استطلاع/تحقيق/ بوليغراف / هستاق

ليلة القدر في المغرب.. عادات، تقاليد وطقوس خاصة

يحيي المغاربة ليلة القدر في الساعات الأولى من ليلة 27 من شهر رمضان الفضيل، حيث يتم إحياء هذه الليلة بعادات وتقاليد وطقوس خاصة، يتقدمها اقتناء بعض الحاجيات من الأسواق والمحلات، من أجل إعداد أطباق تليق بهذه الليلة المباركة.

استطلاع/عبدالرحمان الأشعاري/المغرب

وقبل ذلك تطيب الأسر المغربية أماكنها كلها برائحة العود والمسك والعنبر، في المساجد والبيوت وبين الأزقة والساحات وعند مداخل المحلات التجارية وغيرها..، هكذا يستقبل المغاربة ليلة القدر المباركة، مهنئين بعضهم البعض بعبارة “عواشركم مبروكة”، اللازمة التي تتكرر على مدار الشهر كله وخاصة في هذه الليلة الفضيلة.

وتطلق كلمة البخور أو الدخون (بلغة إخواننا في المشرق) على مكونات عطرية توضع على نار المجمر، الذي يحولها إلى مواد عطرية ينبعث منها دخان ذو رائحة زكية تختلف باختلاف المواد المكونة للعطر، ويستخدمه المغاربة كوسيلة من وسائل الترحاب بالضيوف، وكثيرون يفتتحون مناسباتهم الخاصة بهذه المادة القابلة للإحتراق لاعتقادهم الجازم أن رائحتها الزكية تبعث في النفوس الإحساس بالفرحة والبهجة والسرور، وتنشط خلايا الاسترخاء والراحة بالجسم.

الحاجة أمينة كرم خرجت من بيتها تسارع الخطى مهرولة في اتجاه السوق الأسبوعي المتاخم لمدينة القنيطرة (حوالي 20 كلم شمال العاصمة الرباط)، صرحت لـ”هتون” أنها اعتادت في كل ليلة قدر أن تقتني نوعا خاصا من البخور، تشبه رائحته رائحة المسك الحر، كما اعتادت أن تقتني الحناء، والدجاج البلدي، وملابس جديدة لحفيديها، لباس العروسة لـ ملاك (8 أعوام)، واللباس الأميري لأحمد (9 أعوام).

تقول الحاجة أمينة موضحة أسباب اقتنائها لهذه المواد “إنها طقوس نحيي بها ليلة القدر المباركة، تدخل في مسمى عاداتنا وتقاليدنا، التي توارثناها أبا عن جد، وندخل من خلالها البهجة والسرور على محايا أبنائنا وأحفادنا الذين يتطوعون لصيام اليوم الاسدس والعشرين من هذا الشهر الكريم”.

على البوابة الكبيرة للسوق الأسبوعي تكوم مجموعة من الباعة المتجولين وهم يتنافسون في عرض بضاعتهم على الزبائن، وجميعهم يدعي جودة وبركة هذه البضاعة، السوق مكتظة عن آخرها بالزبائن القادمين من خارج وداخل المدينة، حتى أنك بالكاد تكاد تجد لك مكانا خاصة لدى العطارين وبائعي الخضر والزيتون واللحوم البيضاء وتحديدا بائعي الدجاج البلدي، وأيضا بائعي ملابس الأطفال.

السيدة زهرة نجيب إمرأة في الخمسينات من عمرها، اشترت للتو ديكا بلديا لونه يميل إلى الأحمر الداكن، قالت لـ”هتون” وابتسامة عريضة قد ارتسمت على محياها “نريد أن نفرح مع أبنائنا في هذه الليلة المباركة، سأعد لهم طبقا شهيا بهذا الديك، ولكن قبل ذلك يجب أن أشتري لهم ملابسهم المفضلة (تقصد لباس العروسة واللباس الأميري) في هذه الليلة الفضيلة”.

في سوق الملابس يعرض الباعة أجود ما عندهم من بضاعة وهم يعلقونها على واجهة محلاتهم التجارية، أقمصة بمختلف الألوان والأشكال، قبعات وسراويل الجينز والسترات والجلباب يتوسطهم القفطان المغربي التقليدي..

السيد حسن علوش (37 سنة) صاحب محل لبيع ملابس الأطفال، صرح لـ”هتون” “إن حركية البيع تنشط بشكل كبير خلال شهر رمضان، إنه شهر مميز ورائع ولازال المغاربة متشبتون بعاداتهم وتقاليدهم التي إكتسبوها منذ أعوام خلت عن الآباء والأجداد”، مضيفا يكفي أن رمضان يريحنا ولو لفترة من شرور وأذى الحانات والبارات، التي تضطر لإقفال أبوابها خلال هذا الشهر الفضيل، زد على ذلك أن أغلب شاربي السجائر (المدخنين) يقطعون صلتهم خلال رمضان مع هذا المخذر المقيت.

وفي البيت تعد النساء العدة للإعداد مائدة الإفطار، التي تتسم في المغرب بتنوع أطباقها شكلا وذوقا، حيث يحرصن على تحضير مختلف أنواع الوجبات والوصفات ويقضين اليوم كله في المطبخ لتقديم وجبات ترضي الجميع، وتعتبر شربة “الحريرة” و”الشباكية” والبريوات” و”السفوف” والشاي المغربي المنعنع، من أبرز أطباق المائدة المغربية، تتخللها عدة أنواع من الفطائر كـ”المسمن” و”البغرير” و”البطبوط” و”الحرشة” و”الملفوف” وغيرها من المأكولات ذات الطعم اللذيذ.

ومع غروب شمس اليوم السادس والعشرين من رمضان، تبدأ مراسيم الاحتفال بليلة القدر المباركة، التي اكتسبت في المغرب تقاليد وعادات مميزة، من أهمها تخضيب الأمهات أيادي صغارهن بالحناء، وتزيين الإناث منهم بالحلي ومساحيق التجميل ومساعدتهن على ارتداء لباس العروسة (الشربيل، والقفطان التقليدي الذي يختلف تصميمه ولونه باختلاف المناطق المغربية، بالإضافة إلى الخلخال والتاج..).

أما بالنسبة للأطفال الذكور فيرتدون الجلباب والطربوش الأحمر أو “الجبادور” و”البلغة” ويخرجون مصحوبين بآبائهم وأمهاتهم لصلة الرحم وتفقد الأهل والأحباب والأصدقاء والجيران، وأيضا لفعل الخيرات والصدقات بتوزيع التمر والتين المجفف على الفقراء والمساكين والمحتاجين.

ويتوج هذا الاحتفاء، بتنظيم ما يشبه العرس للأطفال، الذين لم يبلغوا بعد مرحلة الحلم، احتفالا بصوم يومهم الأول، وهو احتفال من شأنه أن ينمي في الطفل شعور الانتماء للدين والوطن، ويتناول الطفل الصائم لأول مرة حبة تمر من مكان مرتفع، وهو سلوك تعبيري يسمو من خلاله الطفل بنفسه إلى درجات إيمانية عالية تقربه إلى الله عز وجل، أما الطفلة الصائمة لأول مرة فتأخذ حبات التمر الأولى أو التين المجفف مع الحليب الطازج بين أفراد أسرتها بحضور الأصدقاء والجيران، ثم تحمل فوق “العمارية” كما لو كانت عروسا في ليلة زفافها، ويصاحب إقامة كل هذه المراسيم، كرنفال التقاط الصور بمختلف المقاييس والأحجام، بالألوان وبالأبيض والأسود، من أماكن عدة وبوضعيات مختلفة في الخذر أو فوق العمارية أو على صهود الجياد.

وما يثير الانتباه ويشده في هذه الليلة المباركة، التي يتم فيها تحضير طبق “الكسكس” الطبق الأكثر شهرة في المغرب، هو تزيين المساجد وتجميلها بالروائح الزكية العطرة التي تملأ المكان كله، استعدادا لاسقبال المصلين، الذين يأتون الجامع مصحوبين بأطفالهم بأفضل حلة وأجمل زينة، إكراما لليلة التي فضلها الله عز وجل على ألف شهر، الليلة التي أنزل فيها القرآن الكريم، واحتراما لبيوت الله عز وجل.

ويحرص المغاربة في هذه الليلة العظيمة، على إقامة كل أشكال الطاعات والعبادات، التي يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى من صلاة وصدقة وذكر وقراءة للقرآن الكريم،  وصلة رحم، ومنهم من يعتزل الأهل والأحباب ويفضل الاعتكاف في المسجد من أجل نيل رضا الله عز وجل ورحمته ومغفرته.

 

 

 

مقالات ذات صلة

‫20 تعليقات

  1. ربنا يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، كل عام وجميع أوطاننا العربية والاسلامية بخير..وللمغرب الشقيق كل الخير والحب والوئام

  2. لكل بلد طقوسه وعاداته في رمضان … تقبل الله من المسلمين جميعا سائر أعمالهم الصالحة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88