إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

سفيرة العربية حضارتها في شبابها

يُصادف غداً  الثلاثاء اليوم العالمي للغة العربية ، وتحتلّ لغتنا في التصنيف العالمي مركزاً متقدّماً بين لغات العالم نظراً لسعة انتشارها في الأرض ، وهي في نظري أشبه بالأمّ لأهلها ، والزوجة للمختص بها ، والخطيبة لمتعلّمها ، فالأول رضع من ثديها فارتوى ، والثاني أدرك جمالها فتغنّى ، والثالث أخذه الشغف بها فالتهى ، ولغتنا ستظلّ شابةً مهما تقادم بها العمر ، ومضى ينحتها الزمن ، والفصحى منها أعذب وأرقى وأفخم وأوسع شيوعاً من عاميتها ، فلو قرأتُ شعراً عامياً من أيّ قطرٍ عربيّ وأنا أقطنُ في رمال نجدٍ الذهبية مثلاً ؛ على الأرجح لن أدرك المغزى ، بينما ما تكتبُه بلغتك الفصحى سيبلغ الآفاق حتى بين تلال الصين وفوق ناطحات نيويورك وتحت ظلال غابات البرازيل ما دام من يقرأ لك يعرف ويدرك القرآن تلاوةً ، فما أعظم فضلها علينا ، وما أعظم فضل القرآن عليها ، لذا الشعر الفصيح قادر على أن يواكب الحضارة  ، ولن تزال لغتنا بفصاحتها شابة إلى يوم القيامة ، لكن ينقص بعضنا التحضّر بالفصحى ، لأنّها ستبقى سفيرةً العربية وقبلة المتذوّقين لسحر الكلمة على اختلاف المكان وتغيّر الزمان وتفاوت المشارب .. فأقول :

لغتي مداد الحبّ حيث تناغمت

     ألحانها ، فالشمسُ فيها دافئهْ

والشعر بحرٌ في فصيحِ فنونها

     يُدنيك للأقصى حـلولكَ شاطئهْ

وممّا يُحزن ويؤلم ، ويُرمِض ويُمرض ، ويُوجع فيُفجع ، أن تجد من يحارب لغته وهو لا يشعر ، يرطن بأعجميته في كلّ سهلٍ وواد ، ويتخلّلها بلسانه عند كلّ حاضرٍ وبادٍ ، وكأنّ لغته الأمّ عاجزة أن تُخبر عن مشاعره وأحاسيسه ، أو كأنّها قد توقّف بها الزمن من أن تواكب حضارته ، أو أنّ لُكنته الغربية المُدارة تحت قبّعته المستعارة فاوضته ووعدته بأن يدركها فيتقنها إن تسلّق إليها على أكتاف حروف لغته الأم.

وأسوأ من هذا أن يُسمح لكثير من المحلّات التجارية بالتسمية الأجنبية دون ترجمة على الأقل لمراد اسم المحلّ ، فالقضية هنا اجتماعية أعجمية عامة لا فردية فريدة خاصة كما  هي هناك … فانتشار وتفشّي هذه الظاهرة تهدّد لغتنا المجيدة الجميلة إن لم يكن التهديد يحاصر هذا الجيل فحتماً سيعقد فيربط ألسنة أجيال قادمة بعده لتكون عاجزة عن التعبير بأحرف نقية العروبة. 

مهلاً مهلاً … لا يعني هذا ألّا نتعلّم لغة غيرنا ، بل على الضد من ذلك ، فمن تعلّم لغة حزبٍ أمن مكره ، وتوسّع فكره ، واستُقرئ رأيه ، واستُقرب نأيه ، لكن العتب العتب والعجب العجب لمن جعل لغة قومه مسرحاً من الفكاهة حين يتحدّث بها على نحو من السخرية والهزل معتقداً أنّ التصنّع والتشدّق بها هو المبتغى منه ، ولم يدرك أنّ الأمل والمرتجى منه أمر يسير ؛ وهو ألّا يطمس هويته العربية بألفاظ وتراكيب وجمل لغتنا في غنى عنها ، ما لم يكن لذلك ضرورة أو فضل علم ، ولو أُدرك ما قاله  المستشرقون الغرب عن لغتنا ما تجرّأ عاقٌ لها من أبنائها على الهمز واللّمز بها يقول المستشرق الألماني فريتاج : ” اللغة العربية أغنى لغات العالم “.

والشيء بنقيضه يُذكِّر لنذكر فنشكر ، إذ الشكر لنادي الهلال في بلادنا الغالية على فكرة احتفاء لاعبيه بلغتنا العربية الأصيلة وذلك بطباعة أسمائهم على القمصان بأحرف عربية تزامناً مع مناسبة اليوم العالمي لهذه اللغة الفاتنة الساحرة ، فأراها لمسة وفاء ، وبادرة نادرة ، وخطوة تصفّق لها القلوب فرحاً ، وتلوّح لها الأيادي بالتحية طرباً ، إذ تستحقّ التشجيع والهتاف على مدرجات منابر الثقافة وأقلام الكتّاب وعناوين الصحف.

صباح الفصاحة والبيان واللغة والتبيان ..

فاصلة منقوطة ؛

” إنّ للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر “. المستشرق البريطاني وليم ورك

———

إبراهيم الوابل – أبو سليمان

ibrahim7370@

الاثنين – الموافق

10 – 4 – 1440هـ 

17 – 12 – 2018م

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. للأسف نحن لا ندرك أن الانطلاق للثقافات والعلوم المختلفة يبدأ من معرفة وإجادة لغتنا والتمسك بهويتنا.

  2. ‏اللغة العربية.. لغة القرآن الكريم.. هويتنا ومصدر فخرنا .. شكراً أستاذنا على المقال الرائع وعلى الإبداع في وصف جمالها .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88