إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

خارطة الذوق العام

كي ترسم هوية سلوكية وطنية متميزة، وتؤسّس لطراز بصري  وسمعي، تجعل المجتمع في جزئه الأكبر محكومًا بمرجعية اعتبارية، تحافظ على القيم والتقاليد الإيجابية، وتهذّب النسق العام، وتنظّم الانفتاح الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، على العالم.

المجتمعات الوثيقة والصلبة، وشعوب العالم المتطورة، نجحت بشكل واضح في مجال ترصين السلوك الاجتماعي، وجعل الذائقة الفردية أسيرة الهوية الجمعية.

في اليابان، تستطيع أن تميّز الياباني من طريقة أدائه التحية المستمدة من إرث البلاد، والممزوجة بملامح العصر.

وفي هولندا، يحرص الهولنديون على تبادل الزهور في المناسبات الحزينة والسعيدة، فضلاً عن أن هناك أسلوب متناظر لأشكال الحدائق العامة، وطريقة قصّ الأشجار، وممرات المشي. ولا يزال الإنكليزي، يرتدي القبعة والجاكيت التقليدي في الحفلات.

في ألمانيا، تتجانس الشوارع في طريقة التخطيط، وفي شكل الأرصفة، وتصاميم الممرات.

والخلاصة أن هذه الشعوب، رسّخت ذائقتها الجمعية، التي أصبحت هوية وطنية، تُميّز هذا الشعب عن ذاك، فضلاً عن أنها تلفظ ما هو نشاز من سلوكيات الأفراد الخاطئة، فلا يصح إلا الصحيح بسبب البيئة الصحية التي تلفظ تلقائيًّا (الشاذ، والغريب).

بسبب ذلك، لا ترى في هذه الدول المتقدمة، قناني المياه تلعب بها الرياح في الطرقات. ومن دون إجراءات قسرية، تتناسق واجهات المتاجر، والأبنية، والأضواء، في مشهد سيمفوني رائع.

يلمس الزائر لهذه الشعوب، تناغمًا واضحًا في البيئة السمعية، والبصرية، وفي طريقة اختيار الملبس، وفي المطاعم، وهندام سواق الباصات والقطارات والسيارات، وطرائق تنظيم المزارع، وتجانس أشكال الطبيعة العامة، وفي إتيكيت تقديم الطعام، فضلاً عن النظافة، والغذاء الصحي، حيث القدر الكبير من التماثل والتآلف يمنح الهوية المميزة لكل شعب.

المجتمع العراقي يعاني اليوم من فقدان هوية جمعية للذوق العام، فضلاً عن أنها متدنية في الأصل، وأضحت السلوكيات الفردية حتى الناشزة منها، تتصدّر المشهد، كما أن هناك انقسامًا اجتماعيًّا واضحًا في قضية الذوق العام، والفوضى التي ترسم المشهد، بسبب غياب الوعي، وضعف التربية الاجتماعية والجمالية والسلوكية في المدارس.

الأمثلة على ذلك واضحة ومرصودة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، حفلات التخرج الغريبة في الجامعات، التي تعبّر عن انهيار واضح في طرائق التعبير الجمالي والتربوي، فيما لازالت الجامعات الغربية على شدة انفتاحها الثقافي، تقدس القيم والسلوك الحضاري حتى في ساعات المتعة والاحتفالات.

البنايات في بغداد والمدن الأخرى، تفتقد إلى الهوية المعمارية الوطنية التي تجمعها، فضلاً عن عشوائية التصميم، وتلوين الواجهات وطلائها وتغطيتها.

الشوارع في العراق، فضلاً عن الأرصفة، لا تدل على ذائقة مشتركة، تجمع المدن والمناطق في طراز معماري واحد.

الشباب العراقي، مرتبك في مظهره، في أزياء لا يجمعها مشترك، ولا تعكس تجانسًا اجتماعيًّا.

ربما يجهل البعض، أن في دول أوروبا المتطورة، تتدخل الشرطة في فرض هيبة الذوق العام، فمن يجرؤ على عرض منتجات متجره على غير لوائح الأنظمة الصارمة التي كانت إلى جانب التربية الصحيحة، سببًا رئيسًا في تقدم الأمم والشعوب، بعد أن صقلت سلوكيات الأفراد باتجاه الهدف الجمالي، والبيئي.

يتدخّل القانون لفرض الذائقة الوطنية على شركات الإعمار، فلن تجد رصيفًا في هولندا مثلا يخالف نسق الأرصفة في المدن الأخرى، مثلما لا تجد سيارة أجرة واحدة تنافر في مظهرها، الشكل “الرسمي” الذي حدده “الذوق الرفيع” قبل القانون.

آن الأوان لرسم خارطة الذوق العام، عبر وسائل الإعلام، وتفعيل القوانين التي تفرض السلوكيات والقيم التي تجعل الفرد يسير على “تمبو” قسري، في السلوك والمظهر، يصنع هوية واضحة المعالم، غير عائمة، تتعمق فيها الأدوار الاجتماعية ويتعزز بها العيش المشترك.

الكاتب العراقي/ عدنان أبو زيد

مقالات ذات صلة

‫25 تعليقات

  1. كي ترسم هوية سلوكية وطنية متميزة، وتؤسّس لطراز بصري وسمعي، تجعل المجتمع في جزئه الأكبر محكومًا بمرجعية اعتبارية

  2. آن الأوان لرسم خارطة الذوق العام، عبر وسائل الإعلام، وتفعيل القوانين التي تفرض السلوكيات والقيم التي تجعل الفرد يسير على “تمبو” قسري،

  3. في السلوك والمظهر، يصنع هوية واضحة المعالم، غير عائمة، تتعمق فيها الأدوار الاجتماعية ويتعزز بها العيش المشترك.

  4. يتدخّل القانون لفرض الذائقة الوطنية على شركات الإعمار، فلن تجد رصيفًا في هولندا مثلا يخالف نسق الأرصفة في المدن الأخرى

  5. الشباب العراقي، مرتبك في مظهره، في أزياء لا يجمعها مشترك، ولا تعكس تجانسًا اجتماعيًّا.

  6. يلمس الزائر لهذه الشعوب، تناغمًا واضحًا في البيئة السمعية، والبصرية، وفي طريقة اختيار الملبس، وفي المطاعم، وهندام سواق الباصات والقطارات والسيارات، وطرائق تنظيم المزارع، وتجانس أشكال الطبيعة العامة، وفي إتيكيت تقديم الطعام،

  7. لا مجال للمقارنة بين عالم منفتح متطور يشتغل بالمعايير الدولية على مستوى جميع قطاعاته وخاصة قطاع الخدمات.. وبين عالم منغلق متخلف تنخره مجموعة من الأوبئة أقلها وباء الرشوة والمحسوبية..

  8. في ألمانيا، تتجانس الشوارع في طريقة التخطيط، وفي شكل الأرصفة، وتصاميم الممرات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88