جيل الغدقصص وأناشيد

الفاروق .. اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك

عمر بن الخطاب، لم يكن ذو شهرة ولا من أصحاب الرياسة في قريش بل كان فظا غليظا، يجتمع نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي، فهو قرشي من بني عدي. وكنيته أبو حفص، والحفص هو شبل الأسد، كناه به النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر. ولقبه عليه السلام بالفاروق يوم إسلامه، فأعز الله به الإسلام، وفرق به بين الحق والباطل.

نشأ أبو حفص في مكة، من بيت عرف بالقوة والشدة، كما كانت إليه السفارة في الجاهلية. إذا وقعت بين قريش وبين غيرها حرب، بعثته سفيرا يتكلم باسمها، وإن نافرهم منافر، أو فاخرهم مفاخر، بعثوا به منافرًا عنهم ومفاخرًا بهم.

وكان رضوان الله عليه طويلا بائن الطول، حسن الوجه، غليظ القدمين والكفين، أصلع، خفيف العارضين، شديد الخلق، ضخم الجثة، قوي البنية، جهوري الصوت. قالت فيه الشفاء بنت عبد الله: كان عمر إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو الناسك حقا.

كان من أنبه فتيان قريش وأشدهم شكيمة، شارك فيما كانوا يتصفون به من لهو وعبادة.. فشرب الخمر، وعبد الأوثان واشتد بالأذى على المسلمين في سنوات الدعوة الأولى، وكان يعرف القراءة والكتابة.

أسلم في السنة السادسة من البعثة، حينما دخل بيت أخته فاطمة وسيدنا خباب بن الأرت يقرؤها سورة طه. ومنذ أسلم انقلبت شدته على المسلمين إلى شدة على الكافرين، ومناوأة لهم، وقد استجاب الله به دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم إذ قال: ”اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: أبي جهل بن هشام أو عمر بن الخطاب”.

كان في صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم مثال المؤمن الواثق بربه، المطيع لنبيه، الشديد على أعداء الإسلام، القوي في الحق، المتمسك بما أنزل الله من أحكام. شهد المعارك كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ”إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وفرق الله به بين الحق والباطل”.

فكان ذا رأي سديد وعقل كبير، وافق القرآن في ثلاث مسائل قبل أن ينزل فيها الوحي.

ومنها رأيه في تحريم الخمر، فنزل تحريمها بقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”.

وكان من رأيه عدم قبول الفداء من أسرى بدر، فنزل القرآن مؤيدا رأيه، كما أشار على النبي باتخاذ الحجاب على زوجاته أمهات المؤمنين فنزل القرآن بذلك.

ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جزع لذلك جزعا شديدًا، حتى زعم أن رسول الله لم يمت، وأنه ذهب يناجي ربه وسيعود للناس مرة أخرى، وأعلن أنه سيضرب كل من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.

وهكذا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمثل الشدة على أعداء الله من مشركين ومنافقين، وكان إذا رأى أحداً أساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقول أو فعل، قال لرسول الله: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق.. وقد شهد له رسول الله بالجنة، وهو أحد العشرة المبشرين بها.

وكان عمر في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وزير صدق، ومساعد خير، به جمع الله القلوب على مبايعة أبي بكر يوم اختلف الصحابة في سقيفة بني ساعدة، وكان إلهاما موفقا من الله أن بادر عمر إلى مبايعة أبي بكر، فبادر الأنصار والمهاجرون بعد ذلك إلى البيعة.

ولقد كان أبو بكر أجدر الصحابة بملء هذا المكان الخطير  بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لقد علم الصحابة جميعا أن الرسول حين استخلف أبا بكر على الصلاة إنما أشار بذلك إلى أهليته للخلافة العامة، ولكن فضل عمر في مبايعة أبي بكر، إنما كان في حسم مادة الخلاف الذي كاد يودي بوحدة المسلمين، ويقضي على دولة الإسلام الناشئة.

وكانت شدة عمر في حياة النبي عليه السلام ، هي نفسها في حياة أبي بكر، فأبو بكر كان رجلًا حليمًا تملأ الرحمة برديه، ويغلب الوقار والعفو على صفاته كلها، فكان لا بد من رجل قوي الشكيمة كعمر، يمزج حلم أبي بكر بقوة الدولة وهيبة السلطان.

فكان عمر هو الذي قام هذا المقام، واحتل تلك المنزلة، ولذلك كان أبو بكر يأخذ برأيه، ويعمل بقوله. فقد أمر أبو بكر يوما بأمر فلم ينفذه عمر، فجاءوا يقولون لأبي بكر: والله ما ندري: الخليفة أنت أم عمر؟ فقال أبو بكر: هو إن شاء!

وتولى عمر الخلافة بعد وفاة الصديق، وهي أشد ما تكون حاجة إلى رجل مثله، المسلمون يشتبكون في حروب طاحنة مع فارس والروم، والبلاد الإسلامية التي فتحت تحتاج إلى ولاة أتقياء أذكياء يسيرون في الرعية سيرة عمر في حزمه وعفته وعبقريته في التشريع والإدارة، فتوسعت في عهده الدولة الإسلامية، وكان من عدله أن أصبح مضرب المثل في العدل، فأُثر عنه أنه قال: “ويلك يا عمر، لو أن بغلة تعثرت في العراق لسُئل عنها عمر لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق؟”.

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمنى من ربه دائمًا أن يرزقه الشهادة، لما علم ما للشهداء من أجر ومنزلة، وقد علم الله تبارك وتعالى إخلاص عمر ورغبته في الشهادة رغبة صادقة، فبشره بها عن طريق نبيه عليه الصلاة و السلام، وأكرمه بالشهادة على يد شر الخلق أبي لؤلؤة المجوسي الفارسي، وقد رأى عمر بن الخطاب في منامه أنه يقتل، فجاءت رؤياه كفلق الصبح.

فقام وخطب بالناس في يوم الجمعة حامدًا الله ومثنيًا عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد أيها الناس، إني رأيت رؤيا لا أراها إلا حضور أجلي، رأيت أن ديكًا أحمر نقرني نقرتين، فحدثتها أسماء بن عميس، فحدثتني أنه يقتلني.

بينما كان عمر رضي الله عنه يريد أن يصلي بالناس، وأثناء تكبيره للصلاة إذا بالغلام أبو لؤلؤة المجوسي يتقدم إليه فيطعنه بخنجره ثلاث طعنات، كانت إحداها تحت سرته، فيمسك رضي الله عنه بيد عبد الرحمن بن عوف ليصلي بدلا عنه، ثمّ بدأ جرح عمر بالنزيف حتّى غشي عليه، فنقله الصحابة إلى بيته، ثمّ بعد أن أفاق من غشيته قال: أصلى الناس؟ فقالوا له نعم، فأكمل صلاته رضي الله عنه وجرحه ما يزال ينزف، ثمّ سأل عن قاتله فأخبر عنه، فحمد ربه أنّه جعل ميتته على يد رجل غير مسلم لم يسجد الله سجدة واحدة، وقد استأذن عمر رضي الله عنه السيدة عائشة في أن يدفن مع النبي عليه الصلاة والسلام فأذنت له، وعندما توفي غسله ابن عبد الله ثمّ صلى عليه المسلمون، ثمّ حمل على سرير رسول الله، ونزل في قبره ابنه عبد الله، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وقد كانت وفاته في السنة الثالثة والعشرين للهجرة، وعمره ثلاثة وستين سنة، وكانت مدّة خلافته عشر سنوات وستة أشهر وخمس ليال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88