11المميز لديناإسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

العـفــة .. قصة قصيرة .. تأليف: خالد الخضري

تشغلني اللحظة التي ستفتح فيها سعاد باب الفرح، فقد أوصدت حجرة النوم كي تتهيأ للحظة تحول في حياتها، ستصبح بعد قليل امرأة، هو الأمر الذي شغلها كثيرًا في الأيام الماضية منذ اللحظة التي تقدمت فيها لخطبتها.

أُلح عليها، وفي نفسي توق كبير، لأن أعيش اللحظة الغارقة في النشوة، بالنسبة لي أمر جديد أن أصبح زوجًا، لكنها كلحظات الأحلام، وكما يقول المصريون، كنت أتمنى أن يقرصني أحد لأشعر أنني أعيش لحظة حقيقية، ليست خيالًا، ولا حلمًا.

بيت الزوجية، هو ذاته شقة العزوبية التي قضيت فيها خمس سنوات من عمري، كنت خلالها أتلقى الكثير من الشتائم، والسباب، وقاذورات ترمى على سيارتي، لا أعرف مصدرها، لكنني على يقين من أنها بتدبير من كبار السن في الحي، فهم كانوا يتوقون لأن أغادر الحي، كي تصفى أجواؤه من ضباب المعاكسات لبناتهن من أمثالي من العزاب، وعلى الرغم من ابتعادي عن هذا الأمر تمامًا داخل الحي، إلا أن النظرة المشوهة التي يشوبها خليط من الريبة والشك فيك كشاب بلا عائلة تظل السمة التي تصبغ نظرة الآخرين إلينا.

لكن الآن، أختلف الأمر، جاءت اللحظة التي سأدخل وأخرج من الحي بكل انطلاق وثقة، وإلى جانبي سعاد، زوجتي، أتمنى أن تفتح الباب، ولا تجعلني أطيل المكوث، حتى أنهي المهمة وأحولها إلى امرأة في لحظة عناق حالمة.

 كانت جميلة للحد الذي جعلني أشعر بعبء المكوث، وطول الوقت خارج غرفة النوم، أنتظر دقيقة ثم أطرق الباب.

ـ سعاد هيا خلاص، كفاية، ما خلصت؟

ـ دقائق، وسأكون جاهزة.

فضلت أن تبدأ حياتنا بشكل غير تقليدي، بعيدًا عن القيود، في أن يقوم العريس بإزاحة الطرحة، ثم يبدأ في مساعدتها على فسخ فستان الفرح.

سعاد، الفتاة المتحضرة، المتعلمة، أرادت أن تتجاوز التقاليد المعتادة.

قبل قليل، عندما دخلنا المنزل، مررت بها في أرجائه، بعد أن اكتمل الأثاث، ورغم مشاهدتها له، عندما زارته مع والدتها، وعندما ساهمت في اختيار العفش، لكني حرصت على أن أريها الشقة في شكلها النهائي، وأركز على الإضاءات البانوراميةالتي صنعت منها بيتًا حالمًا، وبخاصة الإضاءات ذات الألوان المختلفة والتي منها اللون الأحمر، وشيء من البنفسج، التي تختلط مع بعضها البعض عندما نقوم بإضاءتها بالحجم الذي نريد في الارتفاع أو الانخفاض، لتشكل لوحات فنية، تخلق أجواء رومانسية.

السماعات المنتشرة في كل أرجاء المنزل، كانت مفاجأة سارة بالنسبة لها، حيث الموسيقى التي تنتشر في كل مكان.

وسعاد الفتاة الجامعية المتخصصة في علم الاجتماع، وتدرس دراسات عليا في نفس التخصص، تطمح أن تصبح معيدة في الجامعة، تعشق تخصصها، وهي الأكثر فهمًا للشخصيات والنفسيات، كانت سعيدة جدًّا بهذه الخطوات التي قمت بعملها، فاجأتني أثناء تجوالنا في المنزل، باحتضانها لي من شدة الفرح.

ـ إنها جنة، لقد رسمت يا أحمد الشقة وخططت لها كما كنت أحلم.

أكرر:

ـ هيا يا سعاد، ما هذا، كل هذا الوقت.

ـ انتظر، لا تكن عجولًا، دقائق.

وكانت المفاجأة الأكبر، عندما خرجت، فقد كانت ترتدي ثوبًا منزليًّا، نسائيًّا، من أفخم الملابس، وشكلت من شعرها لوحة فنية تستحق التسجيل، وتعطرت بأجمل العطور، ويعلو وجهها ” الميك آب” الخفيف الذي يزيد في جمالها، فهي جميلة بطبيعتها.

ثم قامت بإشغال الموسيقى، قائلة:

ـ أعذرني يا أحمد، لا أحب أن أكون تقليدية، أنا متعلمة، وأنت كذلك، فدعني أتصرف معك بالطريقة التي تحقق لنا السعادة.

وبعد أن شربنا، وأكلنا أكلًا خفيفًا، فاجأتني بسؤالها:

ـ تحب الرقص؟

ـ طبعًا أكيد.

شغلت موسيقى، تتناسب مع الرقص الشرقي، وخلعت ثوب المنزل الذي ترتدي، وكنت مندهشًا من ذلك، فإذا بها ترتدي أسفل منه، بدلة رقص شرقي، حررت شعرها من قيوده وبدأت ترقص بشكل لم أشهده من قبل، كل هذا وأنا كلي شوق لأن ندخل إلى غرفة النوم، فأنا عريس جديد، لكنني تصبرت كي أجعل سعاد الفتاة المتعلمة تحقق ما تريد، وهي فعلًا قادرة على خلق أجواء، اعتبرتها من ليالي ألف ليلة وليلة.

 مع إيماني الكامل بأنني شاب متحضر، إلا أن بعض وساوس شيطانية كانت تراودني:

ـ من أين تعلمت كل ذلك، أيمكن أن يكون من خلال دراستها في علم الاجتماع، أم من والدتها، أم من صديقاتها، أم من غير ذلك.

ورغم أنها كانت هواجس تلم بي، إلا أنها همست إلي في أذني، بعد أن جلست إلى جواري، ترتاح قليلًا من الرقص:

ـ أنا أعرف ماذا يريد الرجل، قرأت كثيرًا في هذا الجانب.

بعد دخولنا إلى غرفة النوم، كانت حريصة على أن تضع فوطة فوق السرير، وقمت بسؤالها عن هذه الفوطة، وبررت ذلك بأنها حريصة أن لا يتسخ السرير، هي تعرف ما تريد، واثقة من نفسها تمامًا، وتدرك كل الذي سيحدث رغم أنها لم تتجاوز الثلاثين من العمر، إلا أن فطنتها، جعلتها تحسب حسابًا لكل شيء.

ظهر اليوم التالي، بدأت أفيق من غيبوبة حالمة، كأنني كنت في الجنة، فتحت عيناي، شاهدت سعاد، بملامحها الجميلة، ووجهها البشوش، وشعرها المسدول، الذي ينساب كالحرير على كتفها، ويتطاير عاليًا وهي ترقص ليلة البارحة، كانت مشاهد الرقص لا تزال تسيطر على مشاعري، ودوي الموسيقى في مسامعي، شاهدتها تلملم شيئًا في يدها، وتضعه في كيس، كنت مندهشًا من هذا الأمر.

سألتها:

ـ سعاد، ماذا تصنعين؟

ـ أبدًا أضع هذه الفوطة في الكيس.

ـ حسنًا، جهزيها، كي أرميها معي، عندما أخرج لأحضر بعض الطلبات، فهي مخضبة بالدم.

وبعد غفوة قصيرة، وأجواء حنونة، وأحضان دافئة، قررت الخروج كي أحضر بعض الطلبات، فربما نسافر إلى الشرقية في رحلة شهر العسل.

أخذت الكيس الذي به الفوطة، في يدي، فإذا بسعاد تسارع إلى انتشاله مني، فدُهشْت:

ـ ماذا بك؟

ـ أين ستذهب به؟

ـ أرميه في الزبالة!

ـ هل جننت، هذي أهم فوطة؟

ـ إذن لماذا وضعتها في الكيس، وماذا تريدين بها، هل ستحنطينها مثلًا؟

ـ باعطيها أمي، تحتفظ فيها للزمن.

ـ  أي زمن، من جدك؟

ـ أجل، هاذي عاداتنا، وعشان، أي أحد يفتح فمه بكلمة عني يكون هناك الدليل.

ـ من تقصدين، أنا مثلًا؟

ـ لا أعرف، هي عادات.

ـ غريبة، أنت إنسانة متعلمة، كيف تفكرين بها الطريقة؟

ـ كلنا كذا، اسأل أمك، تسوي نفس الشيء مع أخواتك.

ـ ماذا؟

ـ أسألها وشوف.

تركت لها الكيس الذي يحتضن الفوطة، عنوان العفة، لتفعل به ما تريد ورحلت.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف خالد الخضري وتم النشر في هتون ٢٠١٩م

مقالات ذات صلة

‫21 تعليقات

  1. أحمد شوقي
    وكن في الطريق عفيف الحظي شريف السماع كريم النظر  وكن رجلا إن أتوا بعده يقولون مر، وهذا الأثر

  2. قال رسول الله صل الله عليه وسلم
    أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رجيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال»

  3. ابداع…اثناء القراءة عشت مع خيالي بشغف مع القصة..

    رغم متعتها ولكنها تحمل مضامين قيمية واخلاقية

  4. اللهم انا نسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى

    كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم

  5. تركت لها الكيس الذي يحتضن الفوطة، عنوان العفة، لتفعل به ما تريد ورحلت.

    نص جميل وشيق

  6. قصة جميلة تتحدث عن عادات وتقاليد
    قد يؤيدها البعض ويرفضها الاخر

    دمت بخير

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88