إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

لغة ذات حرف واحد

الحوار كوكب درّي ومنار فكري ، ينتق صخوراً صلدةً في عقلٍ انزوى خلف قضبان الجهالة ، يقطع الظنّ بالعلم ، ويربط العلم بالفهم ، وليس هناك أشوس من بأس سِنانه إذا تدرّع بالإقناع ، ولا أحسن من أسلوب لسانه إذا لزمت أذنه الاستماع ، ولغته لا تتجاوز حرفاً واحداً وهو الأدب منه وإليه !.

وهو من بين لغات العالم أجمعها ؛ لن تجد شبيهاً له في فريد حرفه ، ولا أعمق في الحجّة من قوّة تأثيره ، ولربّما ردّ حرباً كادت أن تُقلع فتقتلع بمخالب نسورها الجارحة ، وتكشّر وتهشّم بأنياب أسودها الضارية ، وتعوي وتُوَعْوِعُ بضوضاء ذئابها العاتية ، فتقتل وتيتّم ، وترمّل وتلطّم ، وهذه ليست مبالغة فصفحات التاريخ تشهد بهذه الحقيقة الواقعة ، لذا لا مثيل للحوار في برد أفيائه إذا كان المقصد ثمرته ، ولا صدى في النفس كدعوة ندائه إذا ظلّ الإنصاف نبرته ، قد نختلف ولكن لا يزيدنا الاختلاف لا الخلاف إلّا حواراً ونقاشاً ما دامت نيتنا البحث عن الحقيقة والوصول إليها لا الركون إلى ما يقرأه الهوى ويشجّعه التعصّب ويصفّق له العمى. قال الشاعر المصري علي الجارم :

أُغْمِدَ السيْفُ بعدَ طُولِ جِدالٍ 

     وجـدالُ السُـُيوفِ شَــرُّ جِــدالِ

نعم هو حرف واحد تملكه هذه اللغة التي تقف منبراً للتواصل بين فكرٍ وفكرٍ ، لتتلاقح سحبه ممطرةً أنقى القطر وذلك لسمو غايته ، فتعشوشب منه العقول ، وتستورق منه ثقافة المرء ، بيد أنّ هذا الحرف ينقصه عند بعضنا رسم هيئته وخطّ زاويته وكتابة حدوده ، فالحوار احترامه الانصات وثقته عدم المقاطعة وتواضعه النظر للمتحدّث ، لذا من لم يفهمه ولم يفقهه جيداً إلّا لإثبات الذات والانتصار للنفس لا للحقّ ؛ قد يتجاوزه إلى لغة أخرى تتّسع لآلاف الحروف من الجِدال المذموم ، فتضيق المحادثة بالخصومة ، وربّما تُشحن النفوس بالقطيعة ، لتلوكها ألسن المجالس بالوقعية ، فتذهب ثمرة الحوار إلى جوانب كان الصمت فيها أولى ، لذا قال ﷺ : ( أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا …… ) رواه أَبُو داود بإِسنادٍ صحيحٍ.

وليس أهدر للوقت وأشقى للنفس وأتعب للعقل وأخلط للفكر من مجادلة الجاهل المستكبر الذي لا يرى إلّا ما يوسوس له رأيه ، فالوقت ستمضي دقائقه وساعاته دون أن يقنعك أو تقنعه ، والنفس ستبقى في كرب من ضحالة ثقافة من تناقش ، والعقل سيرهقه خطاب من لا يفهم ، والفكر سَيَتيهُ عند خوض سراديب من القضايا تخرج عن الموضوعية فيسير بك جاهلها إلى أنفاق ليس لها علاقة بمغزى الحوار ، فإذا علمت هذا فأعلم أنّ حجّتك قد بلغت ، لكن في أسلوبه هذا هروبٌ خفي ، ولربّما كان الخفاء ظاهراً جلياً حين يفتح للسبابا أثناء الحوار بابا ، فمحاورة الجاهل مضيعة وبلاء ، وهي لذاتك مظلمة وجفاء ، فلا أفق واسع لقلّة علمه ، ولا هدف سامٍ لحيلة نيته ، وهو أبعد ما يكون عن الصدق في طرحه ، ولكِبر في نفسه يأبى على نفسه الاعتراف حتى وإن كانت الشمس شاهدةً على نور ما ذهبتَ إليه ، لأنّه يظنّ التسليم لك هزيمة عليه !. ، لذا أقول :

لَصَمتُكَ أولى من جِدالك جاهلاً

     فـكـلُّ جـِـدالٍ أو جــلادٌ لــه حــدُّ

 فاصلة منقوطة ؛

لغــةُ الحـوارِ إذا تـفـيّأ ظلّـها

    أدبٌ وإصغاءٌ سنجني ثمارها

ومتى تعنّـت بالجدالِ مقالها

   جانبتها وكفيت عقـلي غبـارها

—————

إبراهيم الوابل – أبو سليمان

ibrahim7370@

الاثنين – الموافق

22 – 5 – 1440هـ

28 – 1 – 2019م

مقالات ذات صلة

‫11 تعليقات

  1. لغــةُ الحـوارِ إذا تـفـيّأ ظلّـها
    أدبٌ وإصغاءٌ سنجني ثمارها
    ومتى تعنّـت بالجدالِ مقالها
    جانبتها وكفيت عقـلي غبـارها

    اختصرت فأبدعت … نعم للحوار أدب وفن فالمحاور يعكس تربيته ثقافته وقبل ذلك دينه … كفانا وإياكم شر هؤلاء الجهلة الذين لا يتقنون فن الحوار ..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88