجن ، كان نعم الضيف ، لولا إلمامه السريع ؛ ونعم القريب ؛ لولا عوده البعيد ، ونعم الحاضر ، لولا دنو غيابه الطويل … فإلى اللقاء يارمضان .. ونسأل الله أن يكتب لنا معك الالتقاء فقد تركت الفؤاد طيراً ، فأقول :
رمضــان ولّـى ، والفـؤاد كأنّـه
… من حـزنهِ طــيرٌ تعــلّــق بالشِباكْ
لولاه عــيـدٌ ، ما رأيــت لفرحــةٍ
… أنوارَ طيفٍ ضمّها عرض السِماكْ

سيبكيك من انتظر بزوغ هلالك ، وسيفقدك من قرّت عينه بنوالك ، ومن شهد محراب تراويحك ، ومن استعذب شدّة تباريحك ، ومن توخّى إجابة مواقيتك ، ومن آنس قراءة القرآن في نهارك ، ومن استلذّ سماعه من ضياء منارك ، ومن كلّ أثرٍ تبارك بوجودك ، فسلاماً يا نور الشهور وبدرها ، وقَدْر أيام السنة وسرّها ، وسلامنا لن يبلغ مقام سلامك ، ففيك سلام هي حتى مطلع الفجر ، فأقول :
ما زال وقـتي مـذ لقــائك باسماً
… وحديثكَ الهتّان ، يُمطرُ مسمعي
حتى أشرتَ إلى الرحيل معرِّضاً
… فتزاحمَ الحـزنُ ، وهـلّت أدمـعي

لكنك رغم النزوح والمغادرة ، والوعد – بإذن الرحمن – باللقاء ، لمن منّ ﷲ عليهم بالبقاء ، تأبى إلّا أن تفرح قلوبنا مع مرارة رحيلك ، بحلاوة جميلك ، حين تهدي لنا فرحة العيد ، فأقول :
أغدقَ الحبُّ عيدَنا بالهدايا
… واحتوى دفؤهُ الوصالَ سجيهْ
يالشهـرٍ ، زارنـا ثــمَّ أهـدى
… فرحـةَ العـيد فهي خــير هـديهْ

رمضان ، أنتَ لست كالمكان ولست كالإنسان في لغة النوى ، أنت والزمن اثنان بل شخصان لا تفترقان ، إن ودّعتنا فما بِقَدَرِنا وقدرتنا زيارتك ، فأنت الزائر وأنت المزور متى حللت ، وإن حللت أكرمت ، وكيف لنا أنّ نحلّ بضيافتك وقد مضيت ، فأسفاً لتجارتك الرابحة لا تعود إلّا بعودتك ، وليس لنا أن نذهب إليها كما نحثّ الخُطا إلى البيت العتيق ، أو نخطّ السير في زيارة صديق !.
فهل أصاب جرير في مطلع أبياته المتقدّمة حين قال :
لولا الحياء لهاجني استعبارُ
… ولزرتُ قبرك ( والحبيبُ يُزارُ )
فأنّى لنا أن نزورك ، وقد رحلت مع أعمارنا ، وكيف للزمن أن يرجع إلى الوراء ؟!.

– فاصلة منقوطة ؛

كم انتظرنا في المساءِ هلالهُ
… واليوم لوّح في السماءِ مودّعا
فكـأنّـهُ للبعدِ أُضمِرَ جسمـهُ
… وكأنّنا فـي القربِ ما كـنّا معا
———————
كتبه الأستاذ /
إبراهيم الوابل – أبو سليمان
‏ibrahim7370@
الاثنين – الموافق
٢٩ – ٩ – ١٤٤٠هـ
٣ – ٦ – ٢٠١٩م

مقالات ذات صلة

‫19 تعليقات

  1. كم انتظرنا في المساءِ هلالهُ
    … واليوم لوّح في السماءِ مودّعا
    فكـأنّـهُ للبعدِ أُضمِرَ جسمـهُ
    … وكأنّنا فـي القربِ ما كـنّا معا

  2. لا تُــكثِــرَنَّ إِذا جَعَــلتَ تَــلــومُني
    …. لا يَــذهَــبَــنَّ بِــحِـلــمِـكَ الإكـــثـارُ
    كانَ الخَليطُ هُمُ الخَليطَ فَأَصبَحوا
    …. مُــتَــبَــدِّلــيـنَ ، وَبِـالـدِيـــارِ دِيــارُ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88