إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

الإنسان بين الواقعي والافتراضي .. مثار شفقة

من الأمور التي اهتممت بها كثيرًا منذ صغري موضوع “الحياة الافتراضية”، تلك التي تتشعب اليوم في حياتنا بشكل ملموس، وتغزو كل تفاصيلنا في ظل وجود التقنية الحديثة التي أدخلتنا عوالم الدهشة، وكل يوم بتنا نستمع إلى الجديد الأكثر، إثارة في هذا الجانب.

الحياة الافتراضية يا سادتي بدأت مع الإنسان منذ فجر التاريخ البشري، وهو ذات اليوم الذي كان الإنسان ولا يزال يخاف المجهول، فالإنسان الأول البدائي ـ إنسان الغابة ـ كان يخاف من السباع، والضباع، وكل أنواع الحيوانات المفترسة، وربما يخاف الإنسان من نفسه، أو ممن هم من جنسه، فنسج في مخيلته بدايات الحكايات الأسطورية التي أصبحت فيما بعد عوالم ميتافيزيقية مدهشة، ومحلقة، بكل ما فيها من غرائبية، ثم وفي ظل الأدلجة ظهرت الأديان بتعددها وتنوعها، والتي تبلغ اليوم في العالم ما يقرب من الـ 10 آلاف دين، منها 150 دين فاعل، أو يجد أتباعًا، وباقي العدد نثرات من أيديولوجيات متفرقة لدى الشعوب المختلفة.

فخوف الإنسان من المجهول والمستقبل كان هو النواة الأولى للبحث، وصناعة جزء كبير من تلك العوالم. تكرست عوالم الميتافيزيقا بشكل بارز من خلالها، وفي الدراسات المثيولوجية يظهر لنا حجم أثر التدين في الإيمان أو الاعتقاد بكل الماورائيات عمومًا.

ونحن كمسلمين نسلم ونؤمن بأن لكل الشعوب حق في ممارسة أديانهم المختلفة، لكنني هنا لا أتحدث عن الدين بصفته علاقة حرة بين الإنسان والسماء أو الإله، أتحدث عن العلم الصرف وكيف تعاطى مع هذه الأجواء، وهو ما يقودنا للعودة للحديث عن لب الموضوع وهو العالم الافتراضي. في ظني أن الميتافيزيقي بكل أشكاله خلق عالماً افتراضيًّا ظل لحقبة من الزمن ولا يزال مهيمنًا علينا نحن بني البشر.

إن العوالم الافتراضية اليوم تتعدد وتتشكل، ابتداءً من اختراع الهاتف ونقل الصوت إلى الذكاء الإلكتروني، وعوالم الميتافيرس التي تحدثت عنها في المقال السابق، لأنك على سبيل المثال عندما تتحدث هاتفيًّا مع شخص ما، أينما كان قابعًا في هذا الكوكب، فإنك بلا شك تعيش لحظات من العالم الافتراضي، لأن الطرف الآخر ـ محدثك ـ لا يدخل في نطاق الشيئي المحسوس أمامك، سوى صوتًا، وحاسة الصوت تجعلك تدخل في حالة من التخيل، للطرف الآخر بالذات لو لم تكن تعرف ذلك الشخص، أو حتى لو كنت تعرفه، ربما تعيش لحظة تخيل ترتبط بالمكان الذي يجلس فيه، والحالة والهيئة التي هو عليها الآن.

ولو فرضنا أن الموضوع تحول إلى مكالمة صوتية مرئية، فإن حجم الحالة الافتراضية سيخف لأنك بدأت تدخل في عالم المحسوسات والمدركات من خلال السمع والنظر.

إن العوالم الافتراضية تحاصرنا اليوم بشكل كبير، فمثلاً “السوشيال ميديا” تعج اليوم بهذه العوالم، فانخراطك ضمن قروب على “الوتساب”، يجعلك تعيش حالة افتراضية من خلال أعضاء القروب الذين سيمثلون بالنسبة لك أسرة صغيرة تربطك بهم علاقة من نوع خاص، وربما تكون لا تعرف عددًا منهم سوى بالاسم فقط، لكنك تتواصل معهم بشكل يومي، وربما تعيش معهم لحظات من المرح أو لحظات من السعادة، أو حتى التعاسة، وربما الشجار أو خلاف ذلك، فهي تمثل حياة افتراضية شبه كاملة، وهو ما ينساق أو ينطبق تمامًا على كثير من تطبيقات ومنصات “السوشيال ميديا والنت” عمومًا.

إذن نحن اليوم نعيش حيوات افتراضية عديدة، تتمازج كثيرًا مع واقعنا، وتتداخل معه بشكل كبير، الأمر الذي جعل من بعض فلاسفة هذا العصر يطرح سؤالاً مهمًّا، (هل نحن أساسًا في حياتنا الواقعية نعيش أصلاً حياة افتراضية) وهو سؤال مشروع، أو (هل نحن كنا نعيش حياة افتراضية لكن وصل بنا الأمر من خلال تطور الذكاء البشري إلى إدراك أنفسنا)، ومن ثم السيطرة على الواقع والتعرف على بعضنا البعض، وهل هذا الأمر يمكن أن يحدث يومًا ما للذكاء الإلكتروني ويأتي اليوم الذي يصبح فيه قادرًا على إدراك ذاته ومن ثم الهيمنة على الأرض والقضاء علينا كبشر.

أسئلة فلسفية كثيرة، أعتبرها شخصيًّا أسئلة مشروعة، وتثير كثيرًا من الشفقة على إنسان اليوم.

☘??☘??☘??☘??☘??

بقلم الكاتب والمفكر العربي/ خالد بن محمد الخضري

مقالات ذات صلة

‫9 تعليقات

  1. من مشكلات هذا الواقع الافتراضي أن الفرد بدأ يتجاهل كونه افتراضيًا، فيبحث عن كل مفردات الحياة الحقيقية ضمن نسيج خيالي، لا يؤدي به في النهاية إلا إلى مزيد من الحيرة والضياع

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88