إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

مسلسلات رمضان: سباق في غير زمانه ومكانه

يشتد تنافس المسلسلات التلفزيونية على شاشات العرض العربية والخليجية عامة والسعودية بوجه خاص خلال شهر رمضان الفضيل، ولعله من المؤسف أن يكمن خلف هذا التنافس مجموعة من الأفكار والدوافع الخاطئة، إن كان في التوقيت أو في المحتوى والهدف، أو إن كان في تدني مستوى الجودة للكثير من هذه الأعمال.

فمن حيث التوقيت، فإن الفكرة الكامنة وراء هذا السباق فكرة معروفة، إنه وقت الذروة للمشاهدة باعتبار أن كافة أفراد الأسر مجتمعون تحت سقف واحد، وحول مائدة رمضان المبارك، إنها فكرة تجارية بحتة بدون شك بين القنوات التلفزيونية وبين المنتجين، والتنافس ما هو إلا تنافسًا تجاريًّا محفزًا بتحقيق أكبر قدر من الأرباح لأسعار المسلسلات، ولما يتخللها من دعايات وإعلانات تجارية، يأتي معظمها أيضًا لتشجيع السلوك الاستهلاكي لدى المشاهد.

إن تطور فنون الدراما السعودية أمر إيجابي بشكل عام، غير أننا نرى أن هذا التطور ما زال في نطاق الكم والعدد، وليس في النوعية والجوهر، إذ خلال هذا الموسم نقرأ أو نشاهد عددًا لا بأس به من المسلسلات السعودية، إلى جانب عدد كبير من المسلسلات الخليجية والعربية، والملاحظ أن الكوميديا والفانتازيا هي الطابع السائد في هذه الأعمال، وهنا تبرز فكرة ثانية خاطئة خلف هذا الاتجاه، إنها فكرة أن المسلم الصائم يحتاج إلى الترفيه عن النفس مكافأة له على صيامه وقيامه!.

وفي ذلك قلب لحكمة الشهر الفضيل، لحكمة التعبد والتقرب إلى الله بالعبادات، والطاعات، والصدقات، والصبر، والتسامح … وغير ذلك من الفضائل التي تتمثل في فريضة الصيام.

يبدو الخلل الأكبر في الموضوع والقضايا التي تتناولها أغلب الأعمال الدرامية والفنية، إذ صحيح أن بعضها يعالج بعض جوانب الواقع، بمشكلاته وقضاياه السلبية والإيجابية، لكن الملاحظ أن النماذج السلبية هي الغالبة، أو هي الظاهرة في هذه الأعمال، فقد خرج علينا بالأمس عدد غير قليل من المسلسلات، التي ولوهلة أخرجت المجتمع السعودي بأنه مجتمع فاسد، وأن ماضي هذا المجتمع عبارة عن ماضي يتسم بالسخرية والهمجية، ومجتمع يعنى بدور كبير بمتاع الدنيا من خمر ونساء.

من خلال هذه الأعمال الهابطة نحن نقدم على طبق من ذهب خدمة للأطراف المعادية والمنازعة لنا، فنحن دولة حباها الله بخدمة الحرمين الشريفين، فكيف لشعب يدير شؤون الحرمين وقد صور الإعلام الهابط من خلال هذه القنوات الهابطة وعبر مسلسلاتها النتنة أن أجداده كانوا يتسمون (بالفساد، والخمر، والنساء، وكل أنواع المسخرة)؟!.

إننا لا ننكر أن مجتمعاتنا تعاني من بعض المشكلات، مثلاً انحراف بعض الشباب في قضايا المخدرات، أو الارهاب، أو التعصب، أو الانغلاق …إلخ. لكن هل هذه المشكلات هي التي تميز المجتمع السعودي.

أم أنها ظواهر وسلوكات فردية متناثرة هنا وهناك؟

لماذا لا يتم نقل الصورة المشرقة للتكافل والإخاء في المجتمع السعودي؟!

لماذا لا تبرز صورة المجتمع السعودي الذي يحتضن المسلمين من كل بقاع العالم محفوفًا بكرم الضيافة وحسن المعاملة؟!

لماذا لا نشاهد صورة المواطنة السعودية الصابرة المؤمنة، الحافظة لبيتها ولأهلها، والراضية بسنة الله في خلقه؟!

لماذا لا تبرز صورة المرأة السعودية المتعلمة والعالمة والعاملة في مختلف مجالات الحياة جنبًا إلى جنب مع أخيها الرجل أو زوجها أو ابنها؟!

هل عز على أصحاب هذه المسلسلات التقاط قصص من الحاضر، تبرز أمثلة كثيرة عن الحب، والصدق، والإخاء، والنخوة، التي امتاز بها العربي في الجزيرة العربية، أو حتى في كل المجتمعات العربية الأخرى؟!

إذا كان أصحاب هذه الأعمال الدرامية لا يرون في الواقع إلا كل شاذ أو طارئ أو مؤقت، وهم غير محقين في هذا، فلماذا لا يعودون لقراءة التاريخ القريب أو البعيد، المليء بالأمثلة والنماذج التي تستحق أن تكون أعمالاً تلفزيونية، لتقدم من خلالها مادة تاريخية وتربوية ووطنية؟.

لقد شكلت تلك النماذج العصر الذهبي للسينما العربية حينما أحسنت قراءتها وقدمتها في أعمال درامية كبيرة للسينما أو للتلفزيون.

أخيرًا، لعل الأفكار الجاهزة، ومن غير المختصين بالواقع، أو بالتاريخ، والتي تلهث وراء الإنجاز السريع، والأرباح التجارية، هي ما يهدد هذا الفن البصري المهم.

فهل يقوم المعنيون بقراءة متأنية، ويرفعوا من مستوى الأعمال من خلال الاعتماد على مادة علمية حقيقية، ومختصين بالكتابة، وبقدرات إنتاجية تحترم الفكرة، وتحترم عصر صناعة الإعلام، بدل أن تخرج الأعمال متسرعة غير ناضجة تلهي أكثر مما تضيف شيئًا جديدًا ومفيدًا للمشاهد؟

بقلم الأستاذ/ ماطر بن عبد الله حمدي

مقالات ذات صلة

‫35 تعليقات

  1. إذا كان أصحاب هذه الأعمال الدرامية لا يرون في الواقع إلا كل شاذ أو طارئ أو مؤقت، وهم غير محقين في هذا

  2. الفكرة الكامنة وراء هذا السباق فكرة معروفة، إنه وقت الذروة للمشاهدة باعتبار أن كافة أفراد الأسر مجتمعون تحت سقف واحد،

  3. من خلال الاعتماد على مادة علمية حقيقية، ومختصين بالكتابة، وبقدرات إنتاجية تحترم الفكرة، وتحترم عصر صناعة الإعلام،

  4. لماذا لا نشاهد صورة المواطنة السعودية الصابرة المؤمنة، الحافظة لبيتها ولأهلها، والراضية بسنة الله في خلقه؟!

  5. إننا لا ننكر أن مجتمعاتنا تعاني من بعض المشكلات، مثلاً انحراف بعض الشباب في قضايا المخدرات، أو الارهاب، أو التعصب، أو الانغلاق …إلخ. لكن هل هذه المشكلات هي التي تميز المجتمع السعودي.

  6. لماذا لا تبرز صورة المرأة السعودية المتعلمة والعالمة والعاملة في مختلف مجالات الحياة جنبًا إلى جنب مع أخيها الرجل أو زوجها أو ابنها؟!

  7. هذه المشكلة اتي تطرق لها الأستاذ ماطر يعاني منها كل الوطن العربي، فدائما وفي مثل هذه المناسبة المباركة، تتقاطر على قنواتنا العمومية أعمال درامية تفسد حس وذوق المشاهد، وتعالج قضايانا بطرق غير مناسبة.. شكرا جزيلا لك

  8. وفي ذلك قلب لحكمة الشهر الفضيل، لحكمة التعبد والتقرب إلى الله بالعبادات، والطاعات، والصدقات، والصبر، والتسامح … وغير ذلك من الفضائل التي تتمثل في فريضة الصيام.

  9. يبدو الخلل الأكبر في الموضوع والقضايا التي تتناولها أغلب الأعمال الدرامية والفنية، إذ صحيح أن بعضها يعالج بعض جوانب الواقع، بمشكلاته وقضاياه السلبية والإيجابية، لكن الملاحظ أن النماذج السلبية هي الغالبة، أو هي الظاهرة في هذه الأعمال

  10. لو تخلى المنتجون عن بعض الفكر الربحي على حساب المضمون لربحوا جمهورًا ونقودًا إلى جانب التقدير

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88