إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

حديث الطفولة والناشئة

الأطفال سحر بسمة، وعطف همسة، وحنوُّ لمسة، وفتنة طرف، وبهاء طيف، وفطرة بيضاء، نقيةٌ سمحاء، نرى فيهم براءتنا، وعذوبة دمعتنا، وصفح قلوبنا، ومضي أعوامنا، وركض أعمارنا، رياض ونحن البستانيون، ثمار ونحن القاطفون، نخيل ونحن الغارسون، وفي الغد ورود أو شوك إمّا أن تكون لنا أو علينا.

كما نرى فيهم فوضى أوقات العابث ما تبعثر ليله بنهاره، وشكوى ليالي العاشق ما أسهره فراق أحبابه، وحيرة دموع المحروم ما انسكبت العَبْرة على وادي وجنته، وعجلة أمور المتبرّم ما تأخّر الفرج عن باب محنته.

والطفل إن سألته عن عمره لن يكذب، فالكذب ليس في لغة معجمه، والمكر ليس من ثعلب ضميره، والحسد ليس من عقرب قلبه، والبغض ليس من سمة روحه، ولو قُدر للأطلال أن تتكلّم لخاطبته دون البشر إلّا ما شاء ربّك، لأنّه مَلَك يمشي على الأرض بدمّه وعظمه ولحمه، إذ ترى فيه نقاء جوانبها المغبرّة الغابرة، وصفاء أفنيتها الواسعة الخاوية، وبهجة ذكراها الماضية الخالدة، إذ آنست فيه مرحه بين الأركُن، وصعوده غيمة الأسطح، وتناوشه حبال الأسقف، كما ألِفت منه وقع القدم فوق الممرّات، وموطئ الخطو بين الحارات، وتلقّف الأحبة عند الساحات، فلم تبغضه ولن تبغضه، ومن ذا يبغضه إلّا ناقص عقل، وقليل فهم، وجاحد نعمة، وحاسد فضل.

قال شوقي:

أحبب الطفل وإن لم يك لك

              إنّما الطفل على الأرض مَلَك

ولا شكّ أنّ مداعبتهم تواضع، وملاطفتهم براءة،  وحرمانهم مع العتب والشفقة تأديب، وترفيههم دون احتراس عاقبته تأنيب، وتنشئتهم على الخير مغنم، وبناؤهم على الجد أحزم، وتهيأتهم لغِيَر الزمان أرحم، فغدًا سيكونوا لنا عونًا ومفتاحًا، وسنجني من إنباتهم النبات الحسن أرباحًا، فإن أخذنا لهم بهذا .. سيقفون في وجه ملمات العيش صامدين، إذ لن نبقى لهم على مُرّ مَرّ الليالي دائمين.

ومن هنا أرى تعليم الطفل والناشئة يجب أن ينطلق من ثلاث: كتاب ﷲ تعبُّدًا وأدبًا وتلاوة، ولغته الأم إملاءً وكتابةً وقراءةً، والرياضيات فقهًا وتطبيقًا وحذاقةً، وذلك في المراحل الأولية خاصة، مع التركيز والتدريب الجاد والبعد عن الاسترسال والاستطراد الذي يميل عن الهدف المأمول، ويحدّ من مسافة المعرفة والمقصود.

ففي كتاب ﷲ ارتباط بالآخرة يطيّب الروح بالطاعة، ويقوّم اللّسان والذوق بالفصاحة، وفي اللغة تواصل بالحروف يربط بالمجتمع، ويُجرّئ الاختلاط بالناس والجُمع،  وفي الرياضيات تدرّج بالنباهة، وتوسيع للمدارك مع السير في الدرب الصحيح السالك.

ولا بأس بين هذا وذاك من الاهتداء بقبس أدب الطفل والناشئة الذي يغرس القيم النبيلة، والأخلاق الجليلة، والمُثل السامية فيه، مثل:

  • قصص الأنبياء والصحابة في لغة بسيطة وصورة معبّرة وعاطفة مؤثّرة.
  • حياة العلماء في شتى العلوم في نظرة تحفّز الهمّة وتصنع الثقة وتنمّي الموهبة.
  • أشعار أحمد شوقي ومحمد الهرّاوي في أدب الحكايات، ففيها ما يُعمل الفكر ويرسم العِبر ويقرّب الفهم.
  • قصص نجيب وكامل الكيلاني في أدب الطفل والناشئة، وهي أعلى درجةً في فنّها الأدبي وذلك لسموِّ مبناها، وعمق معناها، مع سهولة بيانها وإثارة أحداثها وغور مغزاها.

فاصلة منقوطة؛

الطفل كالعيد يُلقي سحر بسمته

    بيـن الـورى بــرداءٍ دفــئــهُ أمــلُ

يشفي قلوبًا براها الهــمّ من ألمٍ

    بضحـكةٍ حلــوةٍ قــيثـارهـا زجــلُ

إبراهيم الوابل – أبو سليمان

ibrahim7370@

الاثنين – الموافق

18 – 3 – 1440هـ 

26 – 11 – 2018م

مقالات ذات صلة

‫15 تعليقات

  1. نعم، أتفق معك أستاذنا في أن الأساس في القرآن واللغة وعلم الرياضيات، فهي تجمع المناحي النفسية والاجتماعية والعقلية للتنشئة

  2. أستاذ إبراهيم المراجع والكتب التي ذكرت في نهاية مقالتك الرائعة هي من الكتب التي لابد لنا من الاعتماد عليها للتنشئة
    شكرا لهذا الطرح

  3. ممتاز يا أستاذنا فالأطفال هم جنة الدنيا اللهم أعنا على تربيتهم التربية الصحيحة السليمة

  4. حقًا إن اهتممنا بأطفالنا اهتمامًا كافيًا فنحن بذلك نزرع زرعة طيبة تؤتي ثمارها مستقبلًا، الأطفال هم مستقبل بلادنا وهم كالصفحة البيضاء يمكنك أن تخط عليها ما تشاء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88