إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

الناخرة لفئة فاخرة !!.

تُحرث التربة، وتُبذر البذرة، ويُسقى الحوض، فينبت الزرع برعماً، وينمو البرعم أغصاناً، وتتفرّع الأغصان أوراقاً ، لتكتمل شجرةً أو أشجاراً، تتعملق طولاً وتمتدّد ظلالاً، وتخضرّ  نضارة وتشتدّ صلابة، يُنتظر منها الثمر فهو لُبّ الأثر، ولو افترضنا أنّ مثل هذه الأشجار عُضدت قبل أن تُثمر، واحتطبت قبل أن تُزهر، فيبُست أوراقها وهي الظلّ الظليل، فتحسّر عليها ذهب وقت الأصيل، وهجرها الطير وهو الضارب على عودها بأروع النغم، يترنّم ويصدَح ويُنشد ويُعَندِل مداوياً أقسى الألم، وبعد أن التمعت العين بجمالها، أصبح القلب منكسرًا لأطلالها، فلا قامة وكانت شامخة، ولا زهرة وكانت باسمة، ولا طير وكانت شادية، ولا كِنّة ولا ستر ولا فرع ولا فَنَن وقد كانت الخيمة لقاصدها ولمن أوى إليها من الطير والبشر، لنتخيّل ما يكون حالها بعد هذا؟! بالطبع ستبقى بلقعًا لا نفع فيها، تذرو بقايا أوتادها الرياح، لتتهاوى وتنخِرها بأصواتها، وكأنّها تروي لنا حكايتها التعيسة، وهي سببٌ من أسباب بؤسها!!، فأقول:

نما ساقها ، يُدني السحابَ علوّها

     فلـما تـدانى القطفُ لاح عبـيثُـها

وهبّت ريــاحٌ ذاريـاتٌ لـجِـذعـهـا 

     لتمحو ظلالاً ، للجـليس حـديثُـها

فيا أسفا  ، مَـن للحـيـاة بِحلـوهـا

     إذا أبصرتْ مَـن بالفـساد يعيـثُـها 

وفي البشر  شبيه لمثل هذا الشجر، إذ يولدُ المرء وينشأ مع نمو عقلِه الطُّموحُ، ويحفّزه والداه فيغدو لمدرسته ويروح،  يعيش عمره التعليمي بين الاجتهاد والجدّ، راسماً تفاصيل طريقه نحو الجموح والمجد، وفي روحه سموٌّ مزدحمٌ بالأماني، يتطلّع إلى أن يكون الشامخَ الذي يفرح به أهله ويعتزّ به دينه ويفخر به وطنه، لكن وآحزناه لهذا  الماجد في هدفه، النبيل في مقصده، الدؤوب في سعيه، كيف لحاله إن فاجأته المنغّصات، وهو يحمل أندر التخصّصات، وأعلى الشهادات، وأفضل الدرجات، فلم يجد للتوظيف منفذاً وباباً، ولا للعمل طُرقاً وأعتاباً، ليأكل الفراغ أيامه، ويدفن اليأس أحلامه، ويقطع الهمّ رباطه، ويحرق النوم نشاطه، ويطيل الأرق ليله، ويخنق القلق تأمّله، فيعيش عمره كتلك الأشجار التي جذّتها فأس العبث أو سوء التخطيط، أو طيش التفكير، أو عشوائية التدبير، قال الشاعر العراقي معروف الرصافي:

ليس التقاعدُ للرجالِ بطالةً

         إنّ البــطالةَ للرجــال مفاسدُ

فمن المسؤول عن فئة الشباب الغضّ العاطل؟، وما الأسباب الحقيقة  لبطالته؟، هل الشباب أنفسهم حين لا يعون ثقافة التقديم للعمل، أم عدم الصبر عليه بأجورٍ زهيدةٍ ولو لفترة قليلةٍ يكتسبون من خلفها الخبرة، أم الخبرة الضحلة تقف حائلاً دون الطريق، أم الركود الاقتصادي العالمي فعلاً له دورٌ عظيمٌ في ذلك، أم الفساد الإداري، أم ظاهرة الواسطة، أم تمنّع الشباب عن مزاولة وممارسة المهن الحرفية، أم التخصّصات لا تتوافق مع متطلبات سوق العمل، أم هناك أسباب أخرى لا يدركها إلّا العاطل نفسه، فحديثه عن نفسه أعمق منّا تجاه مثل هذه القضية، وهو في حاله هذه كما قال الشاعر السعودي عبدالله العثيمين عن حال أمثاله:

لم أعد أُثبتُ في الدنيا

      وجــــودي وكــــيــانـــي

أعتقد علينا دراسة هذه الظاهرة بجدية وحزم ، فشموع أعمار شبابنا تمضي وهم لم يستقلّوا بذاتهم، ليفتحوا بيوتاً يعولونها، ولكي لا يكونوا عالةً على غيرهم علينا أن نستقرأ منهم الأسباب التي تحولهم دون العمل، حتى تُذلَّل لهم السبل ليبقوا شمعةً تضيء المجتمع.

 فاصلة منقوطة ؛

  ليس العاطل من لا يؤدي عملاً فقط ، العاطل من يؤدي عملاً في وسعه أن يؤدي أفضل منه “. سقراط

—————

إبراهيم الوابل – أبو سليمان

ibrahim7370@

الاثنين – الموافق

15 – 5 – 1440هـ

21 – 1 – 2019م

مقالات ذات صلة

‫48 تعليقات

  1. البطالة في كل الدول والاعمال موجودة لكن الشباب يتركونها مايبون التعب يبون فلوس بدون اي جهد .. مقال جميل وفي الصميم

  2. البطالة في كل الدول والاعمال موجودة لكن الشباب يتركونها مايبون التعب يبون فلوس بدون اي جهد

  3. البطاله صح موجوده بس الشباب يلي راتب فوق ثلاثه الف وأعلى من خمسه الف ويكون مريح ويكون عنده استئذان مفتوح الله المصلح

  4. استمتعت جدا بقراءة هذه المقالة لكاتبنا المتميز، فكل الشكر من هتون اسرة وادارة لكل ما كتب وأبدع وما هو قادم فهو جوهرة من الابداع والشكر موصول للقراء والمتابعين الافاضل واختتم ب ليس العاطل من لا يؤدي عملاً فقط ، العاطل من يؤدي عملاً في وسعه أن يؤدي أفضل منه “. …

  5. “ ليس العاطل من لا يؤدي عملاً فقط ، العاطل من يؤدي عملاً في وسعه أن يؤدي أفضل منه “ ولكن من أين … ؟! أعتقد سبب البطالة كل ما ذُكر !
    أصعب إحساس على الإنسان أن يجد نفسه شخص غير فعال في مجتمعه !
    شكراً للكاتب ويعجبني في مقالاته ربط الطبيعة وجمالها بهدف المقال .

  6. جميل جداا هذا المقال أخذنا الكاتب الى زوايا كثيرة وأبحر بنا في امواج مشكلة تكاد تعصف بالكثير من الشباب والأسر

    “ ليس العاطل من لا يؤدي عملاً فقط ، العاطل من يؤدي عملاً في وسعه أن يؤدي أفضل منه “

    استشهاد جميل يحتاج الى آلية عمل ونهوض بقوه حتى نستطيع مواكبة الركب حتى لو كانت البدابة صعبه وشاقة ولكم يوما ما ستشرق الشمس وينجلي الظلام

    شكرًا للكاتب القدير والشكر موصول لصحيفة هتون المتألقة دائما.

  7. ليس العاطل من لا يؤدي عملاً فقط ، العاطل من يؤدي عملاً في وسعه أن يؤدي أفضل منه “

    كلام يوزن بميزان الذهب

  8. صحيفة هتون من اميز الصحف الالكترونية السعودية لاهتمامها بصناعة اعلام ذو محتوى ممتاز ومبدع

  9. قي زمن الفضاءات المفتوحة والعالم الرقمي..اصبح للتوظيف شانا اخر..وانسحب الامر من الحكومات في ظل الشركات متعددة الجنسية

  10. نما ساقها ، يُدني السحابَ علوّها
    فلـما تـدانى القطفُ لاح عبـيثُـها
    وهبّت ريــاحٌ ذاريـاتٌ لـجِـذعـهـا
    لتمحو ظلالاً ، للجـليس حـديثُـها
    فيا أسفا ، مَـن للحـيـاة بِحلـوهـا
    إذا أبصرتْ مَـن بالفـساد يعيـثُـها

  11. اللي عايز يشتغل لازم خلال الفترة اللي يبحث فيها عن عمل لا بد ان تكون فترة اعداد والسعي من اهم عوامل القضاء على البطالة الحركة والبحث هنا

  12. سئل أحد الحكماء : أي الأصحاب أبر وأوفي؟؟ قال: العمل الصالح. وسئل أيهم أضر وأبلى؟؟ قال: النفس والهوى. قيل له: فأين المخرج ؟؟ قال: في سلوك المنهج. قيل له: وفيم ذاك؟ قال: في خلع الراحات وبذل المجهود

  13. آفات الفراغ فى أحضان البطالة تولد آلاف الرذائل ٬ وتختمر جراثيم التلاشى والفناء . إذا كان
    العمل رسالة الأحياء فإن العاطلين موتى

  14. سئل أحد الحكماء : أي الأصحاب أبر وأوفي؟؟ قال: العمل الصالح. وسئل أيهم أضر وأبلى؟؟ قال: النفس والهوى. قيل له: فأين المخرج ؟؟ قال: في سلوك المنهج. قيل له: وفيم ذاك؟ قال: في خلع الراحات وبذل المجهود

  15. حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب لازم نعمل بدون العمل لم ترتقي وهو الباب للدخول لعالم القمة ما في حد نايم ويحصل على شئ لا بد من العمل

  16. ساعات الواحدة بتكون مجبرة على الجلوس في البيت بدون عمل بعد التخرج لأسباب من المنظومة وتزايد نسبة البطاله

  17. الشباب لازم يشتغل اي حاجة مش لازم يقعد على مكتب كل واحد او واحدة متعلمة عايزين يخلصوا دراسة يبقوا مدرين

  18. قالها سقراط وهي حقيقة “ليس العاطل من لا يؤدي عملًا فقط، العاطل من يؤدي عملًا في وسعه أن يؤدي أفضل منه”.

  19. جيد أن نطرق هذا الموضوع بشيء من التفصيل، وهناك إجابات عديدة ومن ضمنها عدم تحمل الشباب للمسؤولية وتواكلهم على عائلاتهم.

  20. أحيانا لا تتناسب الوظائف المتاحة مع طموحات الشباب أو مراكزهم الاجتماعية، لذلك لا يقدمون عليها.

  21. أعتقد أن أهم أسباب البطالة في الدول الغنية هي عجلة الشباب، وعدم صبرهم على أجور ضئيلة مقابل عملهم.

  22. نما ساقها ، يُدني السحابَ علوّها

    فلـما تـدانى القطفُ لاح عبـيثُـها

    وهبّت ريــاحٌ ذاريـاتٌ لـجِـذعـهـا

    لتمحو ظلالاً ، للجـليس حـديثُـها

    فيا أسفا ، مَـن للحـيـاة بِحلـوهـا

    إذا أبصرتْ مَـن بالفـساد يعيـثُـها

  23. ربما لا يجد الشباب أنفسهم في وظيفة روتينية يؤدونها يوميا، وهم أصحاب التهور والطيش وحب المغامرة.

  24. كثير من الشباب حكم على مستقبلهم بالفشل لأنهم لا يحبون تخصصاتهم التي أجبروا عليها سواء بسبب المجموع أو بسبب تحكمات الأهل، وبالتالي فهم لا يحبون الأعمال التي تتعلق بتخصصاتهم تلك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88