إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

حول برنامج “المخطط الأخضر”

قبل أعوام، أطلق المغرب برنامج “المخطط الأخضر” الذي يروم تطوير الإنتاج الفلاحي والغذائي، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بقيمة 100 مليار درهم، بشراكة بين القطاع العام والاستثمار المحلي والأجنبي على مدى 10 أعوام، غير أن ما يحد من إمكانيات وطموحات المخطط وهو كونه بعيد كل البعد عن التصور النمطي الذي ينسجم مع واقع الفلاحة الوطنية التي ما تزال على الرغم من تصاعد وتيرة النمو الفلاحية لدى الدول المنافسة للمغرب تعتمد على الزراعات المعاشية والموسمية التي لا تضمن القوت اليومي الكافي لساكنة العالم القروي.

وتعول وزارة الفلاحة والصيد البحري على وكالة التنمية الفلاحية للنهوض بمخطط المغرب الأخضر من خلال القيام بدور الوسيط بين الفلاح والمستثمر والإدارة، وتحديث الإطار التنظيمي للمهنيين، ولهذا أصدرت بيانا في وقت سابق أوضحت من خلاله أن الوكالة تعتبر من بين أهم أدوات الاستراتيجية الجديدة للقطاع الفلاحي، وأفادت بأن الدور الأساسي للوكالة، يكمن في تنفيذ الاستراتيجية الفلاحية المسطرة من قبل الحكومة، فيما يخص تطبيق مخطط المغرب الأخضر، ومتابعة تطور القطاع الفلاحي وصياغة برنامج طويل الأمد، إلى جانب تشجيع الاستثمار الفلاحي والصناعة الغذائية، من خلال الإشراف التقني والدعم المالي وغير ذلك، كما تروم تدبير الشراكات مع المستثمرين وإطلاق مشاريع ملموسة وتتبعها.

وتروم إلى جانب ذلك، تدبير الشراكات مع المستثمرين وإطلاق مشاريع ملموسة وتتبعها في أفق الوصول، على حد تعبير وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش خلال تقديمه للمخطط أمام لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، إلى تحقيق ناتج داخلي خام إضافي سنوي يتراوح ما بين 70 و100 مليار درهم، مشيرا إلى الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية المهمة لهذا المخطط والمتمثلة على الخصوص في إطلاق موجة جديدة من الاستثمارات تصل إلى 10 ملايير درهم سنويا، وخلق ما بين مليون ونصف مليون فرصة عمل إضافية، والرفع من دخل حوالي ثلاثة مليون شخص في العالم القروي بمقدار ضعفين إلى ثلاثة أضعاف.

وتقوم إستراتيجية مخطط المغرب الأخضر المقترحة، حسب وزير الفلاحة والصيد البحري، على دعامتين أساسيتين، تستهدف أولاهما الفاعلين العصريين، وترمي إلى تطوير فلاحة عصرية تستجيب لقواعد السوق، على أساس مخططات قوية لإنعاش وتطوير سلاسل إنتاج ذات قيمة مضافة، هي الخضر والحوامض والزيتون والأشجار المثمرة أو ذات إنتاجية كبرى هي الحبوب في الأراضي الملائمة والحليب واللحوم والدواجن.

وترمي الدعامة الثانية، حسب الوزير نفسه، إلى تطوير مقاربة متميزة لمحاربة الفقر، عبر الرفع من المدخول الفلاحي في المناطق النائية، بإنجاز 300 إلى 400 مشروع اجتماعي، في إطار 16 مخططا جهويا، ترتكز على نظام تمويل مبتكر، يتعامل مع الممولين الاجتماعيين كمستثمرين عبر “العرض الاجتماعي”.

ويولي المخطط أهمية قصوى لتنويع المنتوجات الفلاحية والبحرية ويشجع على إنعاش وترويج جودة المنتوجات الفلاحية الوطنية، انطلاقا من اقتراحه  لنظام جديد في متناول كل المنتجين والمصنعين بما فيهم، حسب ذات الوزير، صغار الفلاحين، كما يهدف إلى حماية الجودة الخاصة التي تتسم بها المنتوجات الفلاحية الوطنية تأسيسا على القانون 06-25 المتعلق بالعلامات المميزة لأصل وجودة المواد الغذائية والمنتوجات الفلاحية والبحرية.

وتعتبر التقلبات المناخية غير المستقرة، من أكبر المعيقات التي تحد من قدرة إنتاجية القطاع الفلاحي بالمغرب، بحيث تضع ما يقرب من 90 بالمائة من الأراضي الفلاحية الصالحة للزراعة تحت رحمة التساقطات المطرية القليلة وغير المنتظمة، وهي معيقات تنضاف إلى المشكل العقاري المتسم بالتوزيع غير العادل للأراضي ووجود الأنظمة المعرقلة للاستغلال والحجم الصغير للأغلبية الساحقة من الضيعات الفلاحية.

والملاحظ أن صغر الضيعات الفلاحية وتجزيئها، وتعدد الأنظمة العقارية وأساليب التسيير غير المباشرة، هو ما يعيق عملية التأهيل الفلاحي التي تحتاج إلى أراض شاسعة وإمكانيات مادية وتقنية عصرية، وموارد بشرية مؤهلة، بالإضافة إلى الحاجة إلى التمويل الضروري للاستثمار الخاص، كما أن اعتماد الفلاحة المغربية على بعض المزروعات التي تتطلب كمية كبيرة من مياه السقي يدل دلالة قاطعة على أن المسؤولين على القطاع لم يستوعبوا بعد الخطوط العريضة للأزمة المائية التي تتهدد المغرب في أي وقت وحين.

وفي هذا الصدد أشار تقرير صادر عن معهد “ماكينزي للدراسات” أن المغرب الذي يملك ملايين الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة، ما زال يعتمد على أنواع محدودة من المحاصيل التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، ولا تساعد في تحسين مستوى معيشة الفلاحين، واقترح المعهد زيادة إنتاج المحاصيل ذات القيمة العالية، مثل زيت الزيتون والفواكه المختلفة والأشجار المثمرة والورود والنباتات الطبية والصيدلانية، مبينا أن التربة المغربية تتحمل مثل هذه المزروعات.

ورغم التوجه الذي سارت فيه الفلاحة المغربية بالاعتماد على التصدير بالنسبة إلى الزراعات المسقية كالحوامض والبواكر والخضروات، فإن مشكل الحبوب بمختلف أنواعها يظل مطروحا، مما يجعل المغرب يلجأ إلى استيراد جزء أساسي من حاجياته من الحبوب والقطاني من الأسواق الخارجية.

ويتوقع مهنيون ومختصون أن تزايد صعوبات القطاع، مع اختيار المغرب سياسة الانفتاح على الأسواق الخارجية، والانخراط في سياسة العولمة، إذ يتخوف الفلاحون من غزو المنتوجات الفلاحية الأجنبية للأسواق المغربية على حساب المنتوج المحلي، وعجز هذا الأخير الموجه للتصدير عن الاستجابة لمعايير الجودة التي تشترطها البلدان المستوردة للمنتوجات المغربية، ناهيك عن المزاحمة التي تفرضها منتوجات بعض البلدان العربية والأوروبية المجاورة مثل تونس وإسبانيا والبرتغال في الأسواق التقليدية للصادرات المغربية، مما يجعل المغرب في محك صعب قد يفرض عليه البحث عن أسواق جديدة كبديل لسوق الاتحاد الأوروبي الذي شرع في وضع العراقيل أمام الصادرات الفلاحية المغربية آخرها كان رفض إسبانيا استقبال صادرات المغرب من الطماطم، ولهذا، طالب تقرير صادر عن البنك المركزي الإسباني، المغرب بتنويع أسواق صادراته وعدم التركيز فقط على الاتحاد الأوروبي، موضحا أن مجمل دول جنوب البحر الأبيض المتوسط تركز على السوق الأوروبية وخاصة فيما يتعلق بصادراتها الزراعية والنسيج والطاقة، وهي المنطقة الوحيدة التي لم تبحث عن أسواق بديلة أو ثانوية، وأوصى التقرير المغرب، بالبحث عن أسواق جديدة ومنها السوق الكبير للولايات المتحدة، موضحا أن تنويع الأسواق يعنى زيادة حجم الصادرات.

ويعتبر عدد من المحللين الاقتصاديين والخبراء والمتتبعين أن الظرفية الاقتصادية الدولية التي أطلق فيها مخطط المغرب الأخضر، ظرفية صعبة ومعقدة وغير ملائمة بكل المقاييس، في إشارة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت عددا من القطاعات المهمة في اقتصاديات الدول العظمى، وقد اعترفت الحكومة المغربية بتأثر قطاعات حيوية وطنية وذكرت من بين ذلك قطاع النسيج والصادرات وتحويلات مغاربة المهجر والقطاع السياحي، وبينت أن الأزمة الاقتصادية العالمية، التي انتقلت إلى المغرب عبر قنوات التجارة الخارجية والمبادلات، بدأت تضع رحالها شيئا فشيئا، وأصبحت تتخذ طابعا بنيويا خلافا للتصور الذي انبنى عليه مخطط الإنقاذ الحكومي، الذي يعتبرها أزمة ظرفية.

وفي هذا الإطار، انتقد المركز المغربي للظرفية الاقتصادية محدودية خطة الإنقاذ التي أعدتها الحكومة لمواجهة آثار الأزمة الاقتصادية الدولية، ووصف خبراء المركز خطة الحكومة بأنها مجرد تدابير معزولة لا ترقى لمستوى مخطط وطني شامل ومتماسك في مواجهة الأزمة، إذ تقتصر على ثلاثة قطاعات صناعية فقط هي النسيج والجلد وقطع غيار السيارات.

ودعوا إلى صياغة ميثاق وطني للنمو الاقتصادي يتجاوز الاعتبارات الظرفية للأزمة، ويشكل إطارا لتعبئة الطاقات وتسريع الإصلاحات وإيجاد أفضل الشروط لتفعيلها، إضافة إلى تشكيل الإطار العام لبرنامج الإنقاذ الحكومي في مواجهة آثار الأزمة العالمية بعد مراجعته وتوسيعه ليشمل كل القطاعات المرشحة للتأثر سلبيا بتداعيات الأزمة العالمية، وقالو إن المغرب في حاجة إلى استراتيجية شاملة ومنسجمة تحقق التناغم والانسجام بين مختلف المخططات القطاعية التي أطلقها المغرب في الأعوام الأخيرة مثل مخطط المغرب الأزرق للنهوض بالسياحة، والمخطط الأخضر للزراعة، ومخطط الإقلاع للصناعة، ومخطط السكن، وآخر للصناعة التقليدية، مبينين أنه على الرغم من الطابع الهيكلي لهذه المخططات إلا أنها تبقى مشتتة، وتفتقد الانسجام والتنسيق.

بقلم/زياد القصابي

مقالات ذات صلة

‫28 تعليقات

  1. أعتقد أن الزراعة من أهم أساسات النهضة الاقتصادية، مما يجعل تطويرها هو سبيل لحل الأزمة الاقتصادية لا مسبب لها، فهي تعد حلًا طويل المدى للأزمة الاقتصادية.

  2. لماذا لا تهتم بقية الدولة العربية بالزراعة مثلما يفعل المغرب ويخطط..ليتهم.يتعلمون

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88