من وحي سورة الكهف/ أصحاب الكهف والرقيم ..لماذا؟
توقفت مليًّا عند قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف ٩]، وتساءلت -كما تساءل آخرون – أليس أولئك الفتية هم أصحاب الكهف؟ وهم أيضًا (أنفسهم) أصحاب الرقيم؟.
لماذا لم يكتفِ القرآن الكريم -وهو النص البليغ المبين – بالإشارة إلى واحدة من هاتين الصفتين؟ كأن يقول/ أصحاب (الكهف) فقط أو أصحاب (الرقيم) فقط؛ لأن المقصود هنا -كما هو واضح من سياق الآيات الكريمة – فئةٌ واحدةٌ فقط، وليس فئتين مختلفتين. علمًا بأنَّ القرآن الكريم قد قال: أصحاب الجنَّة/ أصحاب النار/ أصحاب الجحيم/ أصحاب الأيكة/ أصحاب الحجر / أصحاب الرَّس/ أصحاب الأخدود؟ مكتفيًا بإضافة مفردة (أصحاب) إلى شيءٍ واحدٍ فقط.
يبدو لي -والله أعلم وأحكم – أن القرآن الكريم يشير لمرحلتين زمنيتين مختلفتين في حياة أولئك الفتية أنفسهم، وكل مرحلة فيها معجزة من نوع ما:-
الأولى: مرحلة (الكهف)، وهي مرحلة غياب.
الثانية: مرحلة (الرقيم) وهي مرحلة حضور.
وإن شئت قلت:
نومٌ مقابل يقظةٌ،
فقدٌ مقابل عثورٌ،
غيبٌ مقابل شهادةٌ،
موتٌ مقابل حياةٌ،
سِرْيَةٌ مقابل علنيةٌ،
جهلٌ مقابل علمٌ،
ظنٌّ مقابل يقينٌ،
تخفي مقابل تجلي،
سكونٌ مقابل حركةٌ.
إن دخول أولئك الفتية ذلك الكهف، ومكثهم فيه ثلاثمائة وتسعة أعوام معجزة ربانية .. وأي معجزة!
كما أن العثور عليهم، ووضع رقيم (كتابة، لوح، نقش) على كهفهم ينبئ عن خبرهم، أو حتى ملاحظة ذلك (الرقيم) على ذلك الكهف من قبل المحيطين بهم، معجزة أخرى!
الرقيم: علامة، إشارة، دلالة عليهم، ومن يدري، فلربما لولاه ما كانت قصتهم لتعلم، ويتعلم منها؟.
في مرحلة (الكهف) اختفى الفتية، بينما في مرحلة (الرقيم) ظهروا وبانوا للعيان.
في المرحلة الأولى أخفوا دينهم عن قومهم، وفي المرحلة الثانية ظَهرَ ذلك الدين وعُلِمَ، ثم إنَّه ما كان يمكن لبقائهم نومًا في كهفهم طيلة تلك السنين أن يكون آيةً ومعجزةً لقومهم، ولمن بعدهم، لو لم يعثر عليهم، (وكذلك أعثرنا عليهم)، في بدء مرحلة(الرقيم).
إنَّ قرار اتخاذ (مسجد) عليهم من قبل الذين غلبوا على أمرهم، يأتي امتدادًا لمرحلة (الرقيم) تلك.
لقد كانوا في رحم (الكهف) وظلمته، لينتقلوا بعد ذلك إلى (فم) الكتابة والإخبار، و(لسان) الذيوع والانتشار.
أليس الرَحِمُ (ظلمةً) تحيط بالجنين، الذي يستقبل عند ومع خروجه من ذلك الرحم، لحظة الولادة أول (النور)؟.
وثمة بعد آخر ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار هنا، ألا وهو أن كل دعوة حقٍّ لابد لها أول أمرها أن تبدأ بمرحلة(الكهف)؛ رمز السرية والخفاء، حتى يأذن لها الله، وتتيسر الظروف لتعلن عن وجودها، وتطلب من الناس اتباعها من منطلق (استعينوا على حوائجكم بالكتمان).
ولنا في دعوته عليه الصلاة والسلام أسوةٌ حسنةٌ، تلك الدعوة التي بدأت ب/ في (كهف) غار حراء، و (يا أيها المدثر) و (يا أيها المزمل)، وباجتماعات سريةٍ أو شبه سريةٍ في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وبعد فترة من الزمن انتقلت إلى مرحلة (الرقيم)؛ (فاصدع بما تؤمر، وأعرض عن المشركين)، و (إنا كفيناك المستهزئين)، (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس).
ومقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند هجرته – إن صحت – (من أراد أن تثكله أمه، أو ييتم ولده، فليتبعني خلف هذا الوادي) كل ذلك وكثيرٌ غيره كان في مرحلة (الرقيم).
أصحاب(الكهف) كانوا فتيةً صغارًا غير معروفين أو مؤثرين، ولكنهم في مرحلة(الرقيم)، أضحوا رموزًا وعظماء يشار لهم بالبنان، وتشيد لهم الصروح الشامخة؛ لذا، فعلى أي داعيةٍ للخير والحق والتغيير نحو الإيجابية والقيم الحقة، ألا يستعجل النتائج، وألا يحرق المراحل أو يقفز فوقها.
إن قصة أولئك الفتية معجزةٌ في مرحلة (الكهف)، وفي مرحلة (الرقيم) أيضًا، وهي أكثر إعجازًا عندما يتم الجمع بين المرحلتين.
☘️☘️☘️☘️☘️
بقلم الأديب العربي/ خلف بن سرحان القرشي
#خلف_سرحان _القرشي
السعودية – الطائف – ص. ب 2503 الرمز البريدي 21944
تويتر @qkhalaf
روائع تحليلية من مختص وأديب مبتكر ومبدع
القصص القرآني أورده الحق سبحانه وتعالى لمجموعة من الاعتبارات منها ما نعلمه وكثير منه لا نعلمه استأثر الله عز وجل بعلمه.. وقد أجليت لنا أستاذ بعضا من هذه ال.. تسلمعتبارات والكم
مقالة تستحق القراءة أكثر من مرة.. بورمت
بوركت وبوركت أناملك.. شكرا جزيلا..
كل مقالاتك رائعة تستحق القراءة أكثر من مرة، لننهل من فوائدها العظيمة
موضوع غاية في الروعة
مقال ممتاز
شيء رائع فعلا
مقال جميل جدا استاذ خلف تسلم ايدك يا مبدع
معلومة جديدة وجميلة كل يوم نشوف ونتعلم شئ مفيد
احسنت استاذي كل كلمه له الف تحية وتقدير
القصص في القران له اثر وراحة على النفس وخصوصا عندما يتم تفسيرها
شكرا جزيلا لكم قرائي الأعزاء.
كلماتكم تسعدني، وتحفيزني لمزيد من العطاء الذي يليق بوعيكم الراقي.
وعسى أن أكون عند بعض ظنكم الجميل بي وبكتابتي المتواضعة التي تستمد قوتها وجمالها من بعد الله عز وجل ثم من هذا التفاعل المختلف.
فخر لأي كاتب أن يكون قرأؤه (أنتم).
وشكرا لصحيفة هتون الإلكترونية إدارة وتحريرا على اهتمامهم المقدر.
الله اكبر
هذا المقال يعد مجموعة من المراحل التعليمية بل اكثر من ذلك
شكرا شكرا شكرا
على ما تكتبه يدك من ابداع وتنوير وتشويق
ممتاز مقال رائع ومدهش
جيد وممتاز
ومازال القرآن يدهشنا بروعته
شكرا لصحيفة هتون علي هذا الابداع
ومازالت سورة الكهف تتحفنا بمعاني جديدة في كل عصر
مقال يستحق التامل والتبصر
كلام في الصميم
إن قصة أولئك الفتية معجزةٌ في مرحلة (الكهف)، وفي مرحلة (الرقيم) أيضًا، وهي أكثر إعجازًا عندما يتم الجمع بين المرحلتين.
هكذذا هي القراءات الادبية..تتحفنا بكل جديد
شكرا لادارة صحيفة هتون علي هذا الابداع
الله الله علب هذا النص العجايبي
وفقكم الله
سلمت يداك اديبنا المميز القرشي
هكذاوهي صحيفة هتون تتالف وتتفوق
بسم الله .. ماشاء الله
جميل جدا
الكلمتين المتتاليتين في الاية الكريمة تضع القارئ في حيرة من الامر هل اصحاب الكهف والرقيم نفس الاشخاص مع تغير السنين والاعمار ام هم فرقة ثانية ..عموما اغتقد والله اعلم ان السواد الاعظم من المفسرين يجزم بما راح اليه اديبنا الاستاذ خلف انهم نفس الاشخاص مع تغير السنين …السورة الكريمة كلها عبر وعظات ، نحن وفي عصرنا الحاضر بالذات في حاجة ماسة لقراءتها وفهمها …اكرر شكري الكبير لكم ابا سعد ..لا حرمنا الله ابداعاتكم
إن قصة أولئك الفتية معجزةٌ في مرحلة (الكهف)، وفي مرحلة (الرقيم) أيضًا، وهي أكثر إعجازًا عندما يتم الجمع بين المرحلتين.
أليس الرَحِمُ (ظلمةً) تحيط بالجنين، الذي يستقبل عند ومع خروجه من ذلك الرحم، لحظة الولادة أول (النور)؟.
إن دخول أولئك الفتية ذلك الكهف، ومكثهم فيه ثلاثمائة وتسعة أعوام معجزة ربانية .. وأي معجزة!
كما أن العثور عليهم، ووضع رقيم (كتابة، لوح، نقش) على كهفهم ينبئ عن خبرهم، أو حتى ملاحظة ذلك (الرقيم) على ذلك الكهف من قبل المحيطين بهم، معجزة أخرى!
أصحاب(الكهف) كانوا فتيةً صغارًا غير معروفين أو مؤثرين، ولكنهم في مرحلة(الرقيم)، أضحوا رموزًا وعظماء يشار لهم بالبنان، وتشيد لهم الصروح الشامخة؛ لذا، فعلى أي داعيةٍ
أصحاب(الكهف) كانوا فتيةً صغارًا غير معروفين أو مؤثرين، ولكنهم في مرحلة(الرقيم)، أضحوا رموزًا وعظماء يشار لهم بالبنان، وتشيد لهم الصروح الشامخة؛ لذا، فعلى أي داعيةٍ للخير والحق
بارك الله فيك استاذ
تفسير مميز جداً وفوائد بمعلومات جديدة يسلموو على المقال الرائع
ممتاز
الشكر لصحيفة هتون بالتوفيق ان شاء الله
إبداع ماشاء الله
بارك الله فيك
شئ جيد للغاية
مبدعون كالعاده بالتوفيق ان شاء الله
تحليل مميز
سلمت يداك أستاذ خلف
رائع جدا
جميل جدا
أبدعت أستاذ خلف
بارك الله في علمكم وفي فهمكم أستاذنا
أمتعتنا والله بهذا التحليل الرائع أستاذ خلف
نفع الله بكم وبعلمكم أستاذ خلف
أحسنت أستاذ خلف تحليل غاية في الروعة
تفسير رائع وتفريق بين معنيين عظيمين
رائع جدا
سلمت يداك أستاذ خلف
تفسير مميز جدا
شكرا استاذ خلف
مقال ممتاز
يستحق الشكر الكاتب
جميل وقصة اهل الكهف قصة مميزة يسعدني متابعتك استاذ خلف
مقال عبرة وموعظة
دائمامبدع أديبنا أبوسعد
تحليل مُقنع ومنطقي ومفصّل وجميل جداً من أديب وأريب له نظره ثاقبة وواسعة في فهم وقراءة مابين السطور ، موضوع مميز وقراءة شيّقة تحثّ القاريء على التدبر والتفكر في معاني القرآن الكريم ومقاصده وأحكامه,لا مجرد التلاوة ..
ويكفينا قوله تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ }.