إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

دعاة وَهْم النجاح ، وقطّاع طرق الفلاح

بعد أيامٍ معدودات يحمى الوطيس ، وتُقرع الأجراس ، وتُعتصب الهمّة ، وتُشمّر السواعد ، وتُسبر القدرة ، وتُشغل الأذهان ، وتُقوّم الجدارة ، وتُكشف الكفاءة ، ويُمتحن الجهد والثقة بالنفس ، تحت وطأة المِحْبَرة والنِقْس ، لتُدار مع الكتب القِمَم ، وتختم  الجولات في سِنّة القلم ، فهو بين جناح الظفر وعكّاز الخيبة يرتقِب من حامله حُسن المآلَ أو سوء المغبّة.

أيامٌ تشحن المحارب بالهواجس ، راجلاً وراكباً وراجياً ألّا يسبقه منافس ، بيد أنّ هذا النوع من نزاله لا يحتاج فيه إلى جيش جرّار ، أو حسام مصقول الجوانب بتّار ، سوى قلمٍ يُبحر به في سفينة الفكر والثقافة ، والعلم والحصافة ، فيسير بها أول الأمر جارياً ثمّ سابحاً ومن ثمّ غائصاً ليصل إلى دُرر البحر وأصدافه الكامنة في أعماقه وإلى مَحَاره وقواقعة الراكنة حول أطواقه ، راسماً طريق المستقبل والطموح حين يعانق أفق السماء ببيرق السموّ وألوية الإبداع وأشرعة النجاح التي تُجابه غضب الرياح بكلّ شجاعة وحكمة.

وهذا النجاح لا يأتي إلا بعد كفاح ،  يحتاج إلى صبر يتلمّظ فمه هجير الصبر ، تسبقه إرادة تعضّ بعزيمة تأتي بالمراد والمبتغى عند بوابة أسوار المكافح ، فأقول :

وللنُجْحِ  أشواكٌ ، تحولُ عن الجنى

       إذا أنتَ لم تَـبــْنِ العزيـمةَ بالصبرِ

غير أنّه يُخشى على بحّار هذه السفينة أن تعطّله صخور عظيمة مدبّبة ، أو شعاب مرجانية محدّبة ، بأمواج ثائرة ، أو عصابة متحفّزة ، تقع به في حُفر الدسيسة ، بأنفسها الخسيسة ، ليتهاوى المستقبل المأمول منه وذلك عند غرقه في وحل الضياع بين يدي أرباب الزيغ ودعاة وهم النجاح ، الذين تَرُوج بضاعتهم الفتّاكة بالعقول أوقات الاختبارات القليلة العصيبة بين البيت والمدرسة والشارع !.

فهذه الأيام أشدّ خطراً من غيرها خلال العام الدراسي على مستقبل الطالب البحّار المحارب وذلك إن لم يكن لدى البيت عين راعية وأذن واعية وعقل رشيد ، وقلب مشفق ، يهاب ويترقب ، ويتربّص ويتوجّس ، وينتظر ويستشرف ، فالحذر الحذر ، والاهتمام الاهتمام ، فلربّما ضاعت الأحلام في لحظة من غفلةٍ غلبها الخلود إلى آرائك المنام.

فالحبوب المنبّة لتنشيط الذاكرة التي تروّج في هذه الأيام كـ ( الكبتاغون ) وغيرها زاعمةً أنّها الأنقى في صفاء الذهن ، والأثبت في تركيز الفكر ، والأفقه في استنباط المعلومة ، والأمهر في التقاط المعرفة ؛ماهي إلّا أخطار وسموم وويلات وهموم ، أولها هناء كاذب وأوسطها عناء مُحرق وآخرها شقاء مميت !.

ومن المهم علينا كأولياء أمور أن نحكم القبضة في هذه السويعات القلائل أيام الاختبارات ، قبل أن تحوط فتنوط محاصرةً ومعلّقةً أبناءنا بما لم نضع له في أذهاننا حساباً ..!! ، فللوطن عدوّه ، وللمال عبيده ، وللشهوة سَكْرَى ، وللقبيح مُزيّن ، وللبلاء مروّج ، وللناجح حاسد وحاقد ، فأبناؤنا أمانة في أعناقنا فلا يذهبنّ اجتهاده في نفثة دُخان يصعده عن التفوّق هباءً ، أو في اصطياد تحرّش يقيّده بالابتزاز فريسةً ، أو في زوبعة ( تفحيطٍ ) تهلكه عن العيش قضاءً ، أو في ترويج مخدرٍ يقتاته جهلاً فيُبكي أعمارنا حسرةً.

حفظ الله مستقبل أبناء وطني من كلّ سوء وجعلهم ذُخراً لوالديهم ولأمجاد أمتهم .

فاصلة منقوطة ؛

إذا أردت النجاح في الحياة اجعل من المثابرة صديقك الحميم , ومن الخبرة مستشارك الخاص , ومن الحذر أخاك الأكبر , ومن الأمل حارسك العبقري. – جوزيف أديسون

إبراهيم الوابل – أبو سليمان

ibrahim7370@

الاثنين – الموافق

3 – 4 – 1440هـ 

10 – 12 – 2018م

مقالات ذات صلة

‫13 تعليقات

  1. (حفظ الله مستقبل أبناء وطني من كلّ سوء وجعلهم ذُخراً لوالديهم ولأمجاد أمتهم ) اللهم آمين .. الله يوفقهم ويحفظهم ولا يخيب تعبهم … وأشكر لك حرصك أستاذنا الكريم .

  2. الله يعطيك العافيه على هذا المقال الرائع ..( حفظ الله مستقبل أبناء وطني من كلّ سوء وجعلهم ذُخراً لوالديهم ولأمجاد أمتهم .) اللهم امين

  3. كلمات رائعة من كاتب فاضل ومبدع ومتميز .. تصل كلماته المنتقاه بدقة وحكمة إلى القلب مباشرة .. دام عطاؤكم وتوهجكم الفكري .. وبارك الله لنا في صهتون على ما ترفد به قرائها من درر ثمينة

  4. مقال جداً جميل و رائع ، لقد احسنت اختيار الوقت لطرح هذا المقال المفيد الهادف استاذ ابراهيم وهذا ماتعودنا عليه منك حفظك الله و حفظ فلذت اكبادنا و وطنا الغالي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88