كبرياء صخور أم هجوع قبور
الطبيعة الجذّابة تُكحل العينين بنور الحياة ، فبين أجنحة السحاب الطائرة ، وأروقة الأوراق الناضرة ، وخرير الأنهار الحادرة ، ونسيم الهواء العابق ، وشدو البلبل العاشق ، وتلألؤ الندى الرائق ، يتوسّد المروج الخضراء ؛ ألوانٌ من الصخور الصمّاء ، وأثقالٌ من الحجارة الصلداء ، قال شوقي :
تلك الطبيعة ُ، قِف بنا يا ساري
حتى أُريكَ بــديعَ صُـنْعِ البـاري
الأَرضُ حولك والســماءُ اهتـزَّتا
لــروائـــــع الآيـــــاتِ والآثــــارِ
لا مرية أنّ لكلّ آية في الطبيعة أثرٌ وبهجة ، إذ تراها في الصخرة الصمّاء راسمةً لوحات من الجمال يسرح فيها الخيال ، فجمالها قد يتشكّل في لونها المتقلّب أو في استلقائها المتبلّد أو في صمتها المتكتّم أو فيهن جميعاً أو في أشياء أخرى سرّها غامضٌ فيها ربّما لا ندرك معانيها ، وفي العموم الصخور جزء من جمال الطبيعة أقلّها أن تُظهر رونق ما حولها مقارنةً بها ، وإن اسودّ واغبرّ لونها أو قسا وتحجّر متنُها أو وضع الصمم أصابعه في أذنها.
بيد أنّ من الأحجار ما يبعث الحياة في البشر رغم قسوة وخشونة وصلابة بدنها ، إذ هي ألين من قلب متكّبر ، وأبيض من فؤاد حاسد ، وأصفى من جَنَان حاقد ، فمنها ما ينُقّي الشوائب من الماء العَكِر ليُشرب زُلالاً هنيا عذباً زكيّا ، ومنها ما يُوقد فاكهة الشتاء بلهبها الدافئ فتُذيب صقيعاً وتداوي لسيعاً ، ومنها ما يستر المكان ويقوّي البنيان عن شمس مُحرقة وأمطارٍ مُغرقة ، ومنها ما يشقّق فيخرج منه الماء ، ومنها ما يهبط من خشية ﷲ ، وهذا ما تعجز عنه القلوب الجامدة التي تضطجع على أذى البشر وتنام على ظلمهم ، بل لا فرق بينها وبين هجوع القبور إلا التنقل فلربما صادفتها في مكان ما ، فلا صفاء نفس يقرّبنا منها ، ولا بهاء روح يحبّبها إلينا ، متكبّرة متغطْرسة آثرت الطغيان ، تظنّ أنّها تعيش في برجٍ عاجي ليس لأحدٍ أن يخاطبها إلّا من وراء حجاب ، اشترت العزلة وتظنّ أنّها ليست من العزلة بمكان ، أمرضها الكِبر عن الحقوق فالتزمت العقوق ، تظنّك في حاجةٍ إليها ، وما تدري أنّها أحوج ما تكون إلى أدنى الكمال وذلك لنقص هوت في عميق وَحْلِه ، فانزوت فيه خالية خاوية من كلّ معنى جميلٍ في الحياة.
فالكبر كِيرٌ وداءٌ من العناد ، رفيقه في الآفة الحسد ، وخادعه في النفس الغرور ، وتوأمه في القلب العُجب ، وشريكه في المال الحرص ، ومَنطِقه بين الناس التحقير ، فلولاه ما طُرد أبليس من الرحمة ، لأنّ الرحمة لا تكون في القلب الجلف القاسي ، ولا من قلبٍ صلفٍ لا يشعر بالمآسي ، ولا عن قلبٍ جافٍ عديم الإحساس ، الكِبر والفساد صنوان ، فالفساد شِراعه الذي يبحر به ، والجاه والمنصب غالباً ما يكون مجدافه الذي يقوده فيعبث فيه ، وقد أبى الله لهذين الصفتين أعني الكِبر والفساد أن تكون سمةً لأهل دار القرار ، قال ﷻ : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ).
وفي ظنّي أنّ الكبر مقرّ كلّ خلق ذميم ، فالحسد والحقد والبغض والدناءة والطمع والظلم وغيرها الكثير صفات لا بُد وقد نال الكبر منها نصيبه ، ناهيك عن إعورار وعمى الرأي عند من تشبّثَ بزمامه الرثّ ، وهل أشقى قوم فرعون إلّا قوله ما أُريكم إلّا ما أرى وما أهديكم إلّا سبيل الرشاد ، في الزمن الذي انفجر فيه الحجر اثنتا عشرة عيناً لقوم موسى عليه السلام.
– فاصلة منقوطة ؛
إنّ في الكِبْر حيـثما كان ظـلما
يُبْغَضُ المرء دونهُ ، فهو حُمْقُ
لو بلغتَ الجبال طولاً ، فـيومـا
سَيَهلُّ الـتـرابَ فــوقــك خـلـقُ
———
إبراهيم الوابل – أبو سليمان
ibrahim7370@
الاثنين – الموافق
1 – 5 – 1440هـ
7 – 1 – 2019م
حروف رائقة وتصاوير محلقة
دام المداد حرا طليقا
رائع
قلت فأبدعت أبا سليمان ..
مميز
قلت فأبدعت
كلام درر
كاتب مميز ابوسليمان كعادتك
مقدمة أدبية جمالية مبدعة للوصول لهدفك في المقال دمت مبدعاً أستاذنا …. بالتوفيق
رائع، بالتوفيق
منارنة عجييبة ومناظرة هادفة أثمرت موعظة مفيدة فلنتفكر في ملكوت الله ونتعظ لنتذكره سبحانه وتعالى..
رائع جدا
تسلم انامله
ودايم الكبر او الكبرياء اذا دخل قلب واحد فهو يستنقص منه ومن عقله
وصف دقيق لصفة الكبر المذمومة
جيد
ي سلام ما ارعهما من كلمات تهز الوجدان
القسوة ضعف ..واللين قوة ورحمة..
للصخور جمال ، وبهاء ، اذا نظرنا لها بعين بصيرتنا
شكرا استاذنا الوابل على هذا العمل الابداعي الممتع والمثمر والمدهش
هذه زاويتي المفصلة وكاتبي الرائع الذي أحرص أن أتابعه بكل شغف واهتمام..لأن قلمه ينضح ابداعا
التحية لإدارة صحيفة هتون طاقم تحرير ومديري أقسام ..لأنهم دائما وأبدا يختارون لنا أميز الكتاب وأروعهم ليتفحونا بمواضيع في قمة الاهمية والابداع
واو..لم أتخيل ان الصخور بكل هذه الميزات والخصائص..إنها لفته في غاية الابداع..ليتنا ننظر للامور من زوايا نظر جديدة مثل ما يفعل كاتبا الجهبذ الوابل..
كلمات غاية الروعة
كلمات رائعه دائما متميز استاذنا الفاضل
من نجاح الي نجاح
ما اجمل الطبيعه الساحرة
سحر الطبيعه نعمه من نعم ربنا علينا
الكبر رأس كل شر
العند يولد الكفر والكبر يولد المقت والإبعاد .. نعوذ بالله
دائمًا هتون تقدم لنا الكتاب الرائعون .. دمتم متفوقون
تلك الطبيعة ُ، قِف بنا يا ساري
حتى أُريكَ بــديعَ صُـنْعِ البـاري
سبحان الباري
الله الله معاني جميلة
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق
تختلف النظرة للصخور وقسوتها ونجد ذلك فيما طرحه الكاتب بشيء من الربط بين المادي والصفة المعنوية فجعل قسوة الاحجار تمتد لتكون شبيهه بذاك الانسان ذو العناد والتكبر والجبروت ..
فكان الوصف جميلا والربط أجمل
سلمت أنامل الكاتب وحفظ يراعه لهتون وقراء هتون ودمتم بود جميعًا
تختلف النظرة للصخور وقسوتها ونجد ذلك فيما طرحه الكاتب بشيء من الربط بين المادي والصفة المعنوية فجعل قسوة الاحجار تمتد لتكون شبيهه بذاك الانسان ذو العناد والتكبر والجبروت ..
فكان الوصف جميلا والربط أجمل
سلمت أنامل الكاتب وحفظ يراعه لهتون وقراء هتون ودمتم بود جميعًا