إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

يا معشر الكتَّاب: ويليام فوكنر.. يتحدث إليكم! (٢/٢)

أعزائي القراء الكرام/

في مقالي الأسبوع الماضي، قدمت لكم ترجمتي العربية لكلمة/ خطبة الأديب الأمريكي الشهير (ويليام فوكنر)، أثناء تسلمه جائزة نوبل للأدب عام 1950م، بعد تمهيد عَرَّفْتُ فيه بذلك الكاتب، وتطرقت لجوانب من سيرته الذاتية، وكذلك للظروف والأجواء التي زامنت تسلمه تلك الجائزة، وإلقائه تلك الخطبة التاريخية البليغة. وهذا رابط المقال السابق لمن يرغب في العودة إليه

[button color=”green” size=”medium” link=”http://www.alhtoon.com/101731/” ]اضغط هنا[/button]

وفي هذا المقال، أقدم لكم أيضًا ترجمتي لقراءة الناقدة الأدبية الأمريكية من أصل هندي (شاهين خان)، لتلك الكلمة/ الخطبة والتي تُجَلي فيها ما أوجزه (فوكنر) حيث تقول:

“يرى (فوكنر) أن من واجب الكاتب الناشئ أن يعي جيدا تلك المشكلات التي تزعج القلب والضمير. بيد أنه مشغول دومًا بمشكلات وهموم المجتمع والتي هي في الغالب مجرد مشاكل سطحية، وذلك لأن الكاتب يريد أن يبقى جزءًا من ذلك المجتمع الذي هو مجرد شظية صغيرة من الجنس البشري في عمومه، وبمجرد أن ينغمس الإنسان في مشاكل المجتمع تلك، فإنه يفقد بذلك إمكانية تكوين نظرة ثاقبة للحياة في عمومها. إنه يبحث عن موافقة المجتمع واستحسانه؛ ولذا تجده يكتب عن القضايا التي يستحسنها ذلك المجتمع؛ والذي هو عبارة عن مجموعة أناس يركزون على قضاياهم الشخصية، ويغفلون عن القيم الحقيقة للحياة.

الكاتب الناشئ يعتقد أنه إن لم يفعل ذلك، ويتماهى في كتاباته مع ما يريده المجتمع، فإنه يُضيِّع على نفسه فرصة البقاء والانتشار في هذا العالم القائم على التنافس، لذا فالكاتب يظل يهرب من مسؤوليته والتزامه الحقيقي الفعلي باعتبار أن لديه رسالة في هذه الحياة.

الكتاب الحقيقيون يجب أن يوقظوا ضمير الأمة، يجب أن يكتبوا عن القيم والمبادئ الحقيقية، والأمينة الخالدة. كما أن عليهم أيضًا أن يكتبوا عن الممارسات الخاطئة ويحذروا الناس منها. عليهم أن لا يكذبوا ليسعدوا الجماهير. على الكاتب أن يعود متأملًّا المشكلات التي تفسد البشرية وتسيء إليها؛ المشكلات التي تتخفى وراء تلك الاتجاهات المزيفة والمصطنعة نحو الناس والمجتمعات.

يجب أن يكتب عن الأشياء التي تثير وتهيج القلوب رغم أنها ضد الضمير. هذه الموضوعات يجب أن تزول.

بوسع الكاتب أن يكتب عن هذا كله ما لم يكن خائفًا من نقد المجتمع له. يجب عليه ألا يزعج نفسه بمثل هذه المخاوف، يجب أن يظل خوفه الوحيد متمثلًا في كونه مخطئًا ما لم يكتب عن الحقيقة. نعم ينبغي عليه أن يكتب عن القيم الحقيقية والصادقة والنابعة من القلب، وما لم يكتب عن هذه الأشياء فإن كتاباته ستموت فورًا.

يجب أن يكتب عن الحب والشرف والرحمة، والأسى على غرور البعض، وسوء حظ البعض الآخر، يجب أن يكتب عن الشفقة على الناس الذين يعانون، وعن التضحيات النبيلة الحقة التي تقدم باسم الإله، ومن منطلقات وقيم الدين والأخلاق. إنه -أي الكاتب – ما لم يكتب عن ذلك فإن اللعنة ستحل به، وتلقي بظلالها على نتاجه.

إنه والحالة هذه، لا يكتب عن الحب الذي هو عاطفة إنسانية نبيلة، وإنما يكتب عن الشبق والتوق الجنسي واللذين هما غالبًا ما يكونان هوى قبيح. إنه حينها يكتب عن الصراعات الحمقاء التي لا معنى لها. إنه يكتب عن أناس ينتصرون ويكسبون ولكن ما الذي يكسبونه؟ إنه اللا شيء؛ نعم، إنه لا يوجد فيما يتوهمون أنهم كسبوه ما يجلب الأمل، أو يحسن الأحوال.

أسوأ شيء أن يكتب الأديب عن المشكلات الإنسانية بنهج علمي، وليس بقلب ممتلئ شفقة إنسانية وعاطفة جياشة، ومشاعر صادقة نبيلة تجاه الآخرين. إن المشاعر التي يبديها كثير من الكتاب الشبان -في كتاباتهم – لا تلامس قلوب القراء لأنهم لم يكتبوا عن مشاعر حقيقية، إنهم بذلك يقيمون على أنفسهم الحجة، إنهم لا يكتبون عن القلب بل عن القلادة التي تحيط بالصدر الذي بداخله القلب، وهذا يعني أن مشاعرهم سطحية وليست آتية من أعماقهم.

إنه ما لم يضع الكاتب قلبه وروحه في عمله، فإنه لن يستطيع أن يكتب أدبًا خالدًا، وما لم يكن مباليًا بالخوف من المجتمع فإنه لن يكتب بصدق.

ينبغي على كل أديب أن يتعلم ويجيد الكتابة من القلب والروح. يجب أن يكتب عن الأشياء التي تصل حالًا إلى قلوب وأرواح قرائه، وما لم يفعل ذلك فإن هذا يعني أنه مهزوم، كما يعني أيضًا أنه يكتب عن الخوف من أن كل شيء يصير إلى نهاية. إنه يرى الأشياء تنحدر نحو نهاياتها، لكنه لا يمتلك الشجاعة ليفعل شيئًا إزاء ذلك. إنه كما لو كان فقط يراقب ويشير بإصبعه لما يحدث، وتعوزه الشجاعة ليحسن من أحوال الجنس الإنساني، كما يبدو أنه فاقد للأمل.

(فوكنر) يرى أن هذا خطأ، وأن شيئًا ما يجب أن يُعْمَلْ ليبقى الإنسان خالدًا، أبدي الذكر. ووفقًا لــ (فوكنر) فإنه من السهولة بمكان القول: إن الإنسان سوف يعاني، وسيطيق القدرة على ذلك مهما كتب الكُتَّابُ وإلى أن ينتهي العالم.

إنه ليس من خلال الكتب الصماء، عديمة النَفَسِ، فاقدة الحيوية، سيتحمل الإنسان اختبار مِحَن الزمان، وإنما عبر تلك الكتب المفعمة بالعاطفة فإن الإنسان لن يواجه فقط تلك المحن، ولكنه سوف يتجاوزها أيضًا. إن الكاتب في هذه الحالة سيبقى خالدًا لأنه يكتب من روحه عن الشفقة، وعن التضحية والمعاناة. ولهذا قال (فوكنر) “إذا كتب أي كاتب على هذا النحو فإنه يبقى خالدًا. إنه امتياز وشرف أن تساعد الناس بإعادتهم لإيمانهم، وثقتهم في الجنس البشري”.

إن مهمة الكاتب الحق أن يعلم الناس الشجاعة، الشرف، الأمل الكبرياء، الشفقة، الرحمة والتضحية. كل هذا قد عُمِلَ ومُورِسَ من قبل كُتَّابٍ فيما مضى، وبهذا النوع من الكتابة نال (فوكنر) جائزته. والآن فقط الكاتب المبتدئ هو من تناط بعاتقه مهمة أن يعلم الناس ما قد نسوه؛ لذا عليه أن يعي جيدًا هذه الأشياء ويعلمها.

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

بقلم الأديب العربي/ خلف بن سرحان القرشي

#خلف_سرحان _القرشي 

السعودية – الطائف – ص. ب 2503  الرمز البريدي 21944

qkhalaf@hotmail.com

تويتر @qkhalaf

مقالات ذات صلة

‫39 تعليقات

  1. هي تلك المهمة والرسالة السامية للكاتب المربي الانسان الفاضل، شكرا لكاتبنا الكبير والغالي ولقرائنا الأفاضل..دمتم بعز وخير وبركة

  2. كنت قد علقت على الخطبة الأسبوع الماضي وايضًا تحدثت عن أن الترجمة التي قام بها الأستاذ خلف القرشي ترجمة غير معهودة حيث تعودنا على ترجمة الأشعار والقصص وربما الأخبار لكن أن نرى ترجمة لخطبة فهو المثير بالموضوع .
    واليوم وأنا أقرأ استكمال للخطبة وأجد أن الاستاذ القرشي بما لديه من ملكة لغوية وزخم من الممارسة للغة الإنجليزية قراءة وكتابة وترجمة قد قدم أسس هامة لكل من ينحو نحو الترجمة من حيث أن المترجم عليه أن لايتعامل حرفيًا مع الكلمات ولعلي وأنا لم أطلع على النص الأصلي بالإنجليزية استشف ذلك من هنالك مفردات لا يمكن أن يوجد لها مرادف باللغة الانجليزية مثل :
    شظية صغيرة / نظرة ثاقبة / التنافس الحقيقي / ضمير الأمة / المفعمة بالعاطفة….
    فلذا اختار الأستاذ القرشي بحسه الفكري والأدبي أن يترجمها على هذه المفردات لتأخذ من جماليات لغتنا العربية مايجعل الخطبة بالعربية قشيبة مزدانة باللفظ ..
    وإن أردتم الاستمتاع أيضًا بترجمة أخرى للأديب أ. خلف القرشي يمكنكم الاطلاع على هذا الرابط المنشور في جهة نشر أخرى .ترجمة لمقالة عن أن مواقع التواصل حوار أم ضجيج تمنياتي بقراءة ماتعة لهذا الرابط
    https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10156306620063721&id=647208720

    سلمت أناملكم أستاذ خلف .. وحفظ الله يراعكم وننتظر اشتيار جديدة ودمتم بود .

  3. شكرا جزيلا لكم قرأئي الكرام على تشجيعكم وتحفيزكم، ومتابعتكم الدائمة والمقدرة لنتاجي الكتابي المتواضع، وترجماتي أيضا.
    وأرجو أن أكون دوما عند حسن ظنكم بي شخصا وقلما.
    والشكر موصول لصحيفة هتون الإلكترونية والقائمين عليها، وكافة منسوبيها على اهتمامهم المُقَدَر بمقالاتي واحتفائهم الجميل بها.
    وفق الله الجميع لما فيه الخير والسداد والنفع.

  4. ما أحوجنا لأدب الترجمة أستاذي الكريم… الكثير من النصوص الأدبية الجميلة العالمية تستحق أن تكون بين يدي القارئ العربي.. بوركتم

  5. هذا المقال -في نظري- من أهم ما كتب هنا .. وأقول من أهم .. لأنه يقعّد للكاتب والمفكر كيف يكون
    تمنيت لو قرأه واستوعبه كل صاحب قلم
    ليرى كيف يكتب بقلب وعاطفة
    كيف يعلو فوق الذرا ثم ينظر لمجتمعه كاتبا له مشخّصًا داءه وواصفا دواءه
    شكرًا أستاذ خلف بمقدار ما قدمت لنا من متعة وفائدة.

  6. المشاعر والأحاسيس قد تؤثر بالفعل علينا في كتاباتنا لأننا نتواجد في مجتمع نتأثر بالسلب والإيجابية منه

  7. (الكتاب الحقيقيون يجب أن يوقظوا ضمير الأمة، يجب أن يكتبوا عن القيم والمبادئ الحقيقية، والأمينة الخالدة. كما أن عليهم أيضًا أن يكتبوا عن الممارسات الخاطئة ويحذروا الناس منها. عليهم أن لا يكذبوا ليسعدوا الجماهير. على الكاتب أن يعود متأملًّا المشكلات التي تفسد البشرية وتسيء إليها؛ المشكلات التي تتخفى وراء تلك الاتجاهات المزيفة والمصطنعة نحو الناس والمجتمعات.)

    ——
    سلمت أناملك كاتبنا .. وقد أصبحنا على موعد اسبوعي مع جديدك المميز
    ويمتد شكرنا للناقدة ( شاهين خان ) حتى يصل للكاتب ( ويليام فوكنر).
    وكذلك لهذا المنبر الفكري ( هتون ) الذي من خلاله كان هذا التواصل بين جميع هذه الأطراف
    —-
    شكرًا أيها الأديب أ. خلف

  8. مجهود مميز في الترجمة جمع بين تخصص الكاتب اللغوي واسلوبه الأدبي ورغبته الجامحه في تقديم مايثري الجوانب الثقافية للمجتمع

  9. جميل المعني
    ينبغي على كل أديب أن يتعلم ويجيد الكتابة من القلب والروح ….
    وفقك الله استاذنا الفاضل

  10. اسعدني كثيراً تواجدي بصفحتكْ وقراءة ماكتبت من ترجمة استاذ خلف اتشرف بمتابعتك وشكراً لك ولحضورك في هتون

  11. هتون مختلفة اووي بمواضيعها ومقالاتها وكمان مفيش ناس عندها كتاب وكاتبات زي اللي هنا .
    والترجمة تعتبر نقل ثقافات بين الدول ودا بشوفه من الا كتبه استاز الترجمة خلف سرحان فعلا رايع ومميز

  12. هذا المقال جميل ورائع وارى ان الكاتب قد ابدع كعادته في تحليل أمور كثيره في الحياة تخص الكاتب والمتلقي وتحديد أمور منطقيه يجب علينا اتباعها وتحديد مهمة الكاتب حتى يتماشى مع العصر ويصل الى فكر هذه الأجيال الشابه.

    الشكر للكاتب والشكر موصول لصحيفة هتون الرائعه

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88