إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

بناتي يعزّين في صاحبي

ها هي أفكار هذه الزاوية تنتصف في كتابتها إلّا قليلاً ، والنيّة إصدارها بين دفّتي كتاب متواضع يضمّ خمسين مقالةً ، يجمع أوراقها ، ويمزج أحبارها ، وينقّح إغراقها ، ويروي أشعارها ، ولم أكن عازماً على ذلك لولا إشارة صاحبٍ لي بذلك ، ففي اعتقادي جازماً أنّ قلمي لا يرقى لمعنى ومفهوم الكتابة الجاحظيّة أو الرافعيّة أو الزيّاتيّة التي أطمح إليها ، قد يكون ذلك لشدة شَباته ، وحِدة سِنانه أحياناً في النقد والطرح ، أو ربّما لشقّه درباً يميل أسلوبه اللغوي إلى الانحراف ، أو نمطه البلاغي إلى الانجراف ، وإن كنت أتوخّى الكتابة حتى الاحتراف ، فأعتذر إليكم إن كان من زَلَل ، وأستغفر الله من كلّ خَطَل ، لكنّي أحاول فأحاول حتى أصل للهدف الذي أنوي الصعود إليه وكفاني في ذلك اجتهاداً ، وبالمذَهْبِ الفصيح التزاماً !. ، قال الكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو : ” من مارس الكتابة يعرف أنه لا يرضى .. إلا عن الكتاب الذي لم يكتبه بعد ” ، وقال الأديب الروسي تشيخوف : ” اكتبوا .. واكتبوا بأكبر قدرٍ ممكن .. لا يهمّ أن يكون كلّ شيء جيداً .. سوف يتحّسن الانتاج فيما بعد ، لا تفرّطوا في شبابكم وفي مرونتكم “.

وما من كاتب إلّا ويعتريه حرف النقص ، وجُمل الوقص ، وخِداج الفقص ، والانتاج الجيّد يحتاج إلى وقت طويل ، والوقت يحتاج إلى صبر جميل ، والصبر من أدوات ومقلمة الإبداع ، والإبداع يُولد بكثرة الاطّلاع وغزارة الممارسة ، والتميّز يكون بهذين مع توفّر الموهبة ، ولا أدري هل أكمل كتابة مقالاتي فأقف على النافذة الخمسين حتى أجمعها ، أم تقف خطواتها الأسبوعية لسببٍ ما – ففي جَعبة القدر ما يخفى علينا تنبؤه – وذلك إمّا بتقلّص ظلّ إيحائها ، أو تجمّد فيض مِدادها ، أو تقطّع حبل إلهامها ، أو توقّف نبض  يراعها ، كما توقّفت نبضات قلب صاحبي – الناصح لي بجمعها – مفارقاً الحياة ، ليأبى قلمي إلّا وأن يغرس ذكراه الجميلة وخصاله العالية وطِباعه الراقية فسائلَ خضراء من أحرفٍ تُطريه ، بين صفحات الكتاب الذي أنويه ، فأرجو أن تكون في تَأْبِيْنِه وافية ، إذ لا أظنّ المقالة في تَقْرِيْظِه كافية.

فبالأمس كان معنا، تنهل من علمه ورود المستقبل ، وتبتني من فهمه أعمدة الوطن ، وتستضيء بطريقته صفوف المعرفة ، عرفته جاداً في عمله ، يغمر قلبه الحسّ الإنساني ، ويشغف حسّه الفكر التربوي ، كنت أتعلّم منه وأنا الأكبر منه عمراً ، وقد سبقني وهو الأقصر منّي عيشاً ، منذ عرفته أدركت قدره ، وقد زاد قدره بوفاء زملائه له ، وأسَفهم عليه ، وسؤال طلّابه عنه ، وتقديم لازم العزاء تجاه أهله ، سألت بعض طلّابه غير مرّة عنه : كيف كانت تعامله معكم ؟ ، قالوا : كان لا يلومنا على أخطائنا إلّا بالدعاء لنا بالهداية ، هكذا عرفته وأكثر وأحسبه والله حسبيه ولا أزكّيه على الله ، حيث لا أذكر مجلساً أكل فيه لحم ميتٍ بالغيبة ، ولا ذَلَقَ لسانه بالتملِّق والسفه والنميمة ، يرخي أذنيه إليك بالإنصات وكأنّك عنه المتكلّم ، فإن تكلّم نبس إليك بالعدل والحجّة ، لتقبس من حديثه نور الحكمة ، وتقتبس من خِلال رأيه الفطنة.  

فرحمك ﷲ يا أستاذنا أمين الغامدي وأسكنك ربّي فسيح الجنان فـ ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) فقد كنت أميناً في أداء عملك ، أميناً في إنجاز واجبك ، أمينًا على عقول طلّابك ، أميناً في تعاملك لزملائك ، وها هن بنات أفكاري يقدّمن واجب العزاء تجاهك ، وقد كنتَ من المحفّزين لهن ، ومن المعجبين بهن ، فلم يكن مرورك في هذه الدنيا إلّا عبوراً قليلاً ، أشبه بعبورنا معاً أيام الصبا في ( حيّ الصالحية ) بالرياض ، ولم تُكتب لنا المخالطة حينها ، لنفترق بعدها إلى أحياء بعيدةٍ ، فتجري بنا السنون تلو السنين ونلتقي مرة أخرى بعد معرفة ، تحت سقف مدرسةٍ واحدةٍ ، وفي تخصّصٍ علميٍّ واحدٍ، فما مضت سنتان من لقائنا وزمالتنا ومن ثمّ صحبتنا إلّا وأنت تعبر الدنيا بأجمعها ، لتفارق قلوباً عصرها الألم لرحيلك ، وامتطاها الحزن لسفرك ، وحلّ بها الأسى لبعدك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولله ما أخذ ولله ما أعطى وكلّ شيء عنده بحسبان ، وحسبنا ﷲ ونعم الوكيل.

رحل الأمينُ فأُذهـل الشعرُ

     فجرى اليراعُ لفقدهِ يبكي

وبنات فكـري من فجيعتها

     أمـست علـى أيامــهِ ترثي

يا صاحبي ماذا أقول وما

     لي حيلةٌ غير الدُّعا يُسلي

فاشرح عبوراً صرتَ سالكَهُ

     فالمـوت حقٌّ ، سرّهُ مخـفي

فأجابني والصمتُ منطِقهُ

    ولرُبَّ صـمتٍ ، حرفهُ يُثـري 

كم طالبٍ يُخطي فنُـفـهِمهُ

    والـمـوت يطلبنا ولا يُخـطي

والناسُ قد تمضي لغايتها

    والموت فيـهم غايةٌ تـمـضي

فاصلة منقوطة ؛

قال الشاعر السعودي غازي القصيبي :

تـبارك اللهُ ، نجـري كُـلـنــا زُمَـــراً

    نحو المنون ، ولا يبقى سوى الصمدِ

فقلْ لمن يعــشق الدنيا أتخطبها

    وهي الولودُ .. وغيـرُ الـموتِ لم تَلُدِ !!

———————————

إبراهيم الوابل – أبو سليمان

ibrahim7370@

الاثنين – الموافق

20 – 6 – 1440هـ

25 – 2 – 2019م

مقالات ذات صلة

‫30 تعليقات

  1. والناسُ قد تمضي لغايتها
    والموت فيـهم غايةٌ تـمـضي
    رحم الله صاحبك وأسكنه فسيح جناته وجزاك الله خيراً على وفائك ، مقال رائع بالفعل ، لا تتوقف وبالتوفيق لك أستاذنا دائما وأبداً وإلى الأمام

  2. غفر الله لأبي عبدالرحمن واسكنه فسيح جناته

    وجزا الله الكاتب خير الجزاء على الرثاء وحسن الصحبة

  3. كلمات معبره وأجال مقدره ونسأل الله المغفره

    فجعنا بموتك يا أمين
    وضجت قلوبنا بالأنين
    ونلهج لرب العالمين
    لقياك على سرر متقابلين

  4. رحمك الله أخي أمين وأنار الله قبرك وجمعنا بك في الفردوس الأعلى بصحبة خير الخلق أجمعين
    اللسان يعجز والعبرة تخنق والحروف تتوقف … لكن نسأل الله لنا الصبر والسلوان في فرقاك … ولا يسلينا ويصبرنا فيك إلا أنك في ظل أرحم الأرحمين وأكرم الأكرمين
    فياربي أكرم وفادته
    وجازا الله الكاتب خير الجزاء … ولا أقول إلا هنيئا لأخي أمين-رحمه الله- في مثل هؤلاء الصحبة

  5. إنا لله وإنا إليه راجعون الله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته
    (كل نفس ذائقة الموت)
    غفر الله لنا ولكم وأحسن خواتمنا
    عظم الله أجركم استاذ ابراهيم
    نسأل الله أن يجمعنا باهلينا واحبابنا في جنات النعيم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88