الكلمة سلاح ذو حدين .. فأحسنوا استخدامها
الكلمة ليست مجرد حروف متشابكة، ولا خطوط تخطها الأقلام على الأسطر، ولا أصوات نطلقها، بل الكلمة معنى ندركه، وأثر نتركه، الكلمة مسؤولية نتحملها وأمانة نؤديها، الكلمة رسائل موجهة تحتويها القلوب، وتستوعبها العقول، وتترجمها الأنامل، فتترك آثارها على السطور، ليتلقاها المتلقي، فتتغلغل داخل نفسه تاركة أثرًا كبيرًا بداخلها.
فكم من كلمات كان لها دور فى الحرب والسلم، والنزاع والوفاق، والقرب والبعد، والحل والعقد، والبناء والهدم، والوعى والتخلف، وكم من كلمة رفعت شخصاً، وحطّت من قيمة آخر، وكم من كلمات أسعدت النفوس، وكلمات أخرى كانت سبباً فى التعاسة وانتشار الكره والبغض بين الناس.
الكلمة على مدى التاريخ الإنساني فتحت بلاداً، وهزمت جيوشاً، وقد دخل الناس الإسلام في عصر النبوة بالكلمة، وكان القرآن معجزة رسولنا الكريم – عليه الصلاة والسلام -، إذ اعتمد على بلاغة الكلمة في الوصول إلى عقول الناس وقلوبهم، فكان ذلك سر إعجازه أمام أمة اشتُهرت بفصاحتها وبلاغتها، بل أمام أفضل قبائلها فصاحة وبلاغة.
فللكلمة سحر خاص، وتأثير في النفوس يفوق تأثير الأفعال أحياناً، فكل شيء في الكون كانت بدايته كلمة، بدء الخلق كان بكلمة (كن فيكون) من الله سبحانه وتعالى، وآيات الله في كتابه الكريم بدأت بكلمة، أول لقاء يبدأ بكلمة، أول إحساس تؤكده الكلمة، وقد تؤدي كلمات إلى تحقيق المستحيل، بكلمة طيبة تصنع إنساناً ناجحاً، وبكلمة تحطمه وتهدم أحلامه، بكلمة تبني مستقبل، وبكلمة تحطم أجيالاً. إذن فكلماتنا الجميلة هي مثل الهدايا.. يستحسن أن نقدمها مغلّفة بغلاف جميل حتى تسر الذين نقدمها إليهم. وكلماتنا الناقدة مثل وخزات الإبر، يفضل أن لا تكن موجعة للدرجة التي تجرح سامعيها.
الكلمة تعد أعظم ما في الوجود بعد الله سبحانه وتعالى، ويظهر ذلك جلياً عندما نعلم أنَّ الله خلق هذا الكون بكلمة (كن)، وتستمدّ الكلمة قوَّتها من المصدر الذي تنتسب إليه، فكلام الله ليس ككلّ كلامٍ، وكلمات الحقّ المستمدة جذورها منه ليست ككلام الباطل، ومن هنا جاء قوله تعالى مقارناً بين كلمةٍ طيبةٍ تمثل الحقّ ونهجه، وأخرى خبيثة، تمثل الباطل وسبله، فقد قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ)[إبراهيم:24ـ26]. وهكذا يظهر لنا ما تتقوّى به الكلمات وما تضعف به.
والكلمة تستمد قوتها من قوة استنادها على الحق والصدق، واتباع الدليل والبرهان والمنطق، وحسن صياغتها وخلوها من التناقض، وتَمتُّع صاحبها بالحكمة والقوة والشجاعة والثقة بالنفس، وتضعف حينما ينتهج صاحبها نهج الكذب واتباعه للهوى والظن وعدم اتباعه للحكمة.
ولذلك لا يمكن الاستهانة بقوة تأثير الكلمة في حياتنا، وكيف نستهين بها وهي قادرة على أن تجعل من حياتنا جنة في لحظة، أو تقلبها إلى جحيم لا يطاق، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم).
إذن فالكلام من النّعم الكبرى والفضلى الّتي كرَّم الله بها الإنسان، هو عنوان جماله: “جمال الإنسان في اللّسان”، كما قال رسول الله(ص)، وهو الميزة التي ميّزه الله بها على سائر خلقه، وقد رُبِط الإيمان به، وفق ما أشار إليه الرسول(ص): “لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتَّى يستقيمَ قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه”.
فاستقامة اللّسان شرطٌ أساسي لاستقرار الحياة وأمانها، وشرطٌ لنموّها الصّحيّ والسّليم، كما هي شرط لبلوغ الإيمان والوصول إلى درجاته العُلى.
أمّا عدم استقامة اللّسان، فيحوّله من كونه نعمة من أكبر النّعم، إلى نقمةٍ في الدّنيا والآخرة.
لقد نشأنا على أن الكلمة سلاح ذو حدين، أحدهما نافع والآخر قاتل، وتعلمنا ألا نتفوه بكلمة إلا إذا استوعبنا معناها وتأثيرها على الآخرين جيداً، ولكن مع مرور الوقت والتقدم المطرد في وسائل الاتصالات وتعدد وتنوع مواقع التواصل الاجتماعى، بالإضافة إلى توفير طرق جديدة للمراسلات أسرع وأوسع انتشاراً، جعل هناك سباق محموم بين المفكرين والأدباء والإعلاميين والصحفيين والمثقفين لنشر الآراء والأخبار والصور، أو أقوال الحكماء دون التأكد من صحتها فتتمخض في النهاية لتنجب معلومات مشوهة قد تتسبب في كوارث.
فسهولة توصيل الكلمة عن طريق تلك المواقع والتي قد يتم نقلها من مكان لآخر ربما في بعض الأوقات دون قراءتها وتفهم معانيها، أفقد الكلمة وزنها وأهميتها، هذا إلى جانب اتساع دائرة نشر الخبر من صحف ورقية إلى أخرى إلكترونية، ومن قنوات تليفزيونية محلية إلى قنوات فضائية محلية ودولية، قلَّ شأن الكلمة عند الكثيرين؛ فكثرت الأخبار والتحليلات والأحاديث والحوارات والمداخلات، وقلت المعاني الطيبة والمصداقية والشفافية.
وعليه، فالكلمة مسؤولية كبيرة يجب أن نتعلم كيفية التعامل معها، فرُبَّ كلمة نابية أدت إلى خصومة، ورُبَّ كلمة جافية فرقت شمل أسرة، ورُبَّ كلمة طاغية أخرجت الإنسان من دينه، والعياذ بالله، ورُبَّ كلمة حانية أنقذت حياة، ورُبَّ كلمة طيبة جمعت شملاً، ورُبَّ كلمة صادقة أدخَلت الجنة، جعلني الله وإياكم من أهلها.
اللهم إنا نسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، وفي الجد والهزل، اللهم إنا نسألك الخير كله عاجله وآجله، ونستعيذ بك من الشر كله عاجله وآجله، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.
☘??☘??☘??☘??☘
بقلم/ جيهان السنباطى
صحيح الكلمة يجب أن نختارها وندقق الاختيار حتى لا نظلم أو نجرح.. جاء في الجديث “إن الرجل ليقول الكلمة وهو لا يلقي لها بال وهي تهوي به في نار جهنم سبعون خريفا”..
ودذبر لنا يا مولانا فإننا لا نحسن التدبير..
بوركتي أستاذة جيهان السنباطي وبوركت أناملك موضوع ذو أهمية كبيرة..
موضوع يستحق القراءة أكثر من مرة لأنه يلامس في الصميم نبض المجتمع..
الكلامه مثل الرصاصة يمكن ان تقتل اوتجرح ممتاز التعبير ات الموجود. في المقال
كلام حضرتك بيعبر عن الواقع اللي اصبحنا بنعيشه فيوكل لحظة في حياتنا
وسبحان الله الكلامه الطيبة صدقة ما اجمل هذا الدين العظيم
للكلمة وقع خاص على النفوس لذا وجب على الجميع انتقاء الكلمات التي تدعو الخير وتمجد التعاون وتلم الشمل،، شكرا جزيلا لك..
موضوع مميز جدا
الكلمه الطيبه صدقه
الشكر لصحيفة هتون بالتوفيق ان شاء الله
بارك الله فيكي سلمت يداك
شئ جيد جدا
للاسف طلام واقعي جدا