إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

جمالٌ مزيف وقبحٌ مزيف

الجمال المزيف هو ما استحسنه الرائي، واطمأنتْ له النفس، وإنْ كان قبيحًا فى أصله، أمّا القُبْح المزيف فهو ما استقبحه الرائي، ونفرتْ منه النفس، وإنْ كان جميلاً في أصله.

– إنّ اختلاف أيديولوجيات البشر تجعل الحكم على ماهية الأشياء والمناهج والأحداث سواء المادية منها أو المعنوية مختلفًا ومتفاوتًا، بل وأحيانًا متضادًا، والجمال والقبح مِنْ هذه الأشياء.

– العين ترى، والقلب يحس، أحيانًا يُقال هذا الشئ جميل ولكنى أشعر بداخلى أنه قبيح، والعكس يحدث أيضًا، والعين لا تكذب صاحبها أبدًا؛ فهي ترى وتصف ما تراه، فإذا وصلت الرؤية ووصْفها إلى القلب قام بمعالجة البيانات التي تصل إليه من خلال تبني هذا القلب من أيديولوجيات.

كذلك تتم معالجتها من خلال العقل، وعند تفاعل القلب مع العقل تكون النتيجة النهائية بالحكم على الأشياء في كل شيء، ومن ضمن هذه الأشياء الجمال والقبح.

الخلاصة: إنّ معالجة رؤية الأشياء عن طريق القلب والعقل معًا هي التي تحدد ماهية هذه الأشياء، ومن ضمن هذه الماهيات الجمال والقبح.

ولاختلاف الأيديولوجيات لمْ تكنْ ثقافة الجمال ثابتة، كذلك ثقافة القبح، فما هو جميل عند قوم قبيح عند قوم آخرين، والعكس.

أنواع الجمال:

– الجمال المعنوى وقبحه

فالخير والشر، الحق والباطل، العدل والظلم، الجمال والقبح،  كل هذه المسميات معنوية، وهي عبارة عن المعنى الجميل ونقيضه القبيح.

وهذه فيها الخلود والجوهر والثبوت، فلا يمكن أنْ يُقال عن الحق باطل والعكس، كما أنّ الحق أو الباطل لا يموت.

– الجمال المادي وقبحه

السماء والأرض، الليل والنهار، الشمس والقمر، كل هذه مسميات مادية لها مدة في بقائها، فالشمس سوف تفنى، وكذلك تُطوى السماء والارض، وقد يطول الليل فيلغي النهار ، كذلك فهي غير معرّفة، فكلها مسميات أطلقها البشر عليها لما تتميز به من خصائص في ذاتها.

وتلبس الماديات ألف وجه، فهي تتغير على الدوام، فالسماء مثلاً قد تتجمل في بعض الأحيان، وأحيانًا أخرى تقبح.

وقد تُسمى في ثقافة قوم باسم، وباسم آخر في ثقافة قوم آخرين.

– تشوه كاذب في الجمال المعنوي وقبحه

أمّا الجمال المعنوي ونقيضه، فإنّ هذا أو ذاك قد يبدو مشوهًا، فالصبر معنوىّ قد يوصف بالجميل، وقد يوصف بالقبيح، وفي هذه النقطة قد يلتبس علينا الأمر إذ قلنا أن المعنويات تتميز بالثبات والأصالة والخلود.. فلِمَ تتغير وتتشوه؟، وفك شيفرة هذا اللبس بسيطة جدًّا، وهو أنّ الثبات والأصالة والخلود ثابتة في ذات المعنويات، ولكنّ الذي يتغير هو الوصف، ولنضرب مثلاً بـ(الصبر الجميل والقبيح).

الأصل هو كلمة الصبر، والوصف هو الجميل أو القبيح، فظلَّ الأصلُ ثابتاً ولكنّ الوصف هو المتغير.

– تشوّه صادق في الجمال المادي ونقيضه

والجمال المادي ونقيضه يتشوّه بالفعل، فمثلاً المرأة الحسناء جميلة الشكل والقوام، ولكنها تغوي وتنشز.. وبالتالي فلا نستطيع أن نقول إنّها جميلة أو قبيحة، لكنّها تشوّهتْ، أي جمال مادي مشوّه، وما شوّهه إلّا فقدانها للجمال المعنوي.

هذا فضلاً عن أنّ هذه المرأة قد تطرأ عليها متغيرات طبيعية، فيقبح شكلها سواء تشوّه في الوجه، أو بعامل السن أو أي طارئ آخر.

الجمال المعنوي المتداخل في الجمال المادي وكذلك القبح:

إنّ المعنويات لها مُسميات، هذه المسميات تتميز بالخلود والجوهر والثبوت، ومِنْ أجلها خُلقتْ الماديات، وغدتْ لها الماديات تبعًا، فلولا المعنويات ما وُجِدتْ الماديات.

والمعنويات تعطي للماديات صفة، فمثلاً الحقّ ثابتٌ باقٍ، والشمس متغيرة فانية، فكيف يخدمُ الحقُّ الشمسَ؟

تخدمه بالإضافة.. مثل شمس الحقيقة، وكذلك علم الحرية وقضبان العبودية.

مما سبق يتضح أنّ المعنويات لا تتغير في وصفها بالجمال أو القُبح، أمّا الماديات تتغير.

وتبعًا فإنّ الجمالَ المعنويّ أو قبْحه هو من يمنح للجمالِ المادىِّ أو قبْحه الصفةَ.

القلب أمْ العين :

الجمال المعنوى ونقيضه خاصة ُالقلب.

إذن فمظهر الجمال الحقيقي الدائم الذى لا يتحول ولا يفنى، لا يمكن أنْ تراه بعينيك وإنّما تراه ببصيرتك، تلك البصيرة التي تتبلور من تفاعل القلب والعقل معًا.

إنّما هو محسوس منبعه القلب، والقلب يؤثر في العين فتظهر لامعة لمعان السرور.

والجمال المادي ونقيضه خاصةالعين.

وهو خاصة العين دون القلب والعقل، وذلك لأنّه يعتمد على نسق الأشياء المادية بشرط جدواها في نفع الكائن الحي، فإذا تحقق فيها النسق والمنفعة وصِفتْ بالجمال.

وقد تكون غير متسقة، ولكنها ذات جدوى للكائن الحي وهذه أيضًا تُوصف بالجمال.

أمّا إن كانتْ متسقة ولم تكن ذات جدوى للكائن الحي فتوصف أيضًا بالجمال.

ولا يخرجها من دائرة الجمال إلّا إذا كانت مُضرّة، فمهما اتسقتْ تركيباتها فهي قبيحة  في كل الأحوال.

عقبات تحول دون الوصول إلى الجمال الحقيقي:

إنّ الوصول إلى الجمال الحقيقي ليس بالأمر الهين أبدًا، إذ أنّ الوصول إليه هو أعلى مراتب الفضيلة.

فهناك عقبات وتحدّيات تحول دون الوصول إليه.

أحياناً يلبس القبحُ رداء الجمالِ رغبة فى كسْبٍ مادىٍّ أو معنوىٍّ؛ فننخدع فيه، ونعيش حياتنا في قبح متواصل دون أن ندري.

وأحيانًا أُخرى نجدُّ في البحث عن الجمال فلا نجده وهذا معزوّ في الأساس إمّا لانتكاس همتنا وعزائمنا إذا طال أمد البحث، وإمّا لاختفائه بسبب إفرازات وتوالد مجتمع فاسد قبيح.

كما أنّ هناك نفوس فسَدتْ قلوبها وحَمِقتْ عقولها، ومثل هذه الأنواع من أجناس البشر يرون الميزانَ القسطاسَ مقلوب دائمًا، كما يرون عصا القيادة المتجهة في الطريق الصحيح تسير دومًا في طريق مسدود، أو في طريق مؤدٍّ إلى شفا حفر الجحيم، أو سفينة تسير ضد الرياح في بحرٍ خضمٍ هائجٍ.

دعوة إلى البحث عن الجمال ونبْذ القُبح:

لن نستطيع أن نوصف بالجمال فضلاً عن البحث عنه، إلّا إذا استيقظتْ الضمائر الميتة للبشر، ونهضتْ من سُباتها العميق من على أسرّة دهاليز الشيطان.

فلتأخذ الضمائرُ الحية بيد الضمائر الميتة؛ للبحث عن الجمال ونبذ القبح، وليحاولوا معهم مرارًا وتكرارًا، فإذا عجزوا عن الأخذ بأيديهم لتمكُن شريّ النفس والشيطان فيهما فعليهم بالتخلص منهم قدر ما استطاعوا قبل أن يسحبوهم إلى أسرّة دهاليز شياطينهم، فيقبح كل جميل ويتوحش الناس.

هيّا.. تعلموا لتعملوا، وأبصروا لتبصّروا، وارعوا أسماعكم لتلبّوا، واعتصموا بحبل القوة والعزيمة؛ لنبحث عن الجمال الحقيقيّ ونفتش عنه في كل أرجاء الكون، ونزيل الحُجُب، ونرفع الأستار، ونكشف اللجام عن كل ما هو مخبوء منه؛ لتكتمل ملحمتنا، وتزداد قوتنا، وترتقى حضارتنا نحو مستقبل مشرق،  وعالم من الفضيله والجمال، ولنتحاشى الجمال الزائف الذي يقبع بالإنسانيه كلها في مستنقع مظلمٍ، أو بحرٍ خضم تتلاطم أمواجه ويكثر فيه الغرقى.

فاستنهضوا إلى الجمال الروحيّ، الدائم، الحقيقى، وتثاقلوا عن الجمال المؤقت الزائف المتحول.

الجمال والقبح في الخلود:

هذا أو ذاك، له مظهر واحد تتجلى فيه أعظم مظاهر الجمال، كما يستفحل فيه أفظع مظاهر القبح.

فجمال المعنويات والماديات هناك هو الجمال الأكبر، كما أنّ القبح هو القبح الأكبر.

هناك الجمال المعنويّ في أعلى صوره، أمّا الجمال الماديّ فهو أصيل وجوهريّ، ويأخذ طابع الجمال المعنويّ في ديمومته.

وكذلك القبح يظهر في أعلى صوره وقبحه، يأخذ القبح المعنويّ في ديمومته.

الكاتب العراقي/ إبراهيم أمين

مقالات ذات صلة

‫22 تعليقات

  1. العين ترى، والقلب يحس، أحيانًا يُقال هذا الشئ جميل ولكنى أشعر بداخلى أنه قبيح، والعكس يحدث أيضًا

  2. الجمال المزيف هو ما استحسنه الرائي، واطمأنتْ له النفس، وإنْ كان قبيحًا فى أصله، أمّا القُبْح المزيف فهو ما استقبحه الرائي، ونفرتْ منه النفس، وإنْ كان جميلاً في أصله.

  3. أحياناً يلبس القبحُ رداء الجمالِ رغبة فى كسْبٍ مادىٍّ أو معنوىٍّ؛ فننخدع فيه، ونعيش حياتنا في قبح متواصل دون أن ندري.

  4. لن نستطيع أن نوصف بالجمال فضلاً عن البحث عنه، إلّا إذا استيقظتْ الضمائر الميتة للبشر، ونهضتْ من سُباتها العميق من على أسرّة دهاليز الشيطان.

  5. فاستنهضوا إلى الجمال الروحيّ، الدائم، الحقيقى، وتثاقلوا عن الجمال المؤقت الزائف المتحول.

  6. هناك الجمال المعنويّ في أعلى صوره، أمّا الجمال الماديّ فهو أصيل وجوهريّ، ويأخذ طابع الجمال المعنويّ في ديمومته.

  7. إنّ اختلاف أيديولوجيات البشر تجعل الحكم على ماهية الأشياء والمناهج والأحداث سواء المادية منها أو المعنوية مختلفًا ومتفاوتًا، بل وأحيانًا متضادًا

  8. إنّ الوصول إلى الجمال الحقيقي ليس بالأمر الهين أبدًا، إذ أنّ الوصول إليه هو أعلى مراتب الفضيلة، فهناك عقبات وتحدّيات تحول دون الوصول إليه.

  9. العين ترى، والقلب يحس، أحيانًا يُقال هذا الشئ جميل ولكنى أشعر بداخلى أنه قبيح، والعكس يحدث أيضًا..
    صدقت

  10. أحياناً يلبس القبحُ رداء الجمالِ رغبة فى كسْبٍ مادىٍّ أو معنوىٍّ؛ فننخدع فيه، ونعيش حياتنا في قبح متواصل دون أن ندري.

  11. فعلا الجمال الحقيقي هو جمال الروح
    فكثير من النساء والرجال يعقوون في هذه المشكله وهي ليست فقط للمتزوجين او المتاحبين بل الى جميع مراحل الحياه الاجتماعيه

  12. من وجهت نظري فان جمال الدين والاخلاق والذي وحافظ القران او حافظه القران ماشاء الله عليهم نور في وجوهم
    قال تعالى (سيماهم في وجوهم)

  13. الجمال جمال الروح والاخلاق .
    وهذا هو الاساس في الإختيار .
    وغير ذلك لايدوم طويلاً ولايصمد لجمال الحياة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88