إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

متى تشيخ؟!!

الشيخوخة ليست مجرد رقمٍ في سنوات العمر، ولا شيبًا يشتعل في الرأس والوجه فقط.

الشيخوخة شعورٌ ومشاعرٌ، مظهرٌ ومخبرٌ.

إن فقدت بهجة الأشياء، ورائحة الأماكن، ومتعة قربك من الأهل والأحبة والأصدقاء، فقد بلغت من العمر عتيًا، ولو كنت في الأربعين.

حينما تركز على الراحلين من الأصدقاء والأقران، ويصبح شبح الموت أمرًا غير مخيفٍ لك سواء أتى اليوم، أو جاء غدًا أو بعده، فقد شِخْتَ.

عندما لا تهتم كيف يبدو شكلك، ولا تتذكر آخر مرةٍ ذهبت فيها إلى صالون الحلاقة، أو اشتريت ملابس جديدةً، وعندما لم تعد مباليًا بمواعيدك لحقت بها أم فاتتك، ولا بالوفاء بالتزاماتك، وعندما لا يعني لك الوقت شيئًا استيقظت فيه أم كنت من النائمين، فتيقن أنَّك قاب قوسين أو أدنى من خريف العمر، ما لم تكن قد ولجته بالفعل.

والأمر كذلك إذا لم تعد مهتمًا سواء تزوج ابنك أو ما زال عازبًا، إن جاء زيدٌ أو غادر عمرو، نجح ثامر أو سقطت دالية!

إذا ما أصبحت تمل من قراءة نوعياتٍ من كتبٍ كنت من قبل تعشقها أيَّما عشقٍ، ومن أفلام تمنيت ذات زمنٍ لو لديك متسعٌ من الوقت لمشاهدتها مرةً تلو أخرى، ومن أغنياتٍ كانت تلج أعماق روحك، قبل أن تنفذ إلى سويداء سمعك، فأنت عجوزٌ في الغابرين.

عندما تزهد في الحوار، ولم تعد تجادل في رؤى وأفكارٍ ومسلماتٍ بالنسبة لك كنت ذات زمن محاميها الفذ، وعرابها الأول بل جُذَيْلُها المُحَكَّك، وعُذَيْقُها المُرَجَّب فأنت لم تشخ فحسب، بل قد أطبقت عليك الكهولة، وأقفلت عليك بابها المعتم بالضبَّة والمفتاح.

عندما يصبح المال قضية غير ذات بالٍ بالنسبة لك رغم قلته؛ فاعلم أنك على وشك اللحاق بموكب الراحلين، ومركب الهالكين.

وعندما يتملكك شعورٌ بأنَّك من أكبر الناس الذين تعرفهم، فأنت مجازًا كذلك، ويا الله حسن الخاتمة.

إن أصبحت غير مبالٍ عما إذا كان ما يضيء السماء الآن بدرٌ جديدٌ أو قمرٌ ذابلٌ. وغير مبالٍ أيضًا عمّا إذا كان الناس يحتفلون بعيد الفطر أو الحج! وعندما تعبر أوقات بحياتك لا تعنيك فيها مسألة كون من حولك سعداء أم تعساء، وحينما تجد نفسك لا تملك أيَّ قدرةٍ على أن تحب أحدًا، أو تمقته، فاعلم أنك قد هرمت.

أنت قد عَمرْتَ فعلًا إن قبضت على نفسك، ذات مرةٍ أو أكثر، متلبسًا بالبحث عن نظارتك الطبية كثيًرا، وفي كل مكان – حولك، وبعيدا عنك -ثم تجدها فوق عينيك!.

إن نسيت أنَّ مناسبة العشاء الذي حضرته قبل شهر عند أبي (فراس) كانت بمناسبة حصول ابنته على درجة الدكتوراة من جامعة (هارفارد)، بينما كنت تظنه صدقةً لوجه الله تعالى على روح خالته.

أنت في عداد الشيوخ الذين ينتظرون الموت حينما يتساوى عندك الليل والنهار، الربيع والخريف، الصيف والشتاء.

إن رأيت في تتابع نزول المطر كآبة -كما هو حال معظم الغربيين- وفي تفتح الورد مجرد موسم للحساسية والزكام، ففي الشيخوخة أنت ثاوٍ.

في الوقت الذي تشعر معه أن اليوم مثل أمس، وأمس هو نفسه غدًا، فقد هبت ريح منيتك، وأضحت أقرب إليك من حبل الوريد.

عندما لا تفرق أذنيك بين صوت همسات النسيم، وغناء عبد الحليم، ولا بين صوتي فيروز وأحلام فقد اقتربت ساعة الصفر.

زد على ذلك:

عندما لم تعد تعرف من عالم الموضات شيئًا سواء في الملبس أو المسمع، ولا من هم المشاهير في الفن والرياضة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؛ جادين أو تافهين!

حينما تزهد في النساء، ولم يعد يعجبك حسنهن، وعندما يصبحن لديك سواسيةً كأسنان المشط تشبه كلٌ منهن الأخرى، وأنت طالما كنت تزعج رهطك وصحبك بتكرار مقولتك: (من قال إن النساء سواسية؟ ومن قال إن (…..) تشبه أيًّا منهن)! وتذكر اسم حبيبة قلبك!

وحينما ترى أن النساء شياطين خلقن للرجال، لا رياحين يُعَطِّرْنَ أنفاس الحياة، وكذلك عندما لا تعد معنيًّا بالرقم الذي يمثل سني عمرك، تذكرته أم نسيته، وتظن أن بإمكانك استرجاعه كما تسترجع كلمة السر الخاصة ببريدك الإلكتروني حين تفقدها.

أنت قد شخت فعلًا حينما:

تُسَوِّف ترتيب فوضى أوراقك وأغراضك دونما سببٍ مقنعٍ.
تستيقظ مبكرًا من غير ضرورةٍ، ويحرجك النعاس الغالب عليك، وأنت في مناسبة للتو وصلت إلى مكانها.

تفضل البقاء في البيت زاهدًا في الخروج.

تحتفظ في جيوبك وفي أدراجك بمفاتيح كثيرةٍ لا تعلم لأيِّ أبوابٍ هي، وأوراقٍ غير ذات قيمة انتهت صلاحيتها منذ سنين.
فريقك الرياضي المفضل لم تعد تعرف عن ترتيبه في المسابقات المحلية والإقليمية والعالمية – وإن كانت صعبةٌ قويةٌ – بينما كنت ذات زمنٍ متابعًا لكل صغيرةٍ وكبيرةٍ تتعلق به.

عطرك المفضل فقد رائحته التي كنت تنتشي بها، وبدأت تتهم الشركة المنتجة بأنها غيرت تركيبته.

تعيد سرد حكاياتٍ تافهةٍ، وأخبارٍ عاديةٍ، ونكتٍ ساذجةٍ مرةً تلو أخرى، وتجد في ذلك متعةً وأيُّ متعةٍ.

تستغرق جروحك الجسدية وقتًا طويلًا لتشفى، أما جراحك النفسية فهيهات هيهات لها الشفاء.

عندما تقتنع بالدعايات، وتصدق المزايدين، ويكون الأمر عندك سيان سواءً قلت (نعم) أو (لا)!
عندها، وعندها فقط (لَمْلِم جروحك وانسحب، مَالَكْ نصيب في اللِي تحب)!
—————————————————
نشر مختصرًا في (المجلة العربية)، العدد 503 ، سبتمبر 2018م.

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

بقلم الأديب والباحث والمترجم/ خلف بن سرحان القرشي

#خلف_سرحان_القرشي 

السعودية – الطائف – ص. ب 2503  الرمز البريدي 21944

[email protected]

تويتر @qkhalaf

مقالات ذات صلة

‫73 تعليقات

  1. جعلتنا نفكر مليا في أنفسنا انحن من هؤلاء ام من الآخرين ولكن سوف يأتي ذلك اليوم مبدع ابا سعد

  2. فعلاً الشيخوخة شعور ومشاعر مظهر ومخبر
    مبدع ياكاتبنا في الطرح وانتقاء العبارات الجميله التي تثلج القارئ

  3. هههههههههه
    مقال جميل وواقعي يمتزجع فيه الواقع المؤلم_لمن عاشوا نفس الشعور_بروح الدعابة التي تتخلل هذا المقال….
    وكأني بكل شخص يقرأ هذه المقالة الجميلة يتفحص نفسه ويمنيها بألا ينطبق عليه ولو بعضا من هذه العلامات…

  4. كل مرة نتفاجأ من الكاتب والأديب المتميز الاستاذ خلف القرشي بنوع من الكتابات التي تتناول علم من العلوم الغير متداولة أو متعارف عليها ومن ما تناوله في هذه المقالة فهو هنا فيما يسمى علم النمو حيث يتحدث عن التغيرات المتتالية المرتبطة بالبناء التشريحي، والوظائف الفسيولوجية، والتكوينات الوظيفية، والنشاطات البيئية لمرحلة الشيخوخة وإن كان تناولها بنوع من بث الوعي ودعوة للتعرف على النفس من قبل من وصل لهذه المرحلة مع أسلوب تهكمي حيوي فيه طرافة وظرف خاصة حين قال ( وعندما يتملكك شعورٌ بأنَّك من أكبر الناس الذين تعرفهم، فأنت مجازًا كذلك، ويا الله حسن الخاتمة )
    وإلى أن قال ( إن نسيت أنَّ مناسبة العشاء الذي حضرته قبل شهر عند أبي (فراس) كانت بمناسبة حصول ابنته على درجة الدكتوراة من جامعة (هارفارد)، بينما كنت تظنه صدقةً لوجه الله تعالى على روح خالته.)
    تهكم مع نوع من الحقيقة في محلها عن النمو الذي وصفه في مقاله من خلال الامثلة بمجموعة من التغيرات المتسلسلة التي تؤدي بالفرد إلى النضج واستمراره ليصل أعلى مراحله ثم يبدأ بعد ذلك بالانحدار والاضمحلال. حيث إن مراحل نمو الإنسان تشتمل على الزيادة في اتجاه، ثم الاضمحلال في اتجاه آخر، فمثلاً تزداد الوظائف الحيوية لدى الإنسان وتستمر في الزيادة إلى أن يصل منتصف الخمسين من عمره، ثم تبدأ بعد ذلك بالاضمحلال ومنها الذاكرة والاهتمامات العقلية والعاطفية وهو ما أكده الكاتب القرشي هنا..
    بوركت قريحتكم أديبنا الفذ وسلمت أناملكم وحفظ الله يراعكم لهتون ودمتم بود ..

  5. اسعدني كثيراً تواجدي بصفحتكْ وقراءة ماكتبت اتشرف بمتابعتك وشكراً لك ولحضورك في هتون
    رئيسة العلاقات العامة في صحيفة هتون
    مها فهد العساف

  6. إن فقدت بهجة الأشياء، ورائحة الأماكن، ومتعة قربك من الأهل والأحبة والأصدقاء، فقد بلغت من العمر عتيًا، ولو كنت في الأربعين

  7. الشيخوخة ليست مجرد رقمٍ في سنوات العمر، ولا شيبًا يشتعل في الرأس والوجه فقط.

    الشيخوخة شعورٌ ومشاعرٌ، مظهرٌ ومخبرٌ.

  8. الله الله يا استاذ خلف ما اروع ما تخطه اناملك وما تمتع به اروحنا بجميل اختياراتك . سلمت يمينك واحسن الله اليك

  9. ان فقدت حس الاشياء ورونقها حتى لو كنت في ال 40…كلام 100 ميه لذلك لابد من ترويح القلب وترفيهه دوما

  10. نعم الشيخوخة غير مرتبطة إطلاقا بالعمر بقدر ما تكون مرتبطة بحركية وحيوية الشخص، فكلما كان نشيطا، معطاء، منتجا وإيجابيا مع نفسه ومع الآخرين كلما كان مفعما بالشباب والعكس صحيح.. بوركت..

  11. شكرا لا تفي بحقكم أصدقائي. وعذري أنه ليس في القاموس غيرها.
    تمنحون كتاباتي دائما بتعليقاتكم الجميلة والمحفزة روحا وقادة، وحياة فاعلة.
    جزاكم الله خير الجزاء، ونفع بكم، ووفقكم لما يحب ويرضى.

  12. ولصحيفة هتون الإلكترونية والقائمين عليها كل الشكر والتقدير والامتنان.

  13. هتون مختلفة اووي بمواضيعها ومقالاتها وكمان مفيش ناس عندها كتاب وكاتبات زي اللي هنا .
    مقال رايع اووي

  14. ماأحد يعرف متى يشيخ ؟
    فالانسان ليس بعمره فيه ناس اعمارهم صغيرة لكن تفكيرهم تفكير عجايز ومخهم متحجر مثل الاجداد وهم اعمارهم بعشرين او ثلاثين
    وفيه ناس اعمارهم فوق الستين
    وتفكيرهم تفكير شباب وفرفوشين ويلعبوا رياضة ويحكون حكي عاقل ومسلي
    فعبرة ليس بالعمر ابد
    موضوع جميل ورائع

  15. حق مؤلم ان نجد انفسنا وصلنا الشيخوخة ونحن في عز الشباب لكن يالله حسن الخاتمة
    شكرا للمقال والكاتب

  16. كل كبار السن يتسألون كقرناء عن احوالهم وكلن يتشكى للثاني مايعرف لهم احوال ويدعون انهم شباب في شباب

  17. ودي انك متكلم عن الشايب الذي يكون عرعر وشاخ لما يتراهق ويبدأ في مطارد الحسناوات وخاصة شيبان المغرب وأندونسيا الذين يلعبون عليهم البنات هناك ليسحبون فلوسهم وهالشيوخ والشيبان من الذين يبحثون عن الملذات والمغازل …. الله يكفينا شر النفوس الأمارة بالسوء

  18. فعلا العمر ليس بالسنوات
    وكما قلت
    الشيخوخة شعورٌ ومشاعرٌ، مظهرٌ ومخبرٌ.
    هذا المظهر يوجد من ليس في مرحلة الشيخوخة ويعيشه
    مقال مبدع

  19. لما تكتبه أثر جميل وزاهي وملون وكلما دخلت هذه الصحيفة الجميلة وسعدت بقراءة كتابات كثيرة ومنها كتابتك وكلماتك تلامس شيء في قلبي وفكري كثيراً ♡ أشكركم بعمق

  20. امتنان وشكر وافر لهذا المقال المتميز ويستحق الكاتب المدح وبذخ الإطراء والتقدير

  21. لم تترك لنا عذرا في واحدة عزيزي ابو سعد.
    كما انك سحبتني من فوري هذا الى القاموس ابحث عن ( جُذَيْلُها المُحَكَّك، وعُذَيْقُها المُرَجَّب).
    جميل وممتع في مقالاتك.

  22. تبارك الله.

    من أجمل ما قرأت هذا الشهر.
    مقالة تمس شريحة عريضة من المجتمع على اختلاف مواقعهم واحوالهم المادية.
    حفظك الله ورعاك وسدد إلى الخير خطاك.

  23. عندما تقتنع بالدعايات، وتصدق المزايدين، ويكون الأمر عندك سيان سواءً قلت (نعم) أو (لا)!

  24. عندما لا تفرق أذنيك بين صوت همسات النسيم، وغناء عبد الحليم، ولا بين صوتي فيروز وأحلام فقد اقتربت ساعة الصفر.

  25. تعيد سرد حكاياتٍ تافهةٍ، وأخبارٍ عاديةٍ، ونكتٍ ساذجةٍ مرةً تلو أخرى، وتجد في ذلك متعةً وأيُّ متعةٍ.

  26. تُسَوِّف ترتيب فوضى أوراقك وأغراضك دونما سببٍ مقنعٍ.
    تستيقظ مبكرًا من غير ضرورةٍ، ويحرجك النعاس الغالب عليك، وأنت في مناسبة للتو وصلت إلى مكانها.

    ربما تشيخ وأنت ما زلت في ريعان شبابك..

  27. دائما ما أقف طويلا أمام تعبيراتك المبتكرة، وتشبيهاتك المثيرة أستاذنا، لا شيء يضاهي زاويتك في المتعة بالنسبة لي

  28. في الوقت الذي تشعر معه أن اليوم مثل أمس، وأمس هو نفسه غدًا، فقد هبت ريح منيتك، وأضحت أقرب إليك من حبل الوريد.

  29. الشيخوخة أو التعمّر هي عملية الهرم والتقدم بالعمر التي تصيب الكائنات الحية نتيجة تناميها.
    مقال حافل بالروعة شكرا

  30. الانسان كما النبات يبدأ بدرة وينتهي ثمرة ومن ثم الثمرة ان لم تؤكل تظل في مكانها حتى تشيخ وتموت

  31. ماذا بعد الطفولة؟ من جمال
    الا الشباب وعنفوانه
    ومن ثم الكهولة والختام
    مقال رايع بكل تفاصيله

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88