إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

القرشي ……والطريق التعب! ( منقول )

صحيفة الجزيرة  العدد 8365  الصادر يوم الخميس الموافق (  28-3-1416هـ /  24-8-1995م  ص9. كتبه الكاتب والناقد السعودي خليل إبراهيم الفزيع .تم إعادة نشره لارتباطه بما يخص الحديث عن الأديب خلف بن سرحان القرشي ..

بادئ ذي بدء لا بد من الإشارة إلى أن “الطريق التعب” هي مجموعة قصص قصيرة ترجمها للعربية الأستاذ خلف سرحان القرشي عن الإنجليزية وتمثل نماذج من الأدب الإنجليزي والأمريكي والروسي والفرنسي والمكسيكي، فمن بلاد الإنجليز اختار ثلاث قصص هي: (أبدا) من تأليف: “هـ. أ. بيتس”. و (السفرجلة اليابانية) من تأليف: “جون جالزوورذي”. و(التابع) من تأليف: “جون. كولير”. أما من الأدب الأمريكي فاختار أربع قصص هي (القلب المخبر) من تأليف: “ادجر ألن بو”  و(الطريق التعب) من تأليف: “يدورا ويلتي” وهي التي اختارها عنوانا للمجموعة. و(مطالب)  لـ “جريس بيلي” و(قصة ساعة) لـ “كيت تشوبن”، أما من الأدب الروسي فقد اختار المترجم ثلاث قصص هي: (أيد من ذهب) لـ “فيدورابراموف”.,(المشكلة الوحيدة) لـ “ميخائيل زوشتشنكو”  و(شقائق النعمان) لـ “يفجيني نوسوف”، ومن الأدب الفرنسي اختار المترجم قصة “جي دي موباسان”: (رجل عجوز)، ومن الأدب المكسيكي اختار قصة “أوكتافيو باث”: (الباقة الزرقاء). وجميع ترجمات هذه القصص سبق نشرها في الصحف المحلية قبل جمعها لإصدارها ضمن مطبوعات نادي الطائف الأدبي.

والترجمة في أدبنا المحلي، لم تحظ بعد باهتمام كتابنا وخاصة المجال الإبداعي وبالذات القصة. فالأعمال المترجمة ضمن حركتنا النقدية محدودة جدا، ففي الوقت الذي نشطت فيه حركة الترجمة في المجالات العلمية وبشكل نسبي، ظلت الترجمة في المجالات الأدبية محدودة وقاصرة على الجهود الفردية، وكما أحسن المترجم صنعا بإقدامه على هذا العمل الأدبي واختياره لهذه النماذج المتميزة، فقد أحسن نادي الطائف الأدبي صنعا أيضا عندما تبنى إصدار هذه المجموعة ضمن مطبوعاته.

وإذا كانت الحاجة ملحة لترجمة نماذج من آداب الشعوب الأخرى، لكن العبرة هنا ليست في الترجمة، فكثيرة هي الكتب المترجمة التي تزدحم بها المكتبات لكن القلة منها هي التي يتم اختيارها بعناية واهتمام كبيرين كما نرى في (الطريق التعب)، لأن تلك الترجمات يغلب عليها الطابع التجاري الذي لا يراعي العديد من الاعتبارات التي تتمسك بها وفق المنظور الأخلاقي العام.

من أجل ذلك يمكن القول أن العبرة في حسن الاختيار للنماذج المترجمة، وكما هو عنوان الكتاب فإن (الطريق التعب) لا يتمثل في فقط في رحلة العمة (فينيكس) إلى المدينة لجلب الدواء لحفيدها الصغير، ولكنه يتمثل أيضا في الاختيار الصعب للنماذج المترجمة، فهذا طريق تعب آخر اختار المترجم اجتيازه واثقا من حسن اختياره ومن قدرته على بلوغ هدفه.

وكما يقول المترجم عن اختياره لهذه القصص في المقدمة التي كتبها لهذه الغاية: (وجدت في كل قصة منها أكثر من قيمة فنية وأكثر من بعد ورؤية إنسانية عميقة، مما ولد عندي رغبة ملحة في ترجمتها ليجد فيها قارئ العربية مثلما ما وجدت عند قراءاتي لها في نصها الإنجليزي، وكل ما أرجوه أن تكون الترجمة أمينة في نقل كل أو بعض ما حوته كل قصة من إبداع ورؤى جميلة تستحق القراءة والتأمل).

وقد اتبع المترجم   كل قصة بنبذة عن حياة المؤلف، وحقق بذلك فائدة التعريف بهؤلاء الكتاب الذين اختار نماذج من إنتاجهم يرى أنها جديرة بالاختيار، وقد يكون بين هؤلاء  من هو غني عن التعريف لكثرة ما ترجم له إلى العربية مثل (اجار الن بو) و (جي دي موباسان) و(هـ.أ. بيتس)، ولكن هذه التراجم المختصرة إنما هي من باب تعميم الفائدة وخاصة لمن لم يسبق له الاطلاع على إنتاجهم ولم يعرف شيئا عن حياتهم وسيرهم الذاتية.

ومع صعوبة استعراض قصص هذه المجموعة… يمكن القول أن هذه القصص يجمع بينها ذلك النفس الإنساني الرفيع الذي يسمو بأحداثها عن الوقوع في محظور الابتذال والنمطية والتكرار من خلال تركيزها على الجوانب الإنسانية التي لا يملك المتلقي إلا أن يتعاطف معها بشيء غير قليل من العناية، وهذا هو سر عظمة الإبداع وضمان استمراره عبر الأجيال كتجربة إنسانية حية، تنبض بديناميكية يزيدها الزمن توهجا وتألقا مهما تقادم هذا الزمن.

لقد خاض الأستاذ خلف سرحان القرشي هذه التجربة بشجاعة يفتقدها الكثيرون ممن يملكون القدرة على الترجمة، لكنهم يفتقدون شجاعة الإقدام عليها، تاركين تلك الترجمات الهزيلة الوافدة تملأ أسواق الكتاب المحلي، وهو أمر لم يكن متاحا لولا خلو الساحة من التراجم الإبداعية المنتقاة بعناية ووعي.

لقد أغرقت الترجمات التجارية للأعمال الإبداعية العالمية المكتبات بنماذج رديئة الترجمة، كما قدمت بعض دور النشر في بعض العواصم العربية بعض النماذج لأدب الرخيص بترجمتها من منطلق نجاحها التجاري بين أوساط أنصاف المثقفين، وهذا أمر لا بد أن تتصدى له المؤسسات الثقافية باختيار النماذج الناجحة إبداعيا، مع فرض حصار شديد لمنع تداول أي عمل مترجم تحت شعار الثقافة العالمية، ما لم تتوفر فيه شروط النجاح الإبداعي وما لم تتوفر فيه  شروط النجاح الإبداعي  وما لم تتوفر في ترجمته شروط الترجمة الناجحة.

لقد كانت ترجمة الأستاذ القرشي مكتوبة بلغة رصينة وقوية، مما أضفى على هذه القصص متعة الاستمتاع، والتحليق في تلك الأجواء التي أرادها كتاب تلك القصص لقراء قصصهم في لغاتها الأم. والذين يتابعون الأعمال المترجمة يلاحظون إلى أي حد تؤثر لغة المترجم في العمل الإبداعي المترجم، وإذا كنت قارئا متذوقا للأساليب الفنية الراقية، فإن ذوقك الفني سيرفض وبشكل تلقائي ذلك التنافر الناتج عن قوة النص في لغته الأصلية، وضعف الترجمة بسبب ضعف لغة المترجم.

ومع الأسف الشديد، أو لنقل مع شديد الأسف إن بعض دور النشر في بعض العواصم العربية، ما إن تظهر رواية جديدة لأحد الكتاب المعروفين في العالم إلا ويسارعون لترجمة هذه الرواية وطبعها وتوزيعها، وهم في هذا السباق المحموم لكسب أولوية النشر…يلجأ ون إلى توزيع صفحات الكتاب بلغته الأصلية على عدد من المترجمين، وان لم تكن لهم علاقة بالأدب، وتكون النتيجة ظهور طبعة هزيلة ومتنافرة الأسلوب ومتفاوتة المستوى في الترجمة… مع أنها في لغتها الأصلية ذات مستوى أفضل بكثير مما آلت إليه بسبب الترجمة وعند مقارنة عدة ترجمات لعمل إبداعي واحد  تتضح فداحة الخسارة التي يتحملها الأدب بسبب هذا العبث.

لقد اختار الأستاذ خلف سرحان القرشي (الطريق التعب) وأملنا كقراء أن يواصل السير في هذا الطريق التعب ليقدم لنا نماذج أخرى رائعة من آداب الشعوب الأخرى، ليساهم بذلك في إثراء ساحتنا الثقافية في جانب من جوانب الإبداع لا يزال بحاجة إلى عناية أكثر من قبل المعنيين بهذا الأمر من أدباء ومثقفين ومؤسسات ثقافية مختلفة.

نقلا عن الجزيرة.   كتبه / خليل إبراهيم الفزيع

مقالات ذات صلة

‫22 تعليقات

  1. الترجمة أدب نبيل يقرب ما بين الشعوب والأستاذ خلف يقوم بهذه المهمة أحسن قيام وأستاذنا الناقد خليل الفزيع يوثق لذلك.. الشكر موصول لهما معا تحياتي..

  2. عرفنا الأستاذ خلف القرشي أديبًا مبدعًا، ويبدو أن الأمر ليس بجديد أبدًا عليه

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88